من مذكرات قائد الشرطة القضائية: هكذا ألقينا القبض على قاتل رجال التحري وتم اعدامه..
بقلم : العميد المتقاعد أنور يحيى*
شاكر ب، لبناني من البقاع ، يقيم في قب الياس، ، بحقه عدة مذكرات توقيف بجرائم الاتجار والترويج للمخدرات الممنوعة. مطلع العام 1994 تابعت دوريات مكتب مكافحة مخدرات زحلة البحث عنه لتوقيفه وسوقه إلى القضاء وفقا للأصول ولكن دون نتيجة.
صباح يوم الأحد بتاريخ 20/3/1994، إنطلقت دورية من المكتب نحو قب الياس، ينقل كل واحد منهم بندقية كلاشنكوف برئاسة المعاون الأول فؤاد غبار وتضم اليه العريف نديم المعلم والرقيب الأول شوقي عون. بوصول الدورية الى كسارا، التقت الرقيب مصطفى فارس، من المكتب، لكنه خارج الخدمة. أصّر أن يشاركهم الدورية للوقوف إلى جانبهم في المهمة الخطرة، نظرا لكون شاكر من الخطرين.!
توجهت الدورية إلى منزل المطلوب، شاهدوا زوجته أمام المنزل المتواضع في السهل، تغسل الملابس وتغليها على موقدة من الحطب. سألوها عن شاكر ردت بأنه خارج المنزل منذ أمس!
في هذه الأثناء بدأ إطلاق النار من داخل المنزل نحو رجال التحري الأربعة، فاصيبوا جميعا وسقطوا أرضا قبل إستخدامهم السلاح الأميري بحوزتهم . فأستشهد على الفور كل من:
الرقيب الأول عون، الرقيب فارس، والعريف المعلم، فيما أُصيب رئيس الدورية في كتفه ، وفرّ شاكر مع سلاحه . طلب رئيس الدورية النجدة من عمليات درك سرية زحلة ومفرزة التحري ومكتب المخدرات.
في ذلك النهار كنت في الشوف ، برتبة مقدم قائدا لسرية درك بيت الدين، أتابع مهمة بحضور قائد الشرطة القضائية :العميد سليم سليم، حيث أفادوه عن الحادث فترك المهمة وتوجه فورا الى البقاع وباشر بجمع القوة اللازمة من وحدته لملاحقة شاكر وتوقيفه وإيداعه القضاء.
جهّزت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قوة من درك منطقة البقاع برئاسة العقيد جوزاف الشدياق: قائد سرية درك زحلة وباشرت التفتيش والتقصي عن شاكر الذي اختفى في سهل البقاع.
وصل وزير الداخلية آنذاك الأستاذ بشارة مرهج، الى مبنى فصيلة شتورا، للإشراف شخصيا على عمليات الملاحقة وأعطى توجيهاته بأن لا عودة إلى بيروت قبل توقيف القاتل السفاح الذي تصيد عناصر الدورية الأربعة فاستشهد منهم ثلاثة وأصيب الرابع ونُقل الى المستشفى ليلقى الأسعاف الصحي. كان وصل قائد الدرك العميد تيودور المكاري، ثم العميد سليم سليم، قائد الشرطة القضائية وأتخذوا من مبنى فصيلة شتورا القريبة من مكان الحادث، مقرا للمتابعة والأشراف الميداني على عمليات التفتيش..
قامت قطعات الدرك في البقاع ودوريات مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بعدة مداهمات لأماكن يحتمل وجود شاكر فيها وظلت بنتائج سلبية.علم الرائد حسين زعروري، آمر مفرزة زحلة القضائية بالحادث وكان في منزله في بيروت. طلب تجهيز الدوريات في المفرزة وتوجه فورا يقود سيارته العسكرية ناقلا مسدسه الأميري ليترأس مجموعة من عناصر التحري العاملين في زحلة للبحث عن شاكر وتوقيفه.
حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، وفيما كان وزير الداخلية يقف قرب شباك الغرفة المطل على المدخل . سمع أحد المدنيين يقول إلى خفير الحراسة:
– بدي شوف وزير الداخلية؟
رد الخفير :- مينك أنت وشو بدك منو، مشغول الوزير هلق مش فاضيلك؟
هنا تدخل الوزير ونادى الخفير طالباً إحضاره ! وتبين أن المدني معاون متقاعد من الدرك ، وشاهد شاكر الذي يعرفه، يدخل مزرعة قزعون في برالياس طلب من الوزير ضمانات على حياته لأنه يخاف من شاكر. طمأنه الوزير وقال: أنا ضمانتك!
