هكذا تناولت الاداب العالمية موضوع السفر على انواعه
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
للعلم أو للعمل، للاستجمام أو للاستكشاف، طوعياً كان أم قسرياً، كان السفر من أكثر أفعال الإنسان مهابة واستثارة للرهبة. يتطلَّب تدابير وترتيبات مسبقة، ويصحبه الترقب إن لم نقل الحذر، ليبقى لاحقاً في النفس كواحد من أكبر المؤثرات فيها وفي صياغة ذكرياتها. وعندما نضيف إلى فعل السفر ما ينطوي عليه من عناصر معنوية وإنسانية مثل ألم الفراق والحنين والخوف من المجهول ودهشة الاكتشاف، نجد في الآداب والفنون ما يمكنه أن يملأ صفحات لا تعدّ أو تحصى. فما من روائي إلا وشغل السفر بعض فصول رواياته، وما من شاعر إلا وتناول السفر مرة على الأقل في قصائده.
وأبلغ ما قيل في السفر بيتان من الشعر يُنسبان للإمام الشافعي، يقول فيهما:
“تغَرَّبْ عن الأوطان في طلب العُلى
وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائدِ
تَفَرُّجُ همٍّ واكتسابُ معيشة وعلمٌ وآداب وصحبة ماجِد”.
بساط الريح:
بساط الريح هو أجمل ما تفتَّق عنه الخيال في اختراع وسائل للسفر. ظهر أولاً في “ألف ليلة وليلة” حيث تقول الحكاية إن الأمير حسين ابن سلطان الهند، سافر إلى بيسناغار حيث اشترى بساطاً سحرياً يكفي المرء أن يجلس عليه ويتمنى الوصول إلى مكان بعيد لينتقل فوراً وبلمح البصر إلى ذلك المكان. ويظهر بساط الريح الصغير نسبياً في الأدب الشعبي الروسي، حيث يُروى أن شخصاً يُدعى بابا ياغا أهدى شخصاً يُدعى إيفان المجنون بساط ريح ضمن مجموعة هدايا سحرية. ومثل هذا البساط يطير بشخص أو بشخصين ويهبط فوق المدن والحقول والجبال.
حكايات سندباد:
تختزل حكايات سندباد البحري كثيراً من الصور التي رسمها الخيال الشعبي في العصر الوسيط عن متاعب السفر، وبلدان العالم المجهولة بالنسبة إليه.
اسمه يعني “أمير السند”، ومن المرجح أن شخصيته ظهرت بفعل المهارة في الإبحار التي عُرفت عن البحَّارة في نهر السند. واستناداً إلى حكاياته التي تتضمن سبع رحلات، وُلد سندباد في البصرة في عصر الخلافة العباسية، ومنها انطلق في أسفاره البحرية إلى سواحل إفريقيا الشرقية وجنوب آسيا، حيث يواجه كثيراً من الغرائب والمغامرات والمخاطر والمخلوقات العجيبة. لتلخِّص مجتمعة الصورة العامة لما كان ينطوي عليه السفر آنذاك في وجدان العامة: حذر من المخاطر الكثيرة، وتوقع مفاجآت أكثر. إنها صورة العوالم الأخرى التي تحاكي خيالاً يرغب في التعرف إلى هذه العوالم، ويحذرها في الوقت نفسه.
عصر الرحَّالة والمكتشفين:
“الرحَّالة” هم المسافرون الذين امتهنوا السفر بغية اكتشاف العوالم التي يجهلونها ودراستها.
ففي القرن الميلادي السابع، انطلق الصيني هوان تسانغ في رحلة إلى الهند، وعاد منها بعد 16 عاماً، محمَّلاً بكمية هائلة من المخطوطات في شتَّى المعارف والعلوم، وبصحبته أيضاً عدد من المترجمين، ليضع لاحقاً كتاباً ضخماً بعنوان “سجلات تسانغ العظيم للمناطق الغربية”.
