مؤتمر ميونيخ للأمن …!
بقلم ألعَميد منذر ألأيوبي *
بين مطار ميونيخ Munich و فندق “بايريشير هوف” Bayerischer Hof مسافة 32 km نصف ساعة تقريبآ حَيثُ وسط ألمدينة ألتاريخيَة 350 غرفة و 65 جناحآ فندقيآ إحتوت يوم أمس أعضاء مؤتمر ميونيخ ألسنوي للأمن Munich Security Conference 2020 في دورته أل 56 ؛ ضمت ألوفود ألمشاركة 35 رَئيس دَولَة و أكثر من 105 مَن وزراء ألخارجية و ألدفاع بما في ذلك 350 شخصية رفيعة ألمستوى من “صناع ألقرار” Decision Makers في ألعالَم ..!
بتغطية من حَوالي 1300 صحافي ممثلين عن وسائل ألإعلام ألمرئي و ألمسموع و ألمواقع ألإلكترونية إفتتح ألمؤتمر ألرئيس ألإلماني “فرانك شتاينماير” Frank-Walter Steinmeier بكلمة تضمنت ما سُميَ (فقدان ألقيم عَبرَ ألأطلسية و مجتمع ألأمن) دور ألإتحاد ألأوروبي و حلف شمال ألأطلسي ، بحضور على سبيل ألذكر لا ألحصر : الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو ، وزراء الخارجية و الدفاع والطاقة في الولايات المتحدة ، رئيسة مجلس النواب ألأميركي نانسي بيلوسي ، وزير ألخارجية ألروسي سيرغي لافروف و نظيريه ألصيني و ألياباني ، ألأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرج ، رئيس ألإتحاد ألأوروبي ، ممثل عن ألمحكمة ألجنائية ألدولية ، رؤساء تشاد ، بوركينافاسو ، ألنيجر ، و غيرهم ..! إستطرادآ يعكس حجم و نوعية ألمشاركين أهمية ألمؤتمر و ألمواضيع و ألقضايا ألتي تُطرح سواء على ألمستوى ألإستراتيجي أو ألجيوسياسي إذ أنه منصة للنقاش و ألمعالجات في ألحِفاظ على مصالح ألدول و الأحلاف أو ألتنازل عن بعضها و ذلك على صعيد ألكوكب ..!
من ألواضح منذ تأسيسه عام 1963 أن ألمؤتمر ليس إستعراضيآ أو رمزيآ و ما يطرح في جلساته من قبل ألخبراء و ألإستراتيجيين يتناول ألتحديات ألحالية و ألمحتملة للسياسة ألأمنية و ألدولية ، ألهواجس ، عُمق ألمعضلات Dilemmas ، مراميها ، ألحلول و بألحد ألأدنى تبادل ألآراء حولها بسرية أو ضمن دوائر مغلقة ..!
ألأزمات ألحالية و ألصراعات ألإقليمية بدءآ بِ أمن ألخليج ألعربي و ألممرات ألنفطية ، ألحرب في أو على أليمن ، ألتهديدات ألإيرانية و تعليق ألعمل بألبرنامج ألنووي ، ألأزمة ألسورية ، ألوضع في ليبيا ، ألتدخلات ألتركية ألعسكرية في ألإقليم و مياه ألمتوسط ، ألأزمة ألسياسية و ألإقتصادية في فنزويلا ، أوكرانيا ، ألتجارة مع ألصين ، كوريا ألشمالية و إستراتيجيتها ألجديدة في تطوير برامجها ألصاروخية ألباليستية ألهجومية ، أزمة حلف ألناتو NATO و تمويله و وضعيته ألمترهلة حاليآ ، ألأمن ألسيبراني Cyber Security ، مكافحة ألإرهاب و تجفيف مصادر تمويله ، ألبيئة ، ألأوبئة إلخ .. و مواضيع أخرى ذات أهمية جميعها ملفات وضعت على طاولة ألمؤتمرين كما بحثت في ألإجتماعات ألجانبية أو ألثنائية ، ورش ألعمل Workshop ألمكثفة إضافة إلى مجموعة ألتحليل “ألمعنية بما تم إنجازه و ما يتعين متابعته”، لجان ألإقتراحات و ألصياغة ..
من جهة أخرى ؛ لافتآ حجم ألوفد ألأميركي ألمشارك على تنوع إختصاصات أفراده إضافة إلى إنضمام أعضاء من ألبرلمان و ألكونغرس من كلًا ألحزبين ألجمهوري و ألديمقراطي ، كذلك مشاركة رئيس شركة فايسبوك” Mark Zuckerberg لأول مرة في ألمؤتمر مع ألعديد من رؤساء ألمؤسسات ذات ألأنشطة ألمثيلة و ألشركات ذات ألقدرة على ألتفاعل و ألتأثير في ألأمن و ألإجتماع و ألإقتصاد ألعالمي ..!
