هل يعتمد لبنان الضغط “الديبلوماسي” الحقيقي على إسرائيل؟
بقلم العميد منذر الايوبي *
المشهد السياسي- هل يعتمد لبنان الضغط “الديبلوماسي” الحقيقي على اسرائيل..؟؟
بقلم العميد منذر الايوبي*
بات من الواضح ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يضع لبنان امام خيارين احلاهما مُر، إما الاستمرار في الخروقات البرية والجوية بذريعة عدم التزام لبنان تنفيذ القرار الاممي 1701 بكامل مندرجاته او استدراج حزب الله لِاستئناف عمليات عسكرية خاطفة تُحرِج الحكومة اللبنانية وسعيها الديبلوماسي لجلاء العدو عن الاراضي الجنوبية، بالتالي تجميع اخصامه المتوفرين لرفض محسوم محسوب مؤداه اشعال صاعق التفجير الذاتي داخليآ..! ثم ان استمرار عمليات القصف الجوي والاغتيالات هدف استباق استعادة المقاومة قدرة على ترميم بنيتها العسكرية كما منع الاهالي من الوصول الى قراهم بات سياقآ ثابتآ يوضع في خانة ما اشيع عن اتفاق ضمني يتوازى مع آلية تطبيق ال 1701 مع فترة سماح اميركية مفتوحة..
توازيآ اضاف العدو الى اجندته نقطة خلاف تُكَرس احتلالآ جديدآ إن لم يتم تداركه تحت ذريعة دينية عبر استحضار قضية (قبر الحاخام راب آشي) -جامِع الجمارا اي التكملة احد اجزاء التلمود البابلي- الواقعة في منطقة تلة العباد خراج قرية حولا الجنوبية مقابل مستوطنة المنارة، ليدفع الاسبوع الماضي مجموعة من اليهود المتدينين المنتمين لحركة بريسلوف الحريدية نحو إجتياز الحدود اللبنانية وأداء طقوس الصلاة امام القبر المذكور.. علمآ ان هذا الموقع مقام مقدس لدى المسلمين يعرف باسم مقام الشيخ العباد؛ يُشار انه اثر حرب التحرير عام 2000 ابرم مبعوث الامم المتحدة تيري رود لارسن اتفاقآ قضى بتقسيم المكان إلى قسمين أحدهما يخضع لسيطرة العدو والآخر يقع ضمن الأراضي اللبنانية.
مما لا شك فيه ان ما جرى سيتسبب تكراره بتداعيات خطيرة على الوضع الحدودي وآليات وقف العمليات العدائية تفوق عملية تثبيت الحدود وانسحاب جيش العدو من التلال الخمس الاستراتيجية لعدة اسباب ليس اقلها اضفاء الصبغة الدينية على المكان واستغلال موقعه لتنفيذ عملية الضم الجغرافي والايديولوجي التوراتي التاريخي، في ظل انكفاء قوات الامم المتحدة UNIFIL عن دورها بالحماية وتلافي اسقاط اتفاق لارسن بهذا الصدد..
من جهة اخرى؛ بصرف النظر عن الضجيج الاعلامي وصخب التصريحات سيما اثر الافطارات الرمضانية المُلوِثة سلام الصيام، تبدو العلاقة بين حزب الله والعهد والحكومة مستقرة ضمن فرضية الصمت الايجابي؛ إذ يعتبر الحزب ان لا سماح بإستمرار الخروقات البرية والجوية وعمليات القنص الجوي بالقتل العمد الى امد مفتوح، كما لا تخلٍ عن قرار حرمان الاسرائيلي اية ذرائع او مبررات لإستئناف العدوان، اذ لا يجوز ارتكاب خطيئة خرق القرار 1701 في ظل مرحلة حساسة حيث هو تحت عدسة المراقبة المجهرية دوليآ..!
على ما تقدم؛ يصبح اعتماد لبنان على الاستراتيجية الديبلوماسية أمرآ لا مناص منه ليس بالإرغام الدولي او الاسرائيلي بل نتاج قناعة مبنية على حجم الدمار الذي تعرض له البلد واعداد الضحايا، ثم الضربة التي اصابت المقاومة في الصميم بعد استشهاد امينها العام السيد حسن نصرالله..!
استنادآ؛ اتى اجتماع الرئيس عون مع الجنرال جاسبر جيفرز رئيس اللجنة الخماسية لمراقبة وقف الاعتداءات بحضور السفيرة الاميركية ليزا جونسون قبيل اجتماعها في الناقورة صنف حَثٍ لمتابعة الضغط الديبلوماسي على اسرائيل فرض إنسحاب جيشها إضافة لما قضمته من أراضٍ لبنانية حدودية بعد وقف اطلاق النار مع إستعادة الاسرى والمختطفين. ووفقآ لِمُسَلمةٍ لا حاجة لبرهانها ان اميركا صاحبة اليد العليا، لم تمضِ 24 ساعة إلا وتبلغ رئيس الجمهورية تسلم لبنان اربعة من المختطفين كما إطلاق سراح الجندي المختطف اليوم الاربعاء ..!
توازيآ؛ اتى الاعلان عن تشكيل ثلاث مجموعات مشتركة تضم ممثلين عن الولايات المتحدة؛ فرنسا ولبنان هدف بدء مفاوضات حل النزاع الحدودي نهائيآ على ما ورد، ليؤكد ان التزام العهد الاستراتيجية الديبلوماسية مُباحٌ مُنتِج رغم قصور ملحوظ من مهجري قصر بسترس (رمز الديبلوماسية اللبنانية التاريخي)..
فيما سُجِل تزامنآ نقلآ عن مصادر متابعة: “ان الاميركيون والاسرائيليون يعتبرون عمل لجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار بطابعها العسكري الامني قد انتهى دورها ولا بدّ من تأليف لجنة دبلوماسية سياسية”، ما يعني تحول المفاوضات المزمعة نوع من العَلك السياسي الطويل الأمد مُدعَمآ بإرتياح العدو نتيجة فَرط شمل الخماسية العسكرية مؤداه عربدة اضافية دون شواهد او اثباتات ادانة..
ان نجاح “الاستراتيجية الديبلوماسية” على تجاوز الامتحان الاساسي عبر إنجاز الانسحاب النهائي دون تنازلات من صنف (مسمار جحا) يحقق ما لم تستطع المقاومة تحقيقه بعد حرب ضروس حفلت بكل الآلام البينات التي اصابت الاهالي، يمنح الدولة حصرية قرار الحرب والسلم، كما يُفترض ان يدفع نحو نوع من (الديبلوماسية الوقائية) في مرحلة ثانية تسهر على اتخاذ اجراءات تفاعلية سياسية نشطة تحول دون الإنتهاكات سيما الخروقات الجوية الدائمة ..
السؤال هنا: هل يُبنّى الامن القومي اللبناني على استراتيجية ديبلوماسية فقط في ظل نَديَّة معدومة..؟ سيما ان طائفية اعمدة الهيكل اللبناني المعقودة على سقف ارتباطات خارجية غير ثابتة بالمطلق تستدير وفق مآل الحال وتغير الاحوال..
اما التساؤل عن تنفيذ مندرجات اتفاق وقف الاعمال العدائية واطلاق النار مع ما احيط به من غموض تفسير لدى فريق ووضوح من آخر خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله خارج قطاع جنوب الليطاني فأمر يحتاج الى حوار داخلي قائم على تجميع وحفظ اوراق القوة الاستراتيجية، بالتوازي مع اعتراف المقاومة ممارسةً الالتزام بمؤسسات الدولة واجهزتها بالتالي خضوع ادواتها بالحقوق والواجبات للمحاسبة القضائية والقانونية اسوة بالشرائح الوطنية الاخرى..!
هذا الحوار لا يجب ان يكون من صنف التسويات الكامنة او الخادعة المعتادة في لحظات الوطن المفصلية. بل تسوية عقلانية واقعية قائمة على اعتماد سياسة الحياد الايجابي درء تطبيع او فرض هيمنة بما يتجاوز تعقيدات الاقليم مُعَمَدةً بالارادة الوطنية الجامعة وبالقناعة الصائبة ان الدولة هي الحضن الوحيد للبقاء..!.
*عميد متقاعد، ومختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية
الكورة في 12.03.2025