مباحثات فيينا … والتفاوض من موقع القوة
بقلم : د . غسان الخالد
جرت أمس الجولة المتوقعة بعيد إستلام بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية. هي جولة متوقعة لأن بايدن أكد خلال حملته على إعادة إحياء الاتفاق الننوي مع ايران، معتقدا هو وأركان فريقه أن الرئيس ترامب قد اخطأ في إلغاء الاتفاق من جانب واحد، كما اخطأ في فرض المزيد من العقوبات على إيران.
الخطأ نوعان، خطأ تكتيكي، وخطأ استراتيجي. بالنسبة لإدارة ترامب فقد أخطأت خطأ تكتيكياً في تعليق العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وكان لهذا الخطأ التكتيكي، آثار إيجابية على السياسة الإيرانية في بعدها الاستراتيجي.
فايران لم تطور فقط إمكانياتها النووية، بل أعادت إلى العقل والوجدان الجمعي الإيراني، عداوة أميركا اولا من جهة، وأهمية المحافظة على الايديولوجيا الإيرانية ثانيا من جهة أخرى.
المتابع لتداعيات إلغاء الاتفاق أو تعليق العمل به من طرف واحد، مع تحفظ أوروبي اولا، ثم امتثالا للإرادة الأميركية ثانيا، دفع إيران للتشدد في مواقفها السياسية نظريا وعمليا، من خلال تطوير أجهزة الطرد المركزي وصناعة محلية، وقد عادت إلى مباحثات فيينا أمس وهي تمتلك عناصر قوة واضحة للعيان. منها على سبيل المثال لا الحصر، زيادة نسبة التخصيب إلى ما يزيد عن العشرين بالمئة، اي ما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي، المحرم عندها بفتوى شرعية اصلا. وقد أضيف عنصر آخر تمثل في تطوير أجهزة الطرد بقدرات محلية، ولعل الأهم من هذا وذاك، انها عادت وقد وقعت الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، وهو ما سيؤدي لاحقا إلى إفشال الحصار الاقتصادي المفروض عليها أمريكيا، مع امتثال أوروبي لهذه الإرادة الأميركية، كان له نتائج سلبية جدا على الاقتصاد الأوروبي بعد توقيع الاتفاق مع الصين، إذ خسرت الكثير من المشاريع التي كان من المتوقع أن تنفذها، بما ينعش الاقتصاد الأوروبي المنكمش، وزاد انكماشه كما كل اقتصاديات العالم بعيد جائحة كورونا.
يقول المثل العربي في إشارة إلى أهمية القوة، أن كاد الحيل يوازي الحيل البل ما تجيب خيل (البل تعني الإبل)، وفي هذا المثل دلالة على أهمية امتلاك القوة وعناصرها أثناء التفاوض وخلاله.. فامتلاك القوة وامتلاك عناصرها، هو ما يجعل الأطراف المتفاوضة في مرحلة الندية وليس التبعية.
هكذا عادت إيران إلى مباحثات فيينا، ممتلكة لعناصر قوة جعلها تفاوض بقوة من خلال الإصرار على وقف العقوبات، ومن خلال العمل على الإجراءات التي كان من المفترض أن يعمل بها بعيد توقيع الاتفاق النووي، ومنها على سبيل المثال إعادة أموال إيرانية مجمدة إلى إيران، وهو ما يزيد عناصر القوة الإيرانية، خصوصا لجهة المشاريع التنموية، التي لم تتوقف اصلا في إيران، لكنها بالتأكيد تأثرت بالعقوبات التي فرضت عليها.
من هنا، وبناء على تلك المعطيات، عادت إيران إلى المباحثات، التي باتت مطلوبة ربما أوروبيا وأميركيا أكثر مما هي مطلوبة إيرانيا، وخصوصا بعد توقيع اتفاقها مع الصين. أما الدول غير المستفيدة من هذه العودة ومنها الكيان الصهيوني ودول إقليمية أخرى، فقد لجأت إلى سلوك التشويش على المباحثات، وحادثة السفينة الإيرانية أمس هي باب من أبواب التشويش،التي تحاول إدارة نتنياهو استخدامها لسبب محلي بحت متعلق بالانتخابات الإسرائيلية، وارضاء للحلفاء القدم الجدد، كبادرة حسن نية تجاههم، او لاعطائهم ما يسميه العرب الريق الحلو، والمتجلي في عدم التخلي عنهم. علما أن حرب السفن بين إيران والكيان لم تكن وليدة أمس فقط، بل سبقها العديد من المحاولات التي ترافقت بالرد.
أن نتيجة مباحثات فيينا أمس، كانت خطوة إيجابية لفحص نوايا الأطراف المشاركة، ولذلك كان تقويم المفاوضات من جانب إيران، وبسبب امتلاكها لعناصر القوة في هذه المباحثات، كانت متشائلة، وتتراوح بين التفاؤل المطلوب من كل الأطراف، والتشاؤم الحذر الذي يسود كل الأطراف. لكن بالتأكيد ولأن الدول ليست جمعيات خيرية، بل هي مصالح، ولأن كلفة التنازل هي دوما أقل من كلفة الحرب، ومن غير التنازل عن المبادئ، فإن مباحثات فيينا أمس تشكل عودة، ينبغي النظر إليها بإيجابية.
——————–
* باحث في علم الاجتماع السياسي
طرابلس في 4/ 7/ 2021