“في ممر الفئران” رواية من الخيال العلمي
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
تخيّل ماذا سيحدث لو اختفى النور من على هذه الأرض، أو تخيل لو أنَّ النور يتم توزيعه حسب الغني والفقير وأنّه ليس ملكا للجميع؟ هذه كانت الفكرة الأساسية في رواية “في ممر الفئران” التي تصنّف ضمن أدب الخيال العلمي للكاتب أحمد خالد توفيق والذي حاول من خلالها إيصال فكرة حالة الظلم والفساد المنتشرة في عالمنا الحالي عن طريق بناء عالم مواز له وهو عالم الظلام حيث يعتبر النور هناك جريمة يعاقب عليها بالقتل. فسكان هذا العالم يجب أن يبقوا في الظلام الدّامس وألّا يعرفوا بما يدور حولهم. وهم يجهلون أن هناك نورًا خلقه الله، وأنه كان للجميع قبل أن تحتكره فئة محظوظة، ربما كان الخلاص ممكنا، ولربما هو أمل زائف.
أحمد خالد توفيق من الكتاب العرب القلائل الذين برعوا في كتابة روايات الخيال العلمي وقصص الرعب فأصدر أكثر من سلسلة قصصية مثل “ما وراء الطبيعة” و”فانتازيا” و”سافاري”.
ولد توفيق في مدينة طنطا المصرية عام 1962 وتخرج من كلية الطب عام 1985 وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997.
أصدر العديد من الروايات والقصص القصيرة وترجم عشرات الكتب والروايات وكان يكتب مقالات في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.
تنتمي معظم أعمال توفيق لما يسمى بالأدب الغرائبي ومن أهمها سلسلة “ما وراء الطبيعة” التي ينظر إليها على أنها شكلت وجدان جيل من الشباب في مصر والعالم العربي.
كما استخدم في أعماله ثيمة “الديستوبيا” أو أدب “المدينة الفاسدة” وهي نقيض اليوتوبيا إذ تتحدث عن المستقبل، من خلال تصورات مظلمة يفقد فيها البشر الكثير من حريتهم ومشاعرهم ومواردهم مثل روايته “يوتوبيا”.
وكان معظم أبطاله من مدرسة “نقيض البطل” أو Antihero وهي الشخصيات التي تفتقر إلى مواصفات البطولة التقليدية كالمثالية والوسامة أو التمتع بجسد رياضي أو الشجاعة. توفي أحمد خالد توفيق يوم 2 نيسان/ابريل 2018، إثر أزمة قلبية تعرَّض لها عن عمر ناهز 55 عاما.
تبدأ الرواية بدخول بطلها “الشرقاوي” في غيبوبة لم يعرف الأطباء سببا لها. في المقابل بينما يكون جسد الشرقاوي في المشفى فإنّه ينتقل بشكل غريب إلى عالم الظلام حيث يجد عالما تكوّن بعد سقوط نيزك كبير أدى إلى حجب أشعة الشمس عن الأرض الأمر الذي سبب انسحاب مصادر الطاقة حتى غرق العالم في الظلام الحالك وبدأ بالتعفّن. بعد ذلك ظهرت شخصية ما يسمى بالقومندان الذي يفرض عقيدة الظلام كمذهب جديد للبشر وعليه فكل من يُضبط متلبسا بإنتاج النور حتى لو كان مجرّد إشعال نار فإنّه يُعدم دون محاكمة.
و في أثناء دخول الشرقاوي لهذا العالم كان هناك جيل بأكمله لم يعرف معنى النور ويظن بأنه خرافة من خرافات الأهل والأجداد الذين نظروا للشرقاوي على أنه المنقذ المنتظر وهو المندهش الذي لا يعرف أين حلّ به المقام لا بل ويظن بأنه أصيب بالعمى وأصبح مطاردا من الشرطة بعد أن حاول إشعال قداحته ذات مرة.
ينضم الشرقاوي مع بعض الشباب إلى القلّة المتمردة في عالم الظلام والتي تُدعى بالنورانيين وهم من يطالبون بالضوء كحقّ مُكتسب للجميع. يجهّز النورانيون أنفسهم للمعركة الكبيرة متجهين نحو جبال الهملايا على أمل استعادة الشمس لتنتهي الرواية نهاية مفاجئة ليخبرنا الكاتب بأنّ النهايات السعيدة تمّ استهلاكها ولا تمتّ لواقعنا بصلة وبأن الشر معنا وحولنا وفي داخلنا وقد ينتصر على الخير أحيانا.
لم تكن المرة الأولى التي يُقّدم فيها الراحل أحمد خالد توفيق ذلك العالم الكابوسي عن أرض يحكمها الظلام، فعلها قبلا في سلسلته الأشهر “ما وراء الطبيعة”، عندما قدّم “أسطورة أرض الظلام” ليخوض في عالم تحكمه فئة قليلة احتكرت النور وغسلت عقول البشر ليصير النور هو الجريمة العظمى. ومن هنا ذكر توفيق في مقدمة الرواية “أنها تحمل إسقاطا على عالمنا العربي الذي يسعى للوصول للحرية بالكاد وإن لم يكن هناك أي رمزية واضحة لأي شعب بعينه أو أي حاكم بشخصه وإنما الأمر لم يتعدَ مجرد فكرة التمرد ولذا لا أعتبر الرواية رواية سياسية بقدر ما هي فنتازية لفكرة خيالية”. يبدو في الرواية الجديدة عُمق ذلك العالم الموازي المخيف الذي تخلى فيه العالم كله عن حقه في الحرية مقابل الحياة كالفئران في ممر حالك السواد. ومما جاء في الرواية:” ان تكتشف فجأة أنك لست حرا… وأنك خاضع لنظام قمعي قادر على سحقك… وأنت في حالة وهن شديد… بعد قليل تخضع… بعد قليل تقنع نفسك أنك مطمئن لأن هناك من يعتني بك… ثم تشعر بامتنان عميق لوجودك في ممر الفئران… أين ستكون لو لم تكن هناك؟!”.
_____________________
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”