الدنيا نيوز- دانيا يوسف
تمر منطقتنا العربية باضطرابات عدة، وفي مثل تلك الفترات يرى الناس، في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء، كل شيء في العالم بصورة قاتمة.
لكن رغم ذلك فإن منجزات العلوم في 2018 تفتح لنا بابا لتأمل السنة بصورة مختلفة.
• أذرع البشر الممتدة
على سبيل المثال، تمكنت المركبة “كيريوستي”، الموجودة الآن على كوكب المريخ، في يونيو/حزيران الماضي من رصد الوحدات الأساسية لبعض المركبات العضوية المعقدة، مما ينبئ بأن الحياة ربما كانت جزءا من هذا الكوكب يوما ما. أما المركبة “أنسايت” -التي حطت على سطحه في ديسمبر/كانون الأول- فسوف تكمل مهمة كيوريوستي باختراق جسم الكوكب لدراسة التطورات الجيولوجية السابقة له.
من جهة أخرى كانت هيئة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) قد أطلقت في أغسطس/آب الماضي المسبار “باركر”، الذي سيذهب لأول مرة في تاريخنا في رحلة خاصة إلى أطراف الشمس على مسافة 6 ملايين كيلومتر فقط منها.
يهدف المسبار لدراسة الهالة الشمسية، التي تمثل أكبر الألغاز العلمية إلى الآن، فدرجات حرارتها الأعلى بمئات الأضعاف من سطح الشمس، ستساعدنا في تطوير معارفنا عن الشمس، مما قد يجنبنا دفقاتها من الرياح الشمسية والتي تؤثر على الاتصالات، عصب الكوكب المعاصر.
• بين المستقبل والماضي
أذرعنا نحن البشر قصيرة، لا يتخطّى طولها حاجز المتر، لكن عقولنا مكنتنا من صنع مركبات كتلك، تطيل أيدينا إلى مسافة ملايين الكيلومترات لفحص الكون البديع، كذلك فإن بصيرتنا قد تطورت كثيرا لتنخر في الماضي السحيق، وتكشف أول آثار البشر.
فقد تمكن فريق بحثي نرويجي في سبتمبر/أيلول الماضي من كشف أقدم آثار البشر الفنية، وهي رسمة عمرها حوالي 73 ألف سنة وجدت في كهف بجنوب أفريقيا، يوفّر ذلك لمحة عن أصل استخدامنا للرموز، التي أرست قواعد اللغة والرياضيات والحضارة.
• الأبحاث العلمية لا تتوقف
أما في كهف دينيسوفا، بجبال ألتاي في سيبيريا، فقد وجد فريق بحثي من معهد ماكس بلانك للأنثربولوجيا التطورية في أغسطس/آب الماضي حفريات تثبت تزاوج نوعين من الأجناس السابقة للبشر، إنسان نياندرتال وإنسان دينيسوفان.
إنها المرة الأولى التي نتمكن فيها من إثبات وجود هذا الهجين، حدث ذلك قبل حوالي 41 ألف سنة، فهمنا لتاريخنا الضارب في القدم سيساعدنا أن نفهم ذواتنا، فنحن البشر لا نهدأ، أحجامنا الصغيرة في هذا الكون الواسع تدفعنا للخوف، الذي يدفعنا بدوره لبحث كل شيء.
• تحرير الجينات… هل ينتج السوبرمان؟
الآن دعنا نترك العالم بالخارج وندخل بالفعل إلى ذواتنا، حيث كانت سنة 2018 إضافة حقيقية في تقنيات التحرير الجيني، وتعني -بصورة مبسطة- إعادة كتابة المادة الوراثية لأي كائن حي، مما يعني بالتبعية إعادة تشكيل أجسامنا.
للوهلة الأولى يبدو ذلك مخيفا بالطبع، لكنه -على عكس تصورات الكثيرين- الحدث الذي ننتظره.
على سبيل المثال، تمكن باحثون من جامعة أدنبرة في يونيو/حزيران الفائت من إنتاج خنازير معدلة جينيا لتقاوم مرض فيروسي شائع يدعى “الأذن الزرقاء”.
