“عرس الزين” للطيب صالح .. فرحة العمر على قبر “الحنين”..!

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

الطيب صالح أو “عبقري الرواية العربية” كما جرى بعض النقاد على تسميته أديب عربي من السودان ولد عام 1929 بقرية كَرْمَكوْل شمالي السودان وتوفي عام 2009. حصل على البكالوريوس في العلوم من الخرطوم سافر بعدها إلى إنجلترا حيث واصل دراسته وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية. تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية ومنها عمله مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس وممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية “موسم الهجرة إلى الشمال”.

كتب الطيب صالح العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي: موسم الهجرة إلى الشمال، عرس الزين، مريود، ضو البيت، دومة ود حامد ومنسى. روايته “عرس الزين” حولت إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي فاز في مهرجان كان في أواخر السبعينات.
أحداث رواية عرس الزين:
تبدو “عرس الزين” في ظاهرها قصة بسيطة للغاية. فهي تروي حكاية خطبة الزين، أضحوكة القرية، ل”نعمة” الشابة الجميلة وابنة الحاج إبراهيم أحد رجال القرية البارزين. وهناك عقبات مختلفة تعترض هذه الزيجة والحائل الحقيقي هو شخصية الزين نفسه: فهو إنسان غريب الأطوار لا يستطيع أحد أن يتكهن بما هو مقدم عليه، حاد المزاج، لا مكانة له في القرية. وليس هناك ما يضفي على الزين ما يكفي من احترام أهل القرية حتى تتم الزيجة سوى ما يجده الزين من مؤازرة “الحنين” الذي يحظى باحترام الجميع وتقديرهم. “الحنين” شخصية رجل صوفي يصوره الطيب صالح بأنه يعطف على منبوذي القرية مثل موسى الأعرج وعثمانة الطرشاء وله بالغ الأثر في حياة الزين. وهو الذي ردعه ومنعه من ارتكاب جريمة قتل وهو الذي دعا له أن يتزوج أفضل بنات البلدة وهذا ما حدث في نهاية الرواية حينما تزوج “نعمة”. وفي النهاية نرى الزين يترك ساحة فرحه ذاهباً إلى قبر الحنين وضريحه منحنياً باكياً عليه لأنه هو السبب في كل شيء جيد حدث له.
الأثر الصوفي في الرواية:
يتمثل الأثر الصوفي الديني في شخصية الحنين وبصورة ما في شخصية الزين. تصفه الرواية بأنه كان رجلا صالحا منقطعا للعبادة. يقيم في البلد ستة أشهر في صلاة وصوم، ثم يحمل إبريقه وسجادة صلاته وينقطع للعبادة في الصحراء. ويحيط الغموض بحياته أيضا: لا أحد يدري ماذا يأكل وماذا يشرب، فهو لا يحمل زادا في أسفاره الطويلة.
ويسيطر الحنين سيطرة روحية كاملة على أحداث الرواية، إذ يظهر فجأة من حيث لا يعلم أحد في لحظة حرجة وخطيرة كاد فيها الزين أن يزهق روح سيف الدين بعد أن فشلت محاولات ستة رجال أشداء في فك قبضته الجبارة. ومنذ تلك اللحظة يتغير كل شيء في القرية: سيف الدين الفاسق الفاجر الذي عق والديه، وعجزت القرية عن إصلاحه، يتحول بعد أن رأى الموت بعينيه إلى إنسان صالح متدين. والزين، ذلك الأبله الساذج في نظر القرية، الذي تنبأ له الحنين في تلك اللحظة بأنه سيتزوج أجمل فتاة في البلد، يتزوج بالفعل الفتاة التي كان يتطلع إليها رجال يعدون في ميزان أهل الدنيا من وجهاء القرية، منهم الإمام والناظر.
والقرية التي دعا لها الحنين بالخير، يعمها الرخاء ذلك العام بصورة لا مثيل لها. ويطلق كل ذلك خيال أهل القرية فيتحدثون في مجالسهم عن معجزات عام الحنين: يتواتر في القرية أن الجليد قد سقط لأول مرة في ذاك العام، وأنجبت النساء اللاتي يئسن من الإنجاب، وعم الخصب الأرض والحيوانات.
الرواية في ميزان النقد:
في الرواية نماذج بشرية معبرة يتقن الروائي وصف افكارها، تقاليدها، اخلاقها، احاسيسها. كما أن الكاتب أثار عادات من صميم القرية السودانية وأراد من خلالها أن يدعو إلى الحياة الإنسانية الصافية المبنية على الروحانية والمبادئ والقيم. هذه الحياة التي لا يعرفها الغرب المادي الذي عاش المؤلف فيه، فهنا يتضامن أهل القرية وإن اختلفوا، يتآخون وان تعادوا، ينسون خلافاتهم أمام المصلحة العامة والموقف الإنساني المشترك. ومن ناحية الأسلوب حافظ الراوي على فصاحة العبارة في السرد، فلم يستعمل إلا التعابير الخاصة من الواقع في الحياة السودانية خاصة أو العربية عامة، لكنه استخدم الحوار بالعامية السودانية على ألسنة الشخصيات جميعها.

———————————