من رؤية متشائمة ، عَدَم ألإهتمام بألغرب Weit Losigkeit – West Loose كان عنوان ألمؤتمر في إختصار لشعور و أداء متنامي بتطور ألعالَم بموازاة إتجاه أقل إهتمامآ بألغرب ألأوروبي و ألأطلسي ، بِمعنى أكثَر تبسيطآ “تهاوي أو إنحدار ألغَرب بألتوازي مع صعود قوى أخرى : ألإتحاد ألروسي – ألصين” بألتالي ألإتجاه ألمتصاعد و ألمتغير من نِظامٍ ألقطب ألواحد Uni-Polar ألولايات ألمتحدة إلى ألتعددية ألقطبية Multi-Polarity روسيا و ألصين ..!
في سياق متصل ؛ سجل لقاءان جانبيان على قدر من ألأهمية ألأول تَمَ يَوم أمس بين وزير ألخارجية ألروسي سيرغي لافروف و نظيره ألأميركي مايك بومبيو إختتم بِعبارة Good Luck من ألأخير إلى لافروف ؛ أللقاء ألثاني حصل صباح أليوم بين وزير ألخارجية ألصيني “وانغ يي” و وزير خارجية ألفاتيكان ألكاردينال “بول كالاغر” مع ألإشارة أن لا علاقات ديبلوماسية تربط بين بلديهما ؛ ألديبلوماسية ألصينية أعلنت أن ألبحث تناول ألجهود ألتي تبذل لمكافحة وباء كورونا المستجد ، كما جرى بحث سبل تعزيز حياة ألكنيسة ألكاثوليكية في ألصين ..!
على صعيد آخر ؛ وفق معهد استوكهولم ألدولي للسلام SIPI فإن ألنفقات ألعسكرية و ألتسليحية عالميآ تصاعدت على نحو غير مسبوق في دينامية مدمرة Destructive Dynamic ، كما أن دَفع ألصين للإنضمام إلى آلية ألرقابة على ألتسلح Armament Control Mechanism أمرٌ مطلبي من أمين عام حلف شمال ألأطلسي في ظل تضاؤل ألإنفاق ألدفاعي للناتو و بتشجيع أميركي ، إذ أن بكين تمتلك ترسانة صاروخية ذات ألمَديين ألمتوسط و ألبعيد إضافَةً إلى تطويرها صواريخ نووية حديثة عابرة للقارات لكنها إستبقت و أعلنت عدم إهتمامها و رفضها دعوة ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب إلى صياغة إتفاقية ثلاثية تضم واشنطن-بكين-موسكو بهدف ألحَد من ألتسلح ..!
دائرة ألبحث ألمغلقة بين وزيرة ألدفاع ألألمانية ألفدرالية Annegret Kramp-Karrenbauer و نظيرها ألأميركي Mark Esper تناولت ألوضع في ألعراق و سوريا تاليآ مواصلة ألحرب على تنظيم ألدَولَة ألإسلامية ألإرهابي (داعِش) من قبل ألتحالف ألغربي الذي تقوده ألولايات ألمتحدة ..!
إقليميآ أيضآ حذر وزير الخارجية ألإيراني محمد جواد ظريف من أن تل أبيب تسعى للحرب و أن سلوكها و تصرفها ألعدائي بدعم من واشنطن ستجعل فرصة نشوب حرب مدمرة قريبة جدآ ، موضحآ أن “الخطرهائل و ربما يكون أكبر إذا واصلناالتغاضي عن الانتهاكات الخطيرة للقانونالدولي“.
خِتامَآ ؛ في فشل نَظَريَة ألإحتواء ألجزئي PartialContainment :
١- إنتفاضات ألشعوب و حراك ألمجتمعات ألمَدَنية لا يمكن إحتواءها دون إقرار إصلاحات سياسية و إقتصادية بنيوية هي ألسبيل الوحيد للإستقرار و ألعدالة ألإجتماعية ..
٢- ألقضية ألفلسطينية يتعذر إحتواءها عَبرَ عمليات ألتطبيع و فرض “صَفقة ألقرن” مما يستوجب إلتزام حَل ألدولتين وفق مبادرة بيروت ألعربية للسلام ..
٣- نجاح إستراتيجية مكافحة ألإرهاب لا تتوقف على تجفيف مصادر ألتمويل أو قنص قادة ألتَنظيمات
و تدمير معاقلهم بل تفرض أيضَآ إحتواء ألإيديولوجيا سواءً ألدينية أو ألعقائدية ألمحفزة ..
٤- ألحِصار ألإقتصادي و ألعُقوبات ألمالية غير قادرة على إحتواء طموحات إيران ألنووية و ألإقليمية ألأمر ألذي يستوجِبُ عَودَة ألولايات ألمتحدة إلى إتفاق 5+1 مع بنود تعديلية لاحِقآ و فتح حوار مع دول ألإقليم و ألخليج ألعربي ..
٥- قضايا ألكَوكَب كثيرة و أزماته لا تحل بألإحتواء ألجزئي و ألحلول ألآنية أو ألمرتجلة ألغير عادلة ..
غدآ سيصدر ألبيان ألختامي للمؤتمر و على ضوئه يمكن إستشراف ألمَرحلة ألمقبلة و ألسيناريوهات ألتي ستعتمد و لنا في ذلك بحث آخر ..!
—————–
بيروت في 15.02.2020
*عميد ، كاتِب و باحث.