هل قُرِعَت طبول الحرب؟
بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *
يوم الجمعة 23.10.2020 في استعراض معتاد غير مستغرب نوع مِن البروباغندا Propaganda المقولبة نمطيآ عَلى قياس الانتخابات الرئاسية الاميركية متقنة سيكولوجيآ Psychologie في العقل و التفكير نتيجة خبرة حياة عملية متجانسة مع مميزات خاصة في شخصيته و سلوكيته و من المكتب البيضاوي في البيت الابيض و امام وسائل الاعلام الاميركية و العالمية بحضور اثنان مِن مَسؤولي ادارته وزير الخارجية مايك بومبيو و مستشاره جاريد كوشنير رفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب سماعة الهاتف متحدثآ مع كل مِن رئيس المجلس السيادي للسودان الفريق عبد الفتاح البرهان و رئيس وزراء حكومة العدو بنيامين نتنياهو قائلآ : « إنه وضع خطر جدآ لأن مصر لَن تكون قادرة عَلى العيش بهذه الطريقة ، سينتهي بهم الامر الى تفجير ألسد » و اضاف بصوت مرتفع مكررآ و محرضآ « سيفجرون السد و عليهم ان يفعلوا شيئآ ؛ كان عليهم ايقافه قبل وقت طويل مِن بدايته » معربآ عن أسفه ان مشروع سد النهضة الاثيوبي بدأ بناءه عام 2011 في غفلة وقت كانت مصر تشهد اضطرابات داخلية ..!
أشيد السد على النيل الازرق ((احد رافدي نهر النيل الذي ينبع من بحيرة تانا في اثيوبيا حيث يَجري شمالا ليجتمع مع الرافد الثاني النيل الابيض عند العاصمة السودانية الخرطوم)) أما تأثيراته و نتائجه السلبية و الايجابية فَهي بألمختصر الرئيسي تقليص حصة مصر مِن مياه النيل البالغة حاليا 55 مليار متر مكعب سنويآ مِما سيؤدي الى آثار سيئة جدآ لا سيَما على الصعيد البيئي لَيسَ اقلها جفاف قاسي للاراضي الزراعية المروية و بالتالي عَلى الاقتصاد و الامن الغذائي المصري ..! مِن هذا المنطلق تعتبر مصر ان المشروع يشكل تهديدآ للأمن المائي اذ انها تعتمد عَلى مياه النيل بشكل رئيسي الذي يلبي نسبة 95% مِن احتياجاتها . بِالمقابل تنظر اثيوبيا الى السد كاحد عوامل النهضة الاقتصادية للبلاد فهو سيؤمن التيار الكهربائي ل 70 مليون اثيوبي و سيكون المحطة الكهرومائية الاكبر في افريقيا ..
مِن جهة اخرى ؛ لَم تؤد مفاوضات السنوات الخمس الاخيرة برعاية الولايات المتحدة الاميركية الى نتيجة جدية و كانت اديس ابابا استبقت الجولة الثلاثية الاخيرة بين مصر و السودان و اثيوبيا ب اعلانها ان المرحلة الاولى مِن ملء حوض السد قد تحققت الامر الذي دفع واشنطن لقطع جزء مِن مساعداتها المالية في حين وصفت القاهرة و الخرطوم الخطوة بالاحادية غير المقبولة و خروج سافر عن توزيع المياه بشكل عادل .. استطرادآ مِن الواضح ان تصريحات الرئيس الاميركي رسالة قوية عالية اللهجة اعتبرت تحذيرآ لاثيوبيا بُغيَة إرغامها عَلى العودة الى طاولة المفاوضات كما حفزت الاتحاد الافريقي حيث عقدت يوم الثلاثاء الماضي الجولة الجديدة مِن التفاوض برعاية رئيس دولة جنوب افريقيا “سيريل رامافوسا” ..
توازيآ ؛ تعتبر مصر “دولة المصب” انها في خطر استراتيجي و ان اثيوبيا تنتهك الخط الاحمر فيما يتعلق بالامن القومي المصري و هي مصرة عَلى حسم المسألة وفق آليات عديدة للتفاوض و خيارات مختلفة للوصول الى الحل المنصف الاول ديبلوماسي يتعلق بالعودة الى طاولة المفاوضات، الثاني يقضي بتدخل مجلس الامن الدولي عَلى صعيد تطبيق الفصل السابع و رفع مظلة البنك الدولي الممول للمشروع، الخيار الثالث اللجوء الى محكمة العدل الدولية، اما الاخير فيأتي في حال فشل المحادثات في التوصل الى اتفاق عادل يضمن مصالح شعوب الدول الثلاث “اثيوبيا-السودان-مصر” اي الخيار العسكري ..
