“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
تكون الشمس في أوج حرارتها عندما تبلغ الساعة الواحدة زوالًا في بلدة (سيرينغاباتام) الصغيرة، التي لا تبعد كثيرًا عن مدينة (ميسور) فيما يعرف اليوم بـ(كارناتاكا) وهي ولاية في الهند.
كان الكولونيل (آرثر ويلسلي)، الذي كان على رأس وحدتين عسكريتين تابعتين لجيش شركة الهند الشرقية البريطانية، يعلم أن حماة حصن (سيرينغاباتام) سيرتاحون لبعض الوقت من أجل إنعاش أجسامهم المنهكة في هذه الساعة الحارة، وهنا خطط لتنفيذ هجومه على الحصن.
كان ذلك بتاريخ الرابع من أيار/مايو سنة 1799، وهو التاريخ الذي مثل اليوم الأخير من المواجهة الأخيرة بين شركة الهند الشرقية البريطانية ومملكة (ميسور) التي كان في قيادتها سلطان قوي وصارم يدعى (تيبو).
عندما حلت ساعة الهجوم عبر 76 رجلًا نهر (كوفري) الذي كان بعمق متر ونصف، وبعد 16 دقيقة فقط تمكنوا من تسلق أسوار الحصن والهجوم عليه. سرعان ما انهار حماة الحصن الذين أُخذوا على حين غرة وخلال ساعتين فقط سقط الحصن بشكل كامل. لاحقًا، في معبر يشبه نفقًا ضيقًا عُثر على جثة السلطان (تيبو) التي ملأتها ثغور الرصاص.
قامت القوات المنتصرة لاحقًا بالإغارة على الخزينة الملكية وخلال الأسابيع القليلة القادمة تمكنوا من إفراغها تمامًا بصورة ممنهجة، فتشاركوا الغنيمة وقسموها فيما بينهم ومع الجيش الملكي البريطاني.
في وقت لاحق، اكتُشف وجود غرض مثير للفضول في غرفة الموسيقى داخل القصر الملكي. كان هذا الغرض يتمثل في آلة موسيقية خشبية كبيرة الحجم على شكل نمر ينهش عنق رجل مستلقٍ على ظهره بثياب أوروبية.
يستلقي هذا الرجل، الذي كان كبير الحجم أقرب إلى الحجم الواقعي، على ظهره بينما يغرس النمر أنيابه في عنقه.
يوجد في الآلة ذراع تدوير بارزة من أحد جانبي النمر، وعند تدويرها تجعل آلية مخفية ذراع الرجل تصعد وتنزل بينما يصدر صوت قباع من النمر وصوت عويل ونحيب من الرجل. كما كان هناك غطاء على جسم النمر الذي عند فتحه تظهر آلة صغير ذات عدة مفاتيح بإمكانها عزف 18 نوتة موسيقية.
كان نمر السلطان (تيبو) الميكانيكي، الذي كان يعرف كذلك باسم نمر (تيبو)، إبرازًا واضحًا لكرهه الشديد تجاه البريطانيين، وهو شعور كان يتشاركه مع والده وسلفه حيدر علي منذ صغره.
كان حيدر علي يرى في البريطانيين أعداءه الألداء، ذلك لأنهم وقفوا عقبة في طريقه نحو توسيع حدود مملكته، ومنه كبر (تيبو) بشعور غامر من الكراهية والمقت تجاه البريطانيين.
في سنة 1792، عندما أجبر السلطان (تيبو) على التخلي عن نصف أراضي مملكته إلى جانب الكثير من الأموال لصالح البريطانيين عقب هزيمة نكراه ألحقوها به خلال الحرب الأنغلو-ميسورية الثالثة، أمر ببناء هذه الآلة الغريبة.
كان الشعار الشخصي للسلطان (تيبو) هو النمر، فقد كانت صور النمر تظهر في مختلف أنحاء قصره: على كرسي العرش خاصته، على أسلحته ودرعه كذلك، كما كانت خطوط وألوان النمر ترسم على الجدران وكانت تستعمل على الزي الرسمي لموظفيه وجنوده، حتى أنه كان يحتفظ بنمور حية في قصره، وحتى لقبه الذي أطلقه على نفسه كان ”نمر ميسور“.
يُعتقد أن السلطان (تيبو) كان دائما ما يسلي نفسه باللعب بهذه الأداة الميكانيكية وكان يستمتع بسماع أصوات نحيب وعويل الجندي البريطاني تحت رحمة النمر، الذي ربما كان تصويرًا ضمنيًا وإيحاءًا لشخصه.
غير أن البريطانيين لم يشعروا بنفس التسلية والمرح عندما اكتشفوا هذه الأداة، حيث كتب الحاكم العام لشركة الهند الشرقية البريطانية مذكرة دعى فيها الأداة بأنها ”شاهد على عجرفة وقسوة السلطان تيبو الوحشية“، وكذلك: ”دليل آخر على الكره العميق، والمقت الشديد“ الذي كان يكنه السلطان للإنجليز.
لمدة من الزمن، ظل نمر (تيبو) معروضًا في غرفة القراءة على مستوى متحف ومكتبة شركة الهند الشرقية البريطانية في لندن، حيث أصبح ذا شعبية كبيرة خاصة وأنه كان بإمكان أي شخص أن يدير ذراع التدوير فيه ليسمع تلك الأصوات الصادرة عن النمر والرجل تحت أنيابه.
لم يكن بمقدور تلك الذراع الصغيرة تحمل الاستعمال المفرط من طرف الجميع تقريبًا لذا تكسرت بعد سنوات قليلة من اكتشاف الآلة، وهو ما أتى براحة عظيمة على الطلبة الذين كانوا يستخدمون الغرفة للمطالعة.
في سنة 1880، انتقلت حيازة النمر إلى متحف (فيكتوريا وآلبرت) في لندن، ومنذ ذلك الحين، كان واحدا من أكثر المعروضات جذبًا للزوار، على الرغم من أنه كان آنذاك هشا للغاية ولا يعمل بالشكل المطلوب.
خلال الحرب العالمية الثانية، انهار سقف المتحف مباشرة فوق النمر محطما إياه إلى مئات القطع والشظايا الصغيرة، وبعد الحرب، أعيد ترميم النمر بشكل دقيق للغاية، غير أنه صار لا يعمل مثلما كان في السابق.
في الأزمنة الحديثة، شكل نمر (تيبو) جزءا أساسيًا من معروضات متحف (فيكتوريا وآلبرت)، فكان بمثابة غرض لاستكشاف موضوع المقاومة الهندية للسيطرة البريطانية، وكذا التحامل البريطاني وعدوانه الأمبريالي.
يظهر الآن نمر (تيبو) في عدة أشكال من التذكارات في محلات المتحف على شاكلة البطاقات البريدية، والدمى المحشوة.
———————
*رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.