“اخبار الدنيا” – دانيا يوسف*
تُعرّف حالة ما قبل السّكري بأنّها المرحلة البدئيّة للداء السّكري من النمط الثاني ، وتتميز بكون مستوى سكر الدّم أعلى من السّوي ولكن أقل من المستويات المحققة لتشخيص الداء السكري من النّمط الثاني. وفي هذه المرحلة قد لا توجد أعراض سريريّة واضحة، و لكن مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية واختلاطات الداء السّكري تكون مرتفعة نسبيًا، ولذلك لا يُكتشف المرض عادة إلا بعد ظهور مشاكل صحية خطيرة، إذ تتطور أكثر من 70% من حالات قبل السكري إلى الداء السّكري من النمط الثاني وتتطور الاختلاطات تدريجيًا (1,2). وقُدِّر الانتشار العالمي بـ 7.3٪ من السكان البالغين في العام 2017 ، أي ما يعادل 352.1 مليون فرد. وبحلول عام 2045، من المتوقع أن يرتفع معدل الانتشار إلى 8.3٪ من السكان البالغين في العالم ، أي ما يعادل 587 مليون فرد. ولا يوجد فرق كبير في الانتشار بين الرجال والنساء ، وتقل حوالي نصف الأفراد المصابين أعمارهم عن 50 عامًا.
الأسباب :
يشكل هرمون الأنسولين المفتاح لدخول الغلوكوز إلى الخلايا من أجل الحصول على الطّاقة بعد إفرازه من خلايا البنكرياس إلى الدّم، وفي حالة ما قبل السّكري، لا تستجيب الخلايا إلى هرمون الأنسولين بطريقةٍ سوية، مما يؤدي إلى إفراز خلايا البنكرياس فائضًا من الأنسولين على أنها محاولة لجعل الخلايا تستجيب، وفي النّهاية لا يستطيع البنكرياس مقاومة الهرمون، فيرتفع سكر الدّم مما يمهد الطريق لحالة ما قبل السّكري والداء السّكريّ من النمط الثاني. وبالتالي، تعرف حالة ما قبل السّكري باستقلاب غير سوي للغلوكوز والذي يتضح بمظهرين أساسيين. الأول هو اضطراب تحمل الغلوكوزimpaired glucose tolerance (IGT) والذي يتميز بانخفاض حساسية الأنسولين المحيطي مع حساسية سوية تقريبًا للأنسولين الكبديّ، مع وجود انخفاض تدريجي في وظيفة خلايا بيتا ونقص إفراز هرمون الأنسولين وزيادة إفراز هرمون الجلوكاجون. أمّا الثاني، هو اضطراب السّكر الصّياميّ impaired fasting glucose (IFG) وعلى العكس من اضطراب تحمل الغلوكوز، يتميز بانخفاض حساسيّة الأنسولين الكبدي، وقد يتواجد كلاهما معًا.
وعلى الرغم من أنّ المرحلة يمكن أن تبقى دون أي أعراض لسنوات عديدة، ولكن ثمة عوامل تساعد في كشف هذه المرحلة:
زيادة الوزن
العمر > 45 أو أكثر
وجود والد أو أخ أو أخت مصاب بالداء السّكري من النمط الثاني
ممارسة النشاط البدني أقل من ثلاث مرات في الأسبوع
الإصابة السابقة بالسكري الحملي ( تشخيص الداء السكري أثناء الحمل) أو ولادة طفل يزيد وزنه عن 9 أرطال.
الإصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات.
التشخيص :
إنّ معايير التشخيص والمصطلحات المتعلقة بما قبل السّكري تختلف اختلافًا كبيرًا بين المنظمات، إذ تقدّم كل من منظمة الصّحة العالميّة World Health Organization (WHO) والجمعيّة الأمريكيّة للسكري the American Diabetes Association (ADA) إرشادات حول تشخيص ما قبل السّكري بناءً على تقييم اضطراب تحمل الغلوكوز IGT واضطراب السّكر الصّياميّ IFG، ورغم أن المستويات المحددّة لتشخيص اضطراب تحمل الغلوكوز هي نفسها لكل من المنظمتين، توصي الجمعيّة الأمريكيّة بمستويات أخفض لتشخيص اضطراب السكر الصّيامي من منظمة الصحة العالميّة:
اضطراب تحمل الغلوكوز : يُقيم سكر الدّم بعد ساعتين من إعطاء 75 غ من السكر فمويًا و يشخص بقيم 140–199 mg/dL.