على الفور طلب الوزير من العميد سليم سليم،قائد الشرطة القضائية، إستثمار ما يقوله المتقاعد.نزل العميد الى مدخل المبنى فالتقى بالرائد حسين زعروري، يترجل من سيارته. طلب اليه مرافقة المدني بسيارته (للتمويه بأعتبار أن سيارات التحري معروفة من المطلوبين) رافق الرائد، بسيارته وطلب عبر جهاز اللأسلكي بحوزته توجيه دوريات من الدرك الى قرب المزرعة فوصل الرائد ضياء رمضان،أمر فصيلة زحلة،مع قوة كبيرة فتشوا المزرعة ولم يجدوا شيئا.غادرت القوة المكان وغادر المتقاعد معتذرا لأزعاج الرائد الذي استمر بمحيط المزرعة ينتظر وصول دورية من مفرزته لمتابعة التفتيش .
فيما كان يتبادل الأتصالات اللأسلكية مع غرفة عمليات زحلة،تقدم منه أحد رعاة الماعز الذي يرعى ماشيته هناك وقال:
-اللي بدك ياه مخبى تحت كومة الحشيش هونيك!(وأشار بيده نحو الكومة)
على الفور إستل الرائد مسدسه الأميري،وتقدم منفردا بضع خطوات نحو الكومة شاهد حركة تحتها،أطلق عيارين ناريين من مسدسه الأميري وقال: وقاف أحسن ما تموت؟
خرج شابا رافعا يديه وقال: ما تقتلني أنا شاكر!
ظل الرائد مسددا فوهة المسدس نحو الشاب الذي طلب اليه الأنبطاح أرضا ورفع يديه الأثنين عاليا،(لم يكن بحوزته أصفادا لتقييده ) وطلب حضور أقرب دورية الى المكان ،وخلال دقائق حضر النقيب الميس،من طوارىء زحله، فتم تقييّد الشاب وتفتيشه دون العثور معه على ممنوع،ونُقِل بسرعة مع الرائد حسين زعروري،إلى مبنى فصيلة درك شتورا ،حيث أركان الدولة . باشر معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي خالد حمود التحقيق الأولي مع الشاب الذي تبين أنه شاكر ب . إعترف أنه تصّيد عناصر دورية مكتب مخدرات زحلة كالعاصفير(على حد قوله) وكانوا ما زالوا خارج منزله يتحدثون مع زوجته.
قامت قوة من الدرك والشرطة القضائية بتفتيش الحفرة التي كان مُختبئا فيها القاتل،والمزرعة ، ومنزله فضبطوا الرشاش الحربي الذي استخدمه بقتل الشهداء الثلاثة،وقال لوزير الداخلية عندما سأله عن أسباب أطلاق النار على الدورية قبل أن تدخل لتوقيفه، قال عليّ مذكرات كتيرة وإذا وقفوني رايح مؤبد..وما كنت ناوي إقتلهم بس حتى يفلوا وهي أول مرة بقوس بالكلاشنكوف؟
كان حضور وزير الداخلية ومعاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية إضافة إلى قائدي الدرك والشرطة القضائية للمتابعة الشخصية العملانية لتوقيف قاتل عناصر التحري،علما أنه كان يوم عطلة رسمية،أبلغ التاثير لتفعيل الملاحقة التي بدات فور العلم بالحادث الذي هزّ لبنان، من مخابرات الجيش اللبناني والدرك والتحري وأن إندفاع ووطنية المعاون المتقاعد لتقديم الأخبار بسرعة وأستثماره من العميد سليم سليم،وسرعة تحرك الرائد حسين زعروري،بشجاعة ومنفردا ومموها بسيارة المتقاعد ،وقد عرّض حياته للخطر الأكيد وكان يمكن لشاكر أن يتصيده إسوة برجال الدورية،وقد رعتهُ العناية الإلهية،ومُنِح قِدما للترقية مدته ستة أشهر مكافأة لشجاعته وتقنية المتابعة منفردا لتوقيف قاتل رجال التحري.كما تمت مكافاة كل الذين شاركوا بمهمة الملاحقة على مختلف الرتب.
لاحقا أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة ،حكما قضى بإعدام شاكر وقد نُفذ فيه الحكم بعد تصديق لجنة العفو وخلال أقل من أربعة أشهر من الجريمة تنفيذا للقانون وإستذكارا لدماء شهداء مكتب مكافحة المخدرات..
أن تنفيذ الشرطة القضائية للمذكرات والبلاغات والأحكام العدلية الصادرة عن القضاء وهي المختصة بالعمل كضابطة عدلية مساعدة للنيابات العامة،قد يُعرض حياة عناصرها للخطر الشديد والموت أحيانا،لكنها تبقى وحدة متأهبة دوما للقيام بالواجب وإحقاق الحق وعلى الدولة تأمين الميزانية اللازمة للتطويع والتجهيز والأستشفاء ونفقات المخبرين ركيزة عمل الوحدة.
————————————-
* قائد سابق للشرطة القضائية