الصيادون .. وقواعد الصيد
بقلم ألعميد منذر ألأيوبي *
جُغرافيَآ ، يحظى الخليج الفارسي – العربي بأهمية بالغة فهو إختصارآ أحد أهم الممرات الإستراتيجية في العالم و الأكثر ازدحامآ للشحن النفطي و البحري ، بين ضفتيه الساحل الشرقي ألإيراني و الساحل الغربي ألإماراتي مسافة تتراوح بين 180 إلى 280 km و بعمق لا يتجاوز 100 m أو يكاد ، جسر تواصل تاريخي بين الغرب ألأوروبي و الشرقين ألأدنى و ألأقصى بابه مضيق “باب ألسلام” أو هرمز أما مفتاحه فإقليمي مشترك و ألقفل إيراني صَرف ..!!
أتى إلغاء الولايات المتحدة الاميركية مشاركتها في الاتفاق النووي الإيراني 5+1 و فرضها عقوبات مالية اقتصادية تلاهُ حصار تجاري وصولآ الى عقوبات على المرشد الإيراني و وزير الخارجية و آخرين كذلك إدراج الحرس الثوري الإيراني و قيادته على لوائح الإرهاب متزامنآ مع العديد من العمليات ألعسكرية ألمُقاسة بِ “ميزان ألجوهرجي” و ألمنفذة من قبل القوة ألإيرانية البحرية أو المجموعات الموالية لها التي استهدفت حركة الملاحة ضمن إستراتيجية “لا حرب و لا سلام” و مبدأ “نفط للجميع أو لا نفط” كما تصاعدت ألأزمة بعد إحتجاز المملكة المتحدة لسفينة إيرانية في مضيق جبل طارق و رد البحرية الإيرانية باحتجاز سفينة ترفع العلم البريطاني ..
بألتوازي ، بدأت منطقة الخليج تشهد تغييرآ أو على ألأقل تصدعآ في ألتحالفات و سعيآ إلى وساطات لخفض التصعيد كخطوة أولى كان آخرها ألعُمانيَة ضمن قناعة لا منتصر سواء في حرب أليمن أو المواجهة مع إيران لا سيما ان واشنطن و حلفائها و لأسباب شتى جيوسياسية ، إستراتيجية ، إجتماعية داخلية “عودة الفتيان إلى ألديار”، و إنتخابية “تجديد ولاية ترامب” لا ترغب بتدخل فعلي ميداني في بِدءِ حربٍ لا يُعرف كيف تنتهي ، إضافةً لعدم إستعدادها لذلك ..!
تُرجمَت بوادر هذا ألتغيير عبر قرارات متوقعة مستقلة و متمايزة عن قيادة المملكة العربية ألسعودية إتخذتها دولة ألإمارات ألعربية ألمتحدة منها و أولها “إعادة ألإنتشار” – عبارة مُلطفة – لقرار إنسحاب قواتها من أليمن و ألإكتفاء بإدارة ألصراع من خلال ألميليشيات ألموالية لها ..
على هذا ألإيقاع ، أتى ألإجتماع ألعسكري في طهران الذي عقد يوم ألخميس ألفائت بين قائد حرس ألحدود ألإيراني ألعَميد قاسم رضائي و قائد قوات خَفر ألسواحل ألإماراتي العميد علي محمد مصلح ألأحبابي بحضور أركانهما تكريسآ لتقارب ما .! إذ أعلن رسميآ أنّ “الاجتماع يأتي استكمالاً للقاءات دورية سابقة كانت تعقد كل ستة أشهر -عُلِقَت عام 2013- للجنة ألعسكرية ألمعنية بمسائل تجاوز الصيادين للحدود البحرية ألمشتركة و توفير ألعبور القانوني لهم ، حلّ مسائل الإفراج عن المخالفين لقواعد الصيد و مكافحة عمليات التهريب و ذلك حرصآ على شؤون مواطني ألبلدين بما فيهم الصيادين”.
رغم محاولة إسباغ ألشكل ألأمني ألمحدود و ألروتيني ، إلا أن ألزيارة من ألأهمية بمكان خطوة من ألف ، ستمهد لوقف ألمناوشات و خفض التوترات و تحييد أبو ظبي عن ألصراع ألإقليمي ألسعودي – ألإيراني ، إذ أن بند مسائل ألصيد و ألصيادين ألمُعلَن في ألمذكرة آخر ألبنود و أبسطها ، أما ألأساسي ألغير مُعلن طبعآ فهو “تعزيز التعاون ألعسكري و ترسيخ ألأمن الحدودي” عبر تنسيق ألعمليات و تحركات ألقطع ألبحرية في مياه ألخليج مع تعديل لقواعد ألإشتباك كذلك تسهيل عبور و تأمين حماية ناقلات ألنفط ألإماراتية ..
