الدنيا نيوز – دانيا يوسف
لأنه لا يظهر إلا في الظلام، حصل على لقب دراكولا الهورمونات. إنه هورمون النوم أو الميلاتونين، تلك المادة السحرية التي تتحكم في ثلث حياتنا. يتم إنتاج الميلاتونين بشكل رئيسي عن طريق الغدة الصنوبرية، وهي غدة صغيرة توجد في المخ، ويتحكم في عملية النوم ودورات الاستيقاظ لدينا. لذلك إذا كنت تواجه مشكلة في النوم ليلاً فربما عليك التعرف عن قرب أكثر على هرمون الميلاتونين، وما الذي يُحفز الجسم لإفرازه؟ وما الذي يحدّ منه؟
ما هو هرمون الميلاتونين؟
هرمون الميلاتونين هو هرمون عصبي، يحدث إنتاجه وإطلاقه من الغدة الصنوبرية بإيقاع يومي، هذه الغدة بحجم حبة البازلاء وتقع مباشرة فوق منتصف الدماغ. تحدث مستويات الذروة في إنتاج الميلاتونين خلال الليل، وبمجرد إنتاجه يتم تحويله إلى مجرى الدم والسائل النخاعي؛ وهو السائل المحيط بالدماغ والحبل الشوكي. ثم يتم حمل الميلاتونين عن طريق الدورة الدموية من المخ إلى جميع مناطق الجسم. هناك أنسجة تُسمى مُستقبلات الميلاتونين، يمكنها اكتشاف الذروة في إنتاج الهرمون، وهذا من شأنه تنبيه الجسم بأن الوقت قد أصبح ليلاً وأنه قد حان وقت النوم. تكون مستويات إنتاج الهرمون خلال الليل أعلى 10 مرات على الأقل من تركيزات النهار. بالإضافة إلى إيقاع الساعة البيولوجية في جسم الإنسان، والتي تتحكم في كمية إنتاج الميلاتونين، تعتمد مستويات الهرمون أيضاً على إيقاع موسمي، فيكون إنتاجه أعلى خلال الخريف والشتاء عندما يكون الليل أطول، بينما تكون معدلات إنتاجه أقل في فصلي الربيع والصيف. في العديد من الحيوانات، بما في ذلك مجموعة واسعة من الثدييات والطيور، يُعدّ الميلاتونين الذي تُفرزه الغدة الصنوبرية ضرورياً لتنظيم البيولوجيا الموسمية للجسم مثل التكاثر والسلوك. كما تنخفض مستويات إنتاج الميلاتونين خلال الليل في مرحلة البلوغ لدى البشر. تدعم الأدلة البحثية دورين أساسيين للميلاتونين في البشر، هما: 1- إفراز الميلاتونين الليلي، وهو المسؤول عن بدء النوم والحفاظ عليه. 2- كما أن إيقاع إنتاج الهرمون نهاراً وليلاً يضمن أن يكون النهار للحركة والعمل، والليل للنوم والراحة.
أهمية هرمون الميلاتونين
يُولي الباحثون قدراً كبيراً من الاهتمام بهرمون الميلاتونين كطريقة علاجية لمختلف الأمراض وخاصة اضطرابات النوم، إذ يحتوي هذا الهرمون على خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة وللتخثر بالإضافة إلى آثاره الوقائية الأخرى. كما أن للميلاتونين فوائد مُحتملة في مواجهة وباء الإيبولا المعاصر، وهو مرض معروف مُسبقاً باسم حمى الإيبولا النزفية، والذي يؤدي للوفاة. تم العثور على مُستقبلات الميلاتونين في الغدة النخامية للدماغ، وكذلك في المبايض والأوعية الدموية والمسالك المعوية. ويبدو أن ارتباط الميلاتونين بمستقبلاته في الغدة النخامية والمبيض يلعب دوراً في تنظيم إفراز الهرمونات التناسلية عند الإناث، فمثلاً يتأثر توقيت وطول وتواتر دورات الحيض لدى النساء بالميلاتونين. بالإضافة إلى ذلك، في بعض الثدييات بخلاف البشر، مثل الخيول والأغنام، يعمل الميلاتونين كإشارة تكاثر وتزاوج، حيث يتم إنتاجه بكميات أكبر خلال ليالي الشتاء الطويلة وبكميات أقل من ذلك خلال فصل الصيف، ما يساعد الحيوانات التي تعتمد على تحديد وقت تزاوجها أو تكاثرها وفقاً لحلول مواسم معينة. يعمل الميلاتونين أيضاً على تحييد الجذور الحرة المؤكسدة الضارة، فهو قادر على تنشيط بعض الأنزيمات المضادة للأكسدة، وهذه الخاصية تجعله يساعد في بعض الفوائد الصحية مثل حماية العين من الأمراض، وعلاج قرحة المعدة. يساعد الهرمون أيضاً على إفراز هرمون النمو لدى الرجال، ومواجهة الاكتئاب الموسمي، ويتناقص إنتاج الميلاتونين تدريجياً مع التقدم في العمر، ويرتبط تناقص انتاجه هذا بظهور العديد من أمراض الشيخوخة.