استمر الرحَّالة في تأدية دورهم الريادي العظيم في تعريف مجتمعاتهم بالعالم لنحو عشرة قرون من الزمن. ومن هؤلاء الرواد في الحضارة العربية يمكننا أن نذكر أبو عبدالله محمد الإدريسي الرحالة الذي عاش في بلاط ملك صقلية ورسم أول خريطة للعالم المعروف آنذاك. وابن جبير الذي شملت رحلاته المنطلقة من غرناطة، دمشق وبغداد والمدينة المنورة ومكة المكرمة والقاهرة والإسكندرية وصقلية. وأشهرهم على الإطلاق ابن بطوطة الذي خرج من طنجة قاصداً مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فاستمرت رحلته 27 عاماً، جال فيها على معظم أرجاء العالم الإسلامي وصولاً إلى الصين شرقاً وأواسط إفريقيا جنوباً، ووضع في نهايتها كتابه الخالد “تحفة النظار في غرائب الأمصار”.
ومن أوروبا يمكننا أن نذكر من الروَّاد ماركو بولو التاجر والرحَّالة البندقي الذي لم يكن أول أوروبي يصل إلى الصين، ولكنه كان أول رحَّالة يضع كتاباً أوروبياً عن الصين وآسيا بعنوان “روائع العالم”.
عصر الاستشراق:
أدت حملة نابليون بونابرت على مصر وسوريا بين 1798 و 1801 إلى إشعال رغبة الأوروبيين في التعرف إلى الشرق، بفعل أضخم عمل ثقافي أنجبته هذه الحملة، وكان بعنوان “وصف مصر”. فقد اصطحب بونابرت معه في حملته 160 عالماً ومهندساً لدراسة مصر ووصفها. ولاحقاً عمل نحو 2000 فنان على إنجاز هذا العمل الذي ظهر في طبعته الأولى في 23 مجلداً. وإلى ذلك، جاء تمكن عالم الآثار الفرنسي شامبليون من فك رموز اللغة الهيروغليفية ليصب الزيت على نار حماسة المثقفين الأوروبيين لزيارة الشرق واستكشافه. فبلغ عدد الكتَّاب والشعراء والفنانين الذين سافروا من أوروبا إلى البلاد العربية خلال القرن التاسع عشر ما يتراوح بين 40 و50 ألفاً، لغايات لا عدَّ لها ولا حصر. بعضهم كان يبحث عن مصادر جديدة للإلهام، مثل الشاعر لامارتين في زيارته إلى لبنان وسوريا، أو الرسام أوجين ديلاكروا في الجزائر، وبعضهم كان يرغب في تدوين ما لم يسبق تدوينه مثل الرسام الإنجليزي دايفيد روبرتس ولوحاته الحفرية عن آثار مصر وفلسطين ومعالمهما، أو دراسة العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية وتحقيق سبق كتابي في الغرب. والنتيجة ظهور ثقافة جديدة تضم آلاف الأعمال الفنية والأدبية، قد تكون مثيرة للجدل على المستوى السياسي، ولكنها بدون شك ردمت إلى حدٍّ كبير هوَّة الجهل الذي كان قائماً بين الشرق والغرب.
أدب الرحلات:
أدب الرِّحلات نوع من الأدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور في أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. نشط أدب الرحلات أساساً على أيدي الجغرافيين والمستكشفين الذين اهتموا بتسجيل كل ما تقع عليه عيونهم أو يصل إلى آذانهم حتى لو كان خارج نطاق المعقول، ويدخل في باب الخرافة. وبالإضافة إلى تسجيل رحلات الرحالة، هناك نوع آخر من أدب الرحلات هو القصص الخيالية الشعبية مثل: سندباد الذي تحدثنا عنه والقصص الأدبية مثل: قصة ابن طفيل عن حي بن يقظان، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري. والملاحم الشعرية والأدبية الكبرى في تاريخ الإنسانية تعد كذلك من أدب الرحلات مثل: ملحمة الأوديسا الإغريقية. وملحمة جلجامش البابلية، وملحمة أبو زيد الهلالي العربية وغيرها لأن هذه الملاحم تنبني في جوهرها على حكاية رحلة يقوم بها البطل لتحقيق هدف معين، وقد تنبني تلك الرحلات الأسطورية على بعض الوقائع التاريخية أو الشخصيات الحقيقية في عصر ما، ثم يترك الشاعر لخياله العنان ليخلق الملحمة التي هي خلاصة رؤية المجتمع لقضاياه الكبرى في مرحلة زمنية معينة.