في سياق مُتَصل ، لافتآ بدا تصريح قائد حرس ألحدود ألإماراتي ديبلوماسيآ أكثر منه ضمن إختصاصه ألعسكري : “نحن سعداء للغاية لوجودنا هُنا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، إنّ توقيع مذكرة ألتفاهم خطوة إيجابية لصالح البلدين و لِإرتقاء الأمن الحدودي و تسهيل حركة المرور” مؤكدآ ضرورة تعزيز العلاقات ألحدودية بين ألبلدين ..!
تاليآ ، تلقفت وزارة الخارجية و التعاون الدولي الاماراتية ألخطوة العسكرية التنسيقية مبدية إرتياحها لنتائج أجتماع طهران ..! و في تصريح مشابه من نفس أللون أعلن ألعَميد قاسم رضائي أن “موضوع حماية الحدود يحظى بأهمية خاصة و يشكل جسرآ بين الجانبين ، كما يسهم في النهوض بمستوى العلاقات الثنائية و توفير الأمن المستدام لشعبي البلدين” مُضيفآ ” أن منطقة ألخليج ألإستراتيجية
و بحر عُمان ينبغي أن تعود لشعوبها و ألا نسمح بأن يُمَس أمننا ألإقليمي”..
من جهة أخرى ، يبدو أن ألقيادة ألإماراتية حَرَصَت مع تَفهمٍ من طهران لِعدم إظهار المذكرة الموقعة إستدارة إستراتيجية في هذه ألمرحلة الحَرجة إقليميآ وذلك بغية تلافي أي تصدع في مجلس التعاون ألخليجي ولتحالف ألعسكري ألعربي ألذي تقوده ألرياض .. بألمقابل ، علقت ألرئاسة الإيرانية على أللقاء معتبرة “أن مشكلة إيران ليست مع الإمارات أو الخليج بل مع أمريكا و حلفائها ألإقليميين ، إن الإمارات لا ترضى بنشوب حرب جديدة في المنطقة لا مع أميركا أو غيرها” ..
من ألواضح أن أبو ظبي تقدمت خطوة نحو إيران مدركة بحكمة أميرها وحاكم ألدولة ضرورة حقن الدماء ووقف المواجهات ألغير مجدية بنتيجة “خاسر – خاسر”، إستطرادآ ليس من مانع يَحول مستقبلآ دون دفع ألعلاقات السعودية ألإيرانية نحو إستكانة مرحلية وخفض حدة ألتوتر ثم تنظيم ألخلاف وصولآ إلى إنهاء حال ألعداء والهيمنة ألإقليمية و قضايا أخرى عالقة، هذا ألأمر طبعآ ليس من ألسهولة بمكان لكن ألمأمول هو الحراك الأوروبي ألموازي عندما تحين اللحظة المناسبة خاصة وأن عقود ألأسلحة مع ألبنتاغون قد أبرمت و المليارات من الدولارات بدأت تجري في شرايين ألبنية ألأميركية ضمن رهن للثروة ألخليجية النفطية لِعَقدٍ قادم من الزمن ..
أيضآ سيكون من جملة إرتدادات لقاء طهران ألأمني على المدى المتوسط الرهان على مبادرة حوار مستقبلية إماراتية أوروبية قد تؤدي إلى حلحلة ما في أزمة تعليق واشنطن إلتزامها بألإتفاق ألنووي ألإيراني – إتفاق لوزان ..
على هامش ما ورد أعلاه تسربت معلومات عن طلب إماراتي رفيع ألمستوى من القاهرة بالتوسط لدى دمشق بُغيَة إعادة تفعيل ألعلاقات بين ألجانبين من حيث توقفت بعد أن فرملها الأميركيون مطلع عام 2019 ”..!
ختامآ، ألمشهد ألسياسي والميداني ألملتهب ربما بدأ ينحو نحو ألتهدئة وخفض ألتصعيد لكن ألمتضررين كُثر أولهم « 1 » بنيامين نتنياهو في جنوحه نحو حرب مع إيران تُورِط ألولايات ألمتحدة لاحقآ وأولهم « 1’ » Prime دافيد كوشنير وصفقة ألقرن ..!
غدآ ستبحر مراكب ألصيادين ذات ألأشرعة “ألجالبوت” و “ألسنبوك” ألمصنوعة من خشب “ألساج” ألهندي وسترمي شباكها “ألجاروف وألقفة” على مرأى من قائد ألأسطول ألخامس ألأميركي ألأميرال “جايمس مالوي” James J. Malloy وقائد ألفرقاطة ألبريطانية H.M Montroz ألجنرال “وليام كينغ” William King ، أما الصيد هذه ألمرة فستكون أسماك ألهامور وألكردوس والبَدَح وغيرها، على أمل أن تُطعِم جياع أليَمَن “السَعيد” مع ألأسَف !…
————————
*عَميد كاتِب و باحِث .
بيروت في 03.08.2019