مؤلفون “قتلة” أشاروا إلى جرائمهم الحقيقية في رواياتهم
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
حين أدين المؤلف الصيني ليو يونغ بياو بقتل أربعة أشخاص أوسعهم ضربًا حتى الموت في نُزل عام 1995، ربما لم يفاجئ قراؤه كثيرًا بالأمر.
ففي مقدمة روايته عام 2010 بعنوان “السر الآثم” نوه ليو إلى أنه بصدد رواية أخرى تدور قصتها حول مؤلفة ترتكب سلسلة جرائم بشعة وتهرب من العدالة. وفي النهاية لم يقدر له أن يكتب تلك الرواية، وإن اعتزم تسميتها “الكاتبة القاتلة الحسناء”.
وبعد القبض عليه، يقال إنه صرح لتلفزيون سي سي تي في الصيني أنه استلهم بعضًا من مؤلفاته من الجرائم التي ارتكبها، وبين ضحاياها حفيد أصحاب النُزُل الذي لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعًا.
ومن المؤلفين من استعاض عمَّا لم يرتكبه من جرائم بخيال جامح، بدءًا برواية “بدم بارد” تأليف ترومان كابوت والتي وصفها بـ”رواية وقعت فعلاً”، ومرورا بأعمال حازت صيتًا عالميًا كرواية “الحجرة” تأليف إيما دونيهيو، و”البنات” لإيما كلاين، معتمدين على أحداث حقيقية زادها الخيال ترويعًا وجعل وقعها في النفس أشد رعبًا.
الجرائم الخمس الآتية والروايات التي استوحتها عُدت مزجًا بين الأدب والواقع، لا يوصى ضعاف القلوب بمطالعته.
“زهرة الأضاليا السوداء”
اسمها الحقيقي إليزابيث شورت، ولم تكن قد تجاوزت الثانية والعشرين حين عثر على جسدها مشوهًا ببقعة مهجورة في لوس أنجليس في يناير/كانون الثاني عام 1947. وجدت الجثة مبتورة من الوسط ومفرغة من دمائها حتى أن الأم الشابة التي وجدتها مصادفة ظنت لأول وهلة أنها تمثال. وأطلقت عليها الصحف التي أبرزت تفاصيل الجريمة البشعة اسم “زهرة الأضاليا السوداء”. دارت تحقيقات الشرطة حول 150 متهمًا ولكنها لم تقد للقبض على أي شخص، ورغم ورود ما يربو على 500 اعتراف منذ اكتشاف الجريمة لم تتحقق الشرطة من مصداقية أي منها.
تلك الجريمة التي لم تُحَل تركت أثرًا لا يمحى، إذ استوحتها العديد من الكتب والأفلام منها رواية “اعترافات مصدقة” لجون غريغوري دان عام 1977 والتي تبدأ بجريمة مماثلة وتتطور لقصة أخوين في أربعينيات لوس أنجليس تتحول حياتهما من الضياع للأمل.
أما العمل الأبرز فهو رواية “زهرة الأضاليا السوداء” البوليسية لجيمس إلروي لعام 1987 والتي تخالف الواقع بتصورها التوصل إلى الجاني. ورغم أن أحداث الرواية تبدأ قبل عام من ميلاد إلروي إلا أنها تحمل وقعًا خاصًا بالنسبة له، إذ أهداها لأمه التي كانت ضحية جريمة قتل وقعت في لوس أنجليس عام 1958.
جرائم غريت ويرلي
تلقى الكاتب الشهير آرثر كونان دويل كثيرًا من بريد المعجبين في زمانه، منها رسائل خلطت بينه وبين شخصيته الخيالية الأشهر، المخبر الملهم شارلوك هولمز، وطلبت منه المساعدة في حل جرائم.
وفي العقد الأول من القرن العشرين، أفرِج عن محام يدعى جورج إدالجي بعد أن أمضى ثلاث سنوات من حكم بالسجن لسبع سنوات مع الأشغال الشاقة. وقد أدانته المحكمة بإلحاق إصابات قطعية بخيول وماشية فضلاً عن إرسال رسائل بغيضة “من مجهول” لاحقت أبويه أمدًا طويلاً من الزمن.
أصر إدالجي على براءته وطلب من دويل المساعدة في إثبات البراءة، خاصة مع اعتقاد دويل أن اتهام إدالجي له علاقة بلون بشرته – لأن والده هندي – ومن ثم عمل حثيثًا على مكافحة ما اعتقد أنه عنصرية متأصلة في جهاز شرطة ستافودشير. وقد أثارت القضية اهتمام القراء على نطاق واسع في أوانها وسميت بجرائم غريت ويرلي نسبة إلى القرية التي شهدت الأحداث، وفي عام 2005 حولها المؤلف الإنجليزي جوليان بارنز لرواية بوليسية مثيرة بعنوان “آرثر وجورج” رشحت لجائزة بوكر وتحولت لعمل مسرحي وآخر تلفزيوني.