اضطراب السّكر الصّياميّ : يُقيم من خلال قياس سكر الدّم الصّياميّ و يشخص بقيم 100–125 mg/dL حسب الجمعية الأمريكية و بقيم 110–125 mg/dL حسب منظمة الصحة العالمية.
تطوّر الدّاء السّكريّ من النّمط الثاني:
إنّ التطور نحو السّكري متعدد العوامل مثل معايير التشخيص ومن ضمنها اضطراب السكر الصيامي واضطراب تحمل السكر و مستوى الخضاب الغلوكوزي HbA1c والتي تلعب دورًا في التنبؤ بتطور الداء السكري من النمط الثاني في المستقبل.
و يمكن لمستوى السكر الصيامي عند التشخيص أن يحدد نسبة التطور للداء السكري، فالسكر الذي يساوي 120mg/dL عند بداية التشخيص يتنبأ بتطور أكثر نحو الداء السكري من القيم التي تتراوح بين (mg/dL110-119). ويمكن لعوامل مثل زيادة قيم مؤشر كتلة الجسم BMI، وشكل محيط الخصر waist circumference strata أن تؤهب للإصابة بالسكري، إذ كان وقوع المرض لدى الأشخاص الذين يملكون محيط خصر طبيعي أبعد بـ 10 سنوات من البدناء، ولعوامل العرق مثل الآسيويين والجنس دور في في التنبؤ بهذا المرض؛ إذ تقترح بعض الدّراسات أنّ النساء لديهم تغير أكبر في قيم BMI والكوليسترول الكلي والسكر الصيامي.
ما قبل السكريّ و أمراض القلب الوعائيّة وجهان لعملة واحدة:
تشمل اختلاطات قبل السكري اضطرابات الأوعية الكبيرة والتي تضم كل من الأمراض القلبيّة الوعائيّة؛ إذ وجد ارتباط بين احتشاء العضلة القلبية وقصور القلب الاحتقاني وأيضًا تصلب الشرايين والداء الإكليلي مع حالة ما قبل السكري، و أيضًا الدّماغيّة الوعائيّة بما في ذلك السكتة؛ إذ يزيد احتمال حدوث السكتة الإقفارية العابرة والسكتة الدماغية المتكررة، وأيضًا تُعد اعتلالات الأوعية المحيطيّة شائعة لدى هؤلاء المرضى. وأظهرت الدّراسات الوبائيّة أنّ وجود ما قبل السّكري يعتبرمؤشرًا قويًا على الإصابة بالأمراض القلبيّة الوعائيّة.
ما هو التدبير الأمثل لحالة ما قبل السكري؟
يمكن التقليل من خطر التطور نحو السكري من النمط الثاني من خلال تعديل نمط الحياة وذلك بخفض القليل من الوزن بما يعادل 5% و حتى 7% من الوزن الحالي، بالإضافة إلى ممارسة النشاط البدني المنتظم؛ إذ أن تحصيل 150 دقيقة في الأسبوع من المشي السريع أو أي نشاط مماثل حوالي 30 دقيقة في اليوم، لخمسة أيام في الأسبوع الواحد هو أمرٌ جيد (2). وارتبطت الوقاية من مرض السكري من خلال تعديل نمط الحياة بانخفاض معدل الوفيات من أمراض القلب والأوعية الدموية و من غيرها (5) . وأظهرت العديد من التجارب السريريّة أن خطر الإصابة بالسكري يمكن تقليله من خلال المعالجات الدوائية، ولكن لم يلاحظ نتائج مثاليّة بعد. ويعد الخطر النسبي للتطور نحو السكري باستخدام عقارات الميتفورمين metformin والأكاربوز acarbose مشابه أو أضعف من التدخل في تعديل نمط الحياة، بالإضافة إلى التأثيرات الجانبية التي تسببها هذه الأدوية، ولكن تبقى المعالجة الدّوائيّة ضروريّة في حالة صعوبة الحفاظ على تعديل نمط الحياة وفي حالة المرضى ذوي الخطورة العالية مثل النساء اللواتي طورن سوابق لسكري حملي ومثل البدناء.
———————————
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”