اذا كان الرئيس ترامب في مكالمته الهاتفية “اعلاه” اعطى الضوء الاخضر للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن العملية العسكرية مباحة فإن السؤال الذي يطرح هنا: هَل الجيش المصري في حالة الجهوزية و القدرة اللوجستية لتدمير السد ؟؟ و بالتالي ازالة خطره و شل وظيفته !! مِما لا شك فيه ان القيادة المصرية غير متعجلة الحل العسكري إذ تعتبره سيفاقم الازمة وقد سَبَقَ للرئيس المصري ان اعلن (ان هذا الامر -نسف السد- غير وارد حاليا إذ ان المسألة لا بد ان تحل سياسيآ) ..!
اما في التصنيف العسكري Strength Military Ranks و القدرات فيحتل الجيش المصري المرتبة التاسعة مِن ضمن اقوى 133 جيشآ عَلى مستوى العالم و هو يملك القدرات التقنيات اللازمة لقصف السد جوآ بطائرات Rafale الفرنسية الهجومية ذات المدى Range 3700 km أو الاميركية طراز F 16-Block 52 رغم العوائق و التعقيدات التي تواجه مثل هذه العملية منها : ١- بعد المسافة 1500 km بين السد و اقرب قاعدة جوية مصرية مِما يفرض تزويد المقاتلات بالوقود جوآ و هذا امر تم تجاوزه اذ منحت المقاتلات المصرية ميزة امداد الوقود لبعضها البعض جوآ مِن خلال اضافة مستودع امداد الوقود اثناء الطيران In-flight fuel supply depot ٢- القدرة التدميرية للقنابل تعادل في قوتها قنبلة نووية لتدمير خرسانة هائلة بطول 2 km تقريبآ و ارتفاع 170 مترآ و رُبما يكون سلاح الجو المصري قد حصل مؤخرا عَلى ذخائر قادرة عَلى التعامل مع هذا النوع مِن الاهداف قنابل دقيقة التوجيه طراز AASM Hammer و صواريخ كروز طويلة المدى من طراز SCALP-EG أو Storm Shadow ٣- قيام اثيوبيا بنشر بطاريات الدفاع الجوي الروسية Pantsir -S1 لحماية السد و هي منظومة تجمع بين مدفع ألتسلح و الصاروخ لخلق منطقة اشتباك مع الهدف مِن ارتفاع 5 m الى 10 km و مسافة 200 m الى 20 km. ٤-تنفيذ وحدة العمليات الخاصة 999 Commandos Spécial Operation Unit عملية تفجير لاجزاء من السد و معامل الطاقة الكهربائية بهدف تعطيله..
مِن زاوية أُخرى فإن التبعات السياسية و ردود الفعل الدولية عَلى مستوى القارة السوداء أو الاوروبية سَتكون ضخمة في شجبها و رُبما فرضها عقوبات عَلى الدولة المصرية لاستهدافها معقل المسيحية الاول في افريقيا عسكريآ..! كما ان تَدمير السد سيتسبب بتدفق كمية 65 مليار متر مكعب مِن المياه دفعة واحدة ما يوازي كمية التدفق السنوي للنهر مِما سيؤدي الى اغراق مدن شرق السودان بالكامل ..و مِن هذا المنطلق ابلغت القيادة السودانية القاهرة رفضها استخدام اجواء السودان لضرب السد خاصة بعد عملية التطبيع مع الكَيان العدو كذلك فإن العامل الاسرائيلي متواجد بعمق في اثيوبيا سواء مِن خلال شركات المعلوماتية و البناء ام عَلى صعيد الحماية العسكرية و قدرات الاستطلاع عبر الاقمار الاصطناعية و التجسس المتقدمة ..!
أخيرآ ؛ مِن المؤكد ان دور الولايات المتحدة الاميركية مهم للغاية سواء عَلى مسلك الحل السياسي و المفاوضات ام عَلى صعيد الضربة العسكرية مِما سيدفع اثيوبيا لقراءة الواقع الجيوسياسي بصورة جيدة و الابتعاد عن الغلو في تعنتها فالقضية ليست خِلافآ عَلى كمية او منسوب مياه انما قضية جيواستراتيجية تتعلق بدفاع مصر عن وجودها .! الباب لا زال مفتوحآ و الرئيس السيسي لَن يستدرج الى فخ قرع طبول الحرب رغم مخططات و رغبات بعض دول الاقليم ؛ التَسويَة التي توازن بين “الحلم الاثيوبي” سد النهضة و ما قاله هيرودوت Herodotus “مصر هبة النيل” تحدٍ كبير بحجم الكوكب و لِلإنسانية جمعاء ..!
بيروت في 30.10.2020