اختفاء بولا جين ويلدن
في غرة ديسمبر/كانون الأول عام 1946 اختفت طالبة تبلغ من العمر 18 عامًا بينما كانت تسير في غابات فيرمونت. كانت بولا جين ويلدن الابنة الكبرى لأحد المصممين، وكانت في عامها الثاني بكلية بنينغتون حين أرادت التنزه في الطبيعة القريبة بعد ظهر يوم أحد بارد دون رفيق أو حقيبة، وبجعبتها قليل من المال.
وحين تأخرت عودتها إلى الجامعة تم استدعاء مسؤول الشرطة، والذي عُنِف لاحقًا لعدم كفاءة التحقيق. تنوعت النظريات بين السقوط وفقدان الذاكرة أو الانتحار أو القتل، ولم يُعثر أبدًا على جثة في تلك المنطقة. وقد شهدت الفترة ما بين عامي 1945 و1950 أربعة حالات اختفاء على الأقل في نفس المنطقة دون معرفة السبب.
أثار ذلك خيال المؤلفة شيرلي جاكسون وهي من نفس المنطقة وكان زوجها يُدرّس في كلية بنينغتون، واستلهمت من اختفاء ويلدن روايتها الغامضة بعنوان “القاتل” لعام 1951، وتطرقت على عجالة للأمر نفسه في قصتها القصيرة “الفتاة المفقودة”.
وفي لفتة مثيرة تلتقط سوزان سكارف ميريل خيط الجريمة في روايتها “شيرلي” عام 2014 لتتهم المؤلفة السابقة بالضلوع في اختفاء ويلدن!
“جزار بلينفيلد”
هذه المرة الجريمة مزدوجة: القتل وسرقة الجثث! المكان بلينفيلد بولاية ويسكنسن حيث ألقي القبض على إدوارد ثيودور غاين عام 1957، والذي انتهى به المطاف بالموت عام 1984 بالمصحة العقلية حيث أودِع.
غير أن الجرائم المروعة التي ارتكبها جعلت سيرته لا تنتهي بوفاته. اعترف غاين بقتل امرأتين، واستخراج جثث بعد دفنها بوقت قصير من مقابر بالمنطقة بغرض حياكة “بدلة نسائية” يتوارى تحتها ليتقمص شخصية أمه الراحلة.
وتوصل المحققون في منزله إلى مجموعة غريبة من “الأثاث والملابس” كلها من رفات بشرية. وبعد عامين من القبض على غاين، نشر المؤلف روبرت بلوك رواية مثيرة بعنوان “نفوس معقدة” حولها المخرج ألفريد هيتشكوك عام 1960 إلى أحد أشهر أفلامه (لم يكن بلوك متابعًا لجرائم غاين حين بدأ تأليف الرواية ولكنه قرأ عنها قبل الانتهاء منها). ولاحقًا استلهم توماس هاريس منها شخصية “بافلو بيل” في رواية “صمت الحملان”.
هاري باورز: سفاح النساء
تصيد السفاح هاري باورز ضحاياه من إعلانات القلوب الحائرة بالصحف، ليقتل عاشقات ولهانات ومن ثم يحصل على أموالهن. ومن بين ضحاياه أرملة تدعى أستا أيشر وأولادها الثلاثة في بارك ريدج في إيلينوي. بعد مراسلات حميمة اصطحب باورز أيشر لبضعة أيام في أواخر يونيو/حزيران عام 1931 قبل العودة بمفرده للأولاد ليخبرهم أنه جاء ليأخذهم إلى أمهم.
اختفت امرأة أخرى بينما بدأت الشرطة التحقيق في حالات الاختفاء في أغسطس/آب. وفي منزل أيشر قادت رسائل الغرام الشرطة إلى منطقة كوايات ديل بويست في يرجينيا وإلى مسرح جريمة مأساوية شملت آثار أقدام طفل مخضبة بالدماء. كما عثرت الشرطة على حزمة مراسلات أخرى تشير إلى أن باورز كان بصدد إعادة الكرة مع أخريات.
أعدم باورز شنقًا عام 1932 بعد أن بات حديثًا لا ينقطع لوسائل الإعلام بل وأصبحت “مقتنيات” الكوخ الذي كان باورز يصطحب ضحاياه إليه تباع في الشوارع. وحينما ذكرت الروائية جاين آن فيليبس الجريمة في أولى رواياتها تلقت إحدى المقتنيات. وفي عام 2013 نشرت رواية “كوايات ديل” التي ضمنتها تفاصيل دقيقة مثيرة للقضية وتوابعها.
وكان من الشخصيات القليلة المبتدَعة في الرواية تلك الصحفية الشابة “إميلي ثورنهيل” التي أذنت شخصيتها بفجر تمكين المرأة الذي جاء لاحقًا. بين أسطر الرواية تدرك ثورنهيل السبب في تمكن السفاح من “تلك النساء ممن انتصف بهن العمر، ممن أيسن من الرجال والأقدار، وبتن في أمس حاجة إلى من يرعاهن ويحميهن”.
————————
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.