من جهة أخرى تمكن باحثون في الأكاديمية الصينية للعلوم في مايو/أيار الماضي، عبر التحرير الجيني، من إنتاج نوع من الأرز يعطي نسبة من 25 إلى 31% كمية إضافية بعد زراعته، قد يساعدنا التحرير الجيني يوما ما على تخطّي حاجز الحاجة للغذاء حينما يصبح تعدادنا 10 مليارات شخص.
لكن الحدث الأشهر، المتعلق بالتحرير الجيني، في 2018 كان لا شك إعلان هي جاين كوي الباحث بالجامعة الجنوبية الصينية للعلوم والتكنولوجيا في ديسمبر/كانون الأول عن ظهور أول طفل بشري معدل جينيا، حيث تمكن فريقه البحثي من تعديل جين يسمى “CCR5” في توأم تدعيا “لولو” و”نانا” لتخرجا للعالم وهما مقاومتان لمرض الإيدز. لم تتأكد تلك النتائج بعد، لكن الخبر أثار ضجة عالمية واسعة، إذا كان ذلك صحيحا فإنها الحالة الأولى في التاريخ التي يتم تعديل جينات البشر فيها.
• وللفضاء نصيب
في يوليو/تموز الماضي، اشتعلت الأجواء العلمية فرحا، حيث تمكَّن فريق بحثي دولي من كشف مصدر كوني لأحد أكثر الجسيمات دون الذرية غموضا وقدرة على الهرب من أرصادنا (لذلك سميت بالجسيمات الشبحية)، إنه جسيم “النيوترينو فائق الطاقة”، وهي المرة الأولى في تاريخنا التي يتمكن فيها أحد من فعل ذلك.
تحقيق فهم أفضل لعالم الجسيمات دون الذرية يعني بدوره تحقيق فهم أفضل للكون كله، هذا الفهم هو ما نراه اليوم في صورة نظريات وفرضيات علمية، لكن في أثناء بناء تلك النظريات قد يحدث أن نتفاجأ بكشوف جديدة تدفع فضولنا إلى حدود استثنائية، على سبيل المثال كان أحد أهم أحداث 2018 العلمية في مارس/آذار الماضي حينما أعلن فريق بحثي دولي وجود مجرة لا تحتوي على مادة مظلمة.
إنها مفاجأة بالفعل لأن من المفترض أن تحوي كل المجرات مادة مظلمة، فهي من الأساس السبب في وجودها، وتمثل المادة والطاقة المظلمتان حوالي 95% من تركيب الكون، مع ذلك لا نتمكن بعد من فهمهما.
• السرطان… العدو الأكثر شراسة
على الرغم من ذلك، فإن ألد أعدائنا ليس جسما سماويا، لكنه السرطان، وخلال عقود طويلة خاض البشر معاركهم معه، وفي 2018 استمرت تلك المقاومة باكتشافات عدة.
في يناير/كانون الثاني أعلن باحثون من جامعة بنسلفانيا بدء تجارب التعديل الجيني على البشر لعمل خلايا مناعية جديدة تقاوم بعض أنواع السرطان بصورة أفضل، وفي يناير/كانون الثاني أيضا تمكن فريق بحثي أميركي للمرة الأولى من ابتكار تحليل دم سريع يمكن له تشخيص بعض أنواع السرطان في 70% من الحالات، سرعة الكشف ستفيد كثيرا في العلاج.
أما أهم خبر في 2018 يتعلق بالسرطان، فهو حصول الأميركي جيمس أليسون، والياباني تاسوكو هونجي على جائزة نوبل في الطب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن تطويرهما للعلاج المناعي للسرطان، والذي فتح بابا جديدا للمقاومة، أمكن بسببه تصنيع أدوية جديدة أكثر فاعلية وقوة. إنها خطوة صغيرة واحدة لجيلنا، لكنها خطوة عظيمة للبشرية جمعاء، كما قال نيل أرمسترونج حينما وضع قدميه للمرة الأولى في تاريخنا على سطح القمر.