مع ترامب.. العالم إلى أين؟


بقلم العميد منذر الايوبي *

في عبور جارف الى السلطة نتاج شهية عودة لولاية ثانية ربما؛ ام لتصفية حسابات داخلية بعد ما تعرض له من استهدافات غير مسبوقة سواءً على الصعيد السياسي او المالي، بالتوازي مع خضوع لمحاكمات واجراءات قضائية شملت 34 تهمة جنائية إبتغاءِ إدانة وصولآ الى تعرض لاغتيال في الرابع من حزيران الماضي خلال حفل انتخابي في ولاية بنسيلفانيا فكلا الامرين قَوِيم. لم يتأخر الرئيس المنتخب دونالد ترامب في تطبيق كثير مما تعهد به قبل دخوله المكتب البيضاوي، اذ بدأ يومه الاول بتوقيع سلسلة اوامر تنفيذية شملت قضايا الهجرة، الاقتصاد، المساواة العرقية، العفو الجنائي، المهاجرين غير الشرعيين الخ….! كما الغى قرارات تنفيذية كان قد اتخذها سلفه جو بايدن قبل اسابيع وايام من انتهاء ولايته منها رفع العقوبات عن عدد من المستوطنين اليهود المتطرفين ارتكبوا جرائم عنف وتعذيب بحق فلسطينيي الضفة الغربية بتمويل وتحريض من الحكومة الاسرائيلية .. لكن الاهم المثير والغير متوقع رفع الحظر عن شحنة ذخائر تقدر ب 1800 قنبلة نوع MK-84 و BLU-109 لإسرائيل.. (في مختصر مواصفات القنبلة ذات الشهرة تعرف بالقنبلة الغبية او المطرقة لاعتمادها على السقوط الحر الغير موجه.. في الوزن طن واحد تحتوي حوالي 600 kg من المواد المتفجرة ذات قدرة تدميرية هائلة، قطر انفجار قد يتجاوز النصف كيلومتر، اختراق اهداف عميقة من الخرسانة السميكة والمعادن).

سياقآ؛ لم تحجب مهمة مبعوث الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط ستيفن ويتكوف وفرضه على بنيامين نتنياهو ابرام اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) الدعم القوي الذي يظهره الرئيس ترامب لاسرائيل، ليترجم الامر افراجآ عن الشحنة مؤشر ثبوت علاقة تاريخية صنف التبني رغم العلاقة المتوترة بينه ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو.. اذ يعتبر ساكن المكتب البيضاوي الجديد الولاء مسألة شخصية وعدمه او الانقلاب عليه له ثمن باهظ، اذ لم ينسَ الاول مسارعة الاخير لتهنئة جو بايدن بحرارة إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية وهزيمة ترامب…!

ثم ان الهدية المتفجرة للكيان المحتل لا تعني بالضرورة او مطلقآ دعمآ لنتنياهو، علمآ انه لن يتردد في تقريش الهبة لصالحه شخصيا سواءً في السياسة امام حكومته ومعارضيه في الكنيست ام لجهة تلبية احتياجات اركان جيشه وقوته الجوية الضاربة.. مع الاشارة ان وكالة رويترز سبق وسربت نقلآ عن مصادرها في (البنتاغون) وزارة الدفاع الاميركية تزويد اسرائيل 14.000 قنبلة من نفس النوع والطراز اثناء حرب غزة والعدوان على لبنان..

تاليآ؛ ينظر ترامب على ما صرح مرارآ الى ضرورة انجاز تسوية اقليمية في الشرق الاوسط تشمل المملكة العربية السعودية، من هذه الزاوية يعتبر نتنياهو عقبة اساسية امام مشروعه السلمي هو القاصر عن ضبط اداء حكومته والحفاظ على تماسكها سيما بعد استقالة ايتمار بن غفير وزير الامن القومي وزعيم حزب القوة اليهودية المتطرف، اضافة الى وزير التراث عميحاي إلياهو ووزير شؤون النقب والجليل يتسحاك فاسرلوف، من هذا المنطلق ولإنعدام الثقة سيسعى الى إيصال زعيم يميني جديد لرئاسة الحكومة المقبلة قادر على توحيد احزاب اليمين المتطرف وتقديم تنازلات متبادلة لصالح سلام دائم في آن، ما يجعله يحقق انجازآ تاريخيآ قد يسهم في منحه جائزة نوبل للسلام…

على صعيد آخر؛ اتت كلمات الاسقف ماريان ادغار بودي خلال القداس الذي اقيم بحضور ومشاركة الرئيس ترامب والسيدة الاولى بعد حفل التنصيب في الكاتدرائية الوطنية في العاصمة واشنطن جريئة من صلب عقيدة مسيحية متسامحة عندما طلبت التحلي بالرحمة تجاه الاشخاص المثليين جنسيآ الذين يخشون على حياتهم والمهاجرين سيما القادمين من اميركا اللاتينية؛ “أطلب منك أن تتحلى بالرحمة، السيد الرئيس على تلك المجتمعات التي يخشى الأطفال فيها من أن يتم اقتياد والديهم”.. “أطلب منك بأن ترحم الناس في بلدنا الذين يشعرون بالخوف الآن”. فيما لم تحجب عظتها تعرضها لانتقادات جارحة على وسائل التواصل الاجتماعي وصلت الى حد وصفها من الرئيس المنتخب بالشريرة اليسارية الكارهة له ..الخ..

بين مراده وشعاراته: اميركا اولآ؛ فرض السلام الدائم في الشرق الاوسط؛ وقف “الحرب السخيفة” على اوكرانيا؛ العلاقات الاقتصادية المتوازنة مع الصين؛ قضم الاقليم الدانماركي غرينلاند (ضرورة مطلقة للامن الدولي)؛ اعادة السيطرة على الممر المائي الدولي قناة باناما؛ ضم كندا باعتبارها الولاية الاميركية 51؛ تصحيح العلاقة مع اوروبا ومسار حلف الناتو؛ ترانسفير اهالي غزة الى مصر وفلسطينيي الضفة الغربية الى الاردن الخ.. قضايا استراتيجية وجيو سياسية مثيرة للجدل في محاولة تحقيقها صدام مع العالم واضطراب في دوران الكوكب؟ واذ يتعذر توقع سلوكيات الرئيس ترامب وتقلب قراراته فالعينة الواضحة ومؤشر التعاطي الظاهر يتجلى في تمزيق معاهدات مبرمة كما الانسحاب من رئاسة او عضوية كيانات ومنظمات دولية لطالما شكلت اعمدة في استراتيجيات السياسة الاميركية..
يمكن اعتماد ما قاله مايكل انتون الكاتب الاميركي المحافظ عن دونالد ترامب “هو ليس من المحافظين الجدد او القدامى وليس من الواقعيين التقليديين او الليبراليين الدوليين، ليس حمامة او صقر؛ لا يعتنق عقيدة ثابتة لكن لديه قيم خاصة به”الخ .. وعلى هذا الوصف هل يمكن التكهن بما سيكون عليه حال العالم لاربع سنوات قادمة…؟

————————
*عميد متقاعد؛ مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية