ملتقى تونس للرواية العربية يعقد دورته الثانية تحت شعار “الرواية السمراء”
“الدنيا نيوز” – خاص
إختتم ملتقى تونس للرواية العربية أعمال دورته الثانية، والتي ناقش في خلالها قضايا أصحاب البشرة السوداء في ثلاثة محاور، العبودية في الرواية والعنصرية في الرواية والبشرة السوداء ومقاربات التحرر .
معالجة قضايا الإنسان الأسود الذي إقترحه بيت الرواية بمدينة الثقافة الذي يديره الكاتب كمال الرياحي أثار فضول الروائيين ومحبي الرواية رغم تعقيداته وحفز المتدخلين للغوص في سلوكيات ترسخت في اللاوعي حول الرّق والعبودية والأقليات وكيف لشخص يكره اللون الذي يحمله.
وقد أوضح الدكتور شكري المبخوت أن المدونة الروائية التي اهتمت بقضايا أصحاب البشرة السوداء قامت على توجهين أساسيين، اهتم الأول باستعادة قهر السود والهيمنة عليهم في سياق المجتمعات العربية القديمة التي يقوم اقتصادها على ركائز من بينها تجارة الرق مثل روايات الليبية نجوى بن شتوان (زرايب العبيد) والبحريني خالد البسام (ثمن الملح) والأردنية سميحة خريس (بابنوس) بينما ركز التوجه الثاني على التناول السردي لصراع الإنسان الأسود المثقل بتاريخ من الإذلال والخوف والأفكار المسبقة ومركبات النقص والخضوع.
وقالت الاردنية سميحة خريس : “في روايتي “بابنوس” و”فستق عبيد” اقتفيتُ تاريخَ الرقِ الأسمر ومعاناةِ الانسان الأفريقي على يد الأبيض، صاحبِ الحضارةِ المعاصرة، الذي أباح لنفسه تملكَ البشر، تفحصتُ تلك المعادلة المريرة في رغبة الانسان بالحرية وتسببه بالعبودية، أردت من النصينِ المترابطين بوشيجةِ المكان وتتابعِ الزمان أن ينبشا في جرحٍ قديم جديد، قابلٍ للمثول بيننا في أية لحظة، متخداً هيئةً مختلفة واسماً مغايراً، متقنعاً أو كاشفاً عن نفسه بوقاحةِ الغالب المنتصر، ولكن تلك حكايةٌ تطول، خبرتُها وعشتُها منذ إدراكي الأول للونِ وأطيافهِ ودلالاته. تلك أفريقيا التي التقيتُ بها على الورق فذبحتني من الوريدِ إلى الوريد”.
من جانبه أكد الروائي السوداني حمور زيادة في مداخلته “عبيد في قيود السرد” أن الرق ليس عملية مادية فقط، تربط الضحية إلى وتد خشبي بالسلاسل، الرق قيود نفسية شديدة الخبث تشد ضحيتها إلى الأرض.
وفي مداخلة بعنوان “أشكال حضور السودان في أعمالي الروائيّة”، شرح الروائي التونسي إبراهيم الدرغوثي دلالات حضور الشخصيات السوداء في بعض أعماله الروائية وعلاقاتها بالمجتمع الأبيض في واحات الجريد بالجنوب التونسي وارتباطاتها الحياتية بالسكان مع ما قدمته من إضافات حضارية وثقافية للمجتمع العربي الإسلامي من خلال التبادل والتلاقح الحضاري بين جنوب الصحراء الكبرى وشمالها.
موضحا : ” منذ بداياتي الأولى في كتابة الرواية حضر ذوي البشرة السوداء في هذه الكتابة بأشكال متعددة منها المقدس صاحب الكرامات وصاحب الجاه والمدنس والعادي المُحقّر والعبد العامل في المنازل وخارجها وسائس هودج سيدته في مواسم الأعراس والأفراح، من ذلك حضور الدرويش الأسود في روايتي ” الدراويش يعودون إلى المنفى” الذي كان يشعل النيران في رجليه ويضعهما في الموقد”.
الروائي اللبناني الياس خوري ضيف شرف الملتقى ربط نشوء الرواية اللبنانية باندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وانهيار المحرمات، كما ربط الأحداث السياسية التي عاشتها المنطقة العربية بولادة النص الروائي مع تشكل وعي نقدي للتجربة الناصرية وهزيمة 67، مشيرا إلى أن الرواية اللبنانية ولدت من رحم هذا النقد كما سمحت الحرب الأهلية في الغوص في ثنايا الأسئلة الكبرى التي تطيح بالمسلمات وتتحرر من الإيديولوجيات السائدة.
وأضاف إياي خوري : “أننا اليوم نعيش الرعب العبثي مع انهيار ثلاثي الأبعاد: انهيار خطاب السلطة الاستبدادية الذي تحول إلى خطاب قمعي، انهيار خطاب المعارضة اليسارية الذي تشظّى، وتراجع الخطاب الإسلامي، إننا اليوم نعيش مرحلة ما بعد اليأس”.
وأكد الروائي المالي محمود ابراهيم تراوري في مداخلته “اختلاف اللون، الوعي بعالم أقل تفاهة، من سحيم للقوارب .. موتوا حرقا” أنه عمل على إزاحة الصورة النمطية لسود البشرة ، ولكن في ذهنية الأسود أولا وأخيرا . فالآخر يبدو مطمئنا للصور في ذهنيته وذاكرته التاريخية ، بينما الأسود عليه ألا يبقى مطمئنا، عليه أن يخلخل هذه الصورة ، لينطلق واثقا في رحابات الحياة ، دون أن يسمح لتلك الصور أن تكبله فيما تواطأ التاريخ والثقافة على إبقائه فيه، منبوذا ، مقصيّا، مقهورا.
وقال تراوري : “عجزنا كأمة عن تفكيك الخطابات التي تراكمت على مر التاريخ لمعاناة الإنسان الأسود في البقعة العربية. أسئلة تحاول أن تبحث فيما إذا كان الأسود وحده الذي يعاني أم الإنسان العربي بشكل مطلق هو الذي يعاني من أشياء كثيرة، متصلة بتاريخ القهر الاجتماعي، الذي تمثلته نماذج إبداعية عربية ذات بشرة سوداء تمتد لعصر ما قبل الإسلام ممثلة في الفارس الشاعر عنترة بن شداد ، مرورا بالشاعر سحيم ، وصولا للعصر الحديث الذي علا فيه صوت محمد الفيتوري وهو يرفع ربما حالما أغاني أفريقيا.”
مدير بيت الرواية الكاتب والناقد كمال الرياحي بعد طرحه موضوع قدرة الرواية على التغيير في الدورة الاولى لم يتوقف عن طرح الأسلحة الحارقة على النقاد والمشتغلين بفن الرواية خلال هذه الدورة ليضعهم أمام مسؤولية الكتابة وما بعد الكتابة، فالرواية ليست إلا تاريخًا إن أبدعه خيال كاتب أو أديب، فهو إبداع من واقع الحياة لكشف المراحل الأكثر أهمية في حياة الشعوب.
هذا ويشار الى ان المشاركات في ملتقى الرواية كانت مكثفة وبأسماء كبيرة في عالم السرد والنقد مثل المصري حجاج أدول، والسوداني حمور زيادة، والسورية أسماء معيكل واليمني علي المقري، والعراقيين الدكتور عبد الله ابراهيم وعلي بدر، والسوري نبيل سليمان، والتونسية سنية الشامخي، والمغربي مصطفى لغتيري، وحجي جابر من إريتريا.