كيف يتم التحكم في إنتاج الميلاتونين؟
لدى البشر والثدييات الأخرى، فإن الإيقاع اليومي لإنتاج الميلاتونين الصنوبري تُحركه الساعة البيولوجية الرئيسية للجسم. هذه الساعة موجودة في منطقة من الدماغ، ويُعبر عنها سلسلة من الجينات تتذبذب باستمرار طوال اليوم، وتتزامن هذه الساعة مع إيقاع الشمس. عن طريق إدخال الضوء من العينين فإن هذه الساعة المُتصلة بالغدة الصنوبرية، توقف إنتاج الميلاتونين عن طريق إرسال رسائل مُثبطة إلى الغدة الصنوبرية. وفي الليل، تكون الساعة أقل نشاطاً، ويتم تقليل التثبيط الذي يحدث خلال اليوم ما ينتج عنه زيادة إنتاج الميلاتونين.
ما الذي يمنع إفراز الميلاتونين؟
يحفز الظلام إنتاج الميلاتونين، فيجب عند الرغبة في النوم أن يكون مكان النوم مُظلماً قدر المُستطاع. لذلك يصبح الاستخدام المُطول للأجهزة مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية قبل وقت النوم له تأثير سلبي على إفراز الميلاتونين وتنظيم الإيقاعات اليومية والنوم. بالإضافة إلى إنتاج الميلاتونين في الجسم، يمكن أيضاً تناوله في شكل كبسولة، فالأدوية التي تشتمل على الميلاتونين تشمل علاج الأرق المرتبط بالعمر، تأخر الحركة، الاضطرابات وعدم التركيز في العمل. عند تناول الميلاتونين في وقت مناسب من اليوم، يمكنه إعادة ضبط إيقاعات الجسم اليومية من النوم والاستيقاظ ويضبط أداء الجسم بين الراحة والسكون والنوم العميق من جهة والحركة والنشاط والعمل من جهة أخرى.
ماذا يحدث إذا زادت أو قلّت كمية الميلاتونين؟
في العادة لا ينتج الناس كمية موحدة من الميلاتونين، فهناك اختلافات كبيرة في كمية هذا الهرمون لدى الأفراد، ولا يرتبط هذا بأي مشاكل صحية. لكن إذا حصلت من خلال الأدوية على كمية زائدة من الميلاتونين، فإن الآثار الرئيسية لذلك هي النعاس وانخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية. وللجرعات الكبيرة جداً آثار سلبية على أداء الجهاز التناسلي البشري، وكذلك تأثيرات سلبية على مضادات الأكسدة، وهي الأشياء التي يدعمها بالأساس الهرمون. تشير الدلائل الحالية إلى أن مكملات الميلاتونين آمنة وغير سامة وليست مسببة للإدمان، ومع ذلك فقد يعاني بعض الأشخاص من آثار جانبية خفيفة، مثل النعاس والدوار والصداع والغثيان. قد يتفاعل الميلاتونين أيضاً مع مجموعة متنوعة من الأدوية، مثل أدوية سيولة الدم وأدوية ضغط الدم ومضادات الاكتئاب، فعليك مراجعة الطبيب إذا كنت تتناول أيّاً من هذه الأدوية قبل تناول الميلاتونين. هناك أيضاً بعض القلق من أن تناول الكثير من الميلاتونين سيحول دون إنتاج الجسم له بشكل طبيعي، ومع ذلك، فقد وجدت العديد من الدراسات أن تناول الميلاتونين لن يؤثر على قدرة جسمك على صنعه بمفرده. أما انخفاض إنتاج الميلاتونين فليس معروفاً أن له أي تأثير على الصحة، رغم كونه يؤثر بشكل مُباشر على عملية النوم بما يتبع ذلك من آثار صحية سلبية. فالحصول على قدر كافٍ وعميق من النوم أمر هام للعديد من العمليات الحيوية في جسم الإنسان، وحتى صحته النفسية.