*بقلم العميد منذر الايوبي
لم يكن ما تبقى من لبنانيات ولبنانيين في وطنهم بحاجة لكثير جهد، شحذ افكار او مراقبة تطورات وتبصير توقعات، فلا الجلسات النيابية انتجت رئيسا للبلاد ولا المبادرات الاقليمية والدولية شكلت محفزات.. هم يعيشون يومآ بيوم كد تأمين لقمة العيش واقساط المدارس كما الطبابة والدواء الخ..! من هَمٍ لِهَم ومن هاجس لهاجس يحيون؛ بالامس اقرت اعتمادات دفع الرواتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين قبل عيد الاضحى المبارك لتطوى صفحة من صفحات القلق، وغدا تفتح صفحة اخرى لقضية اخرى عبثية ملهاة وهكذا.. تكرار مواقف واجترار شعارات.. فيما اطمئنان وطمأنينة تسود تجار الهيكل المتداعي بعد تجاوزهم بارانويا (17 تشرين) غريزية فكرية “جنون الارتياب والاضطهاد” اذ لا حساب او محاسبة ولا من يحزنون، متابعة نمط حياة معتاد، بُعدٌ عن تحمل اية مسؤولية وطنية كأن البلد واهله بالف خير..!
لَمْ يَعِبْ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، مجموعة من ذكور وإناث يزرعون في الناس آمالا واهيات، فلا الموسم السياحي الصيفي كفيل بنفث دم جديد تطرية جفاف شرايين الواقع القاحل، ولا المغتربين القادمين لتفقد اهل وبيوت في حالة فرح وقدرة صرف باذخ معهود ..
واذا كان بعض فلاسفة بيع الامل يجهدون في اعلان احصاءات خادعات من نوع عدد الطائرات القادمات وبالتالي كَم الواصلين، كما حجم الحجوزات الفندقية ومرتادي المطاعم والمقاهي والبارات فإن المستفيدين قلة من اصحاب مؤسسات سياحية ميسورة ومشاريع بحرية او جبلية سبق وقضمت ازرقاق شطآن وموج كما اخضرار تلال بالاخضر المعلوم، فيما معظم الشرائح الاجتماعية تنام على الطوى، تسمع وترى على مضض فولكلور كرنفالات وضجيج مهرجانات مصطنعة لن تسمن ولا تغني من جوع، و”الماء تكذب الغطاس” -عبارة تقال عندما تجد برهانا لكذب مدعٍ انه صادق..!
في الحراك السياسي والديبلوماسي المحلي والاقليمي لم يعد من داع ولا ضرورة، طالما النتيجة تساوي صفرا في كل ما طرح من معادلات وما اقترح من حلول.. لعل ترك الامور في حالة الفوضى والاهمال اريح احتمال بعد اعتياد، اذ ان اليأس العميم كما الغضب المبين ينتج حلولا ب”ماء النار” من باب “داوني بالتي كانت هي الداء”..!
في السخريه قلب المعنى الى عكس القصد، بات التطرق الى الازمة اللبنانية ولو بالثوان في اي لقاء دولي اقليمي او اممي امرا عظيما مهما ضاقت الهوامش، مدعاة نقاش ووهم ارتياح.. كما ان الاعلان عن تقاربات اقليمية دافع تكهنات وتوقعات حد استسقاء المعجزات تعكس ضحالة فكر وفساد عقل، اشتقاقآ من شعر الفضل بن عبد الرحمن (اذا كان رب البيت بالطبل ضارب… … فشيمة اهل البيت كلهم الرقص) رقص على جثة وطن منهوب تشظى قطعا وزعت على ساحات دول من اصدقاء واعداء…
يعمم ان المبعوث الفرنسي قادم للاستماع والاستطلاع،، لا لطرح بروتوكولات حلول بيضاء بينات؛ ويروى ان لا اسم لديه لطرحه مرشحا لرئاسة الجمهورية العتيدة؛ كما يقال ان حركته نسخة معدلة للمبادرة الفرنسية بعد اقتناع الرئيس ماكرون وخلية لبنان في الخارجية الفرنسية وجوب الاخذ بعين الاهتمام وضع المسيحية المشرقية وهواجسها..
لكن الطبيعي المتوقع غير المعلن ان تتضمن اجتماعاته مع المسؤولين الثلاثة الاول رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الاعمال وغبطة الكاردينال الماروني نقاشآ في انعكاسات التفاهمات الاقليمية على الوضع اللبناني ومسالك استثمارها دون ابطاء للمصلحة الوطنية، اضافة الى حساب النسبة المئوية الايجابية للتقاطع “السيادي- الممانع” في استبدال المُرَشَحَين المُعلِنَين بشخصية مقبولة توافقية، مع تبادلية في الشروط والمكاسب والاثمان على “نية فرنسا”؛ ضمن خارطة طريق سبق ووضعت بحاجة لبعض رتوش وتسويق كاملة متكاملة ترسم بعض استقرار للسنوات الست القادمة وبعدها “يخلق الله ما لا تعلمون”….! بالمقابل فإن عشاء السفارة يبقى جلسة استماع للنواب المستقلين وملحقيهم من مترددين منتظرين على اي بر سترسو المعادلة للالتحاق بها..!
في صباحات الوطن ولياليه اسراف في ضياع؛ منذ بدء الحراك الفرنسي الديبلوماسي السياسي لاجتراح حلول للازمة الرئاسية اللبنانية فإن ما حصل على مدى ثمانية اشهر يمكن ارشفته دون مبالغة وبتجرد في مجلد من ثمانية آلاف صفحة، من محتواه سردية وقائع دزينة جلسات نيابية عاقرة النتائج، اضافة الى مضامين ما جرى من توافقات مرحلية بين احزاب وتيارات مع تحديث الرؤى إثر انقلاب كثير من مواقف وتغيير في خيارات، زائد ما نشر بما تيسر من نقاشات وتويترات وابحاث دستورية.. لكن كلفة الطباعة تحدو الى الانكفاء..!
ختامآ؛ في تحقيق المرتجى المعدوم لا غرابة او صدمة ان لعب الزمن لعبته بتواطؤ وقرار من طبقة كاذبة جهرآ عاجزة عهرآ مرتزقة ضمنآ.. اعجاز اوليغارشي في حرق مئة عام من عمر الكيان، دفع الى سنوات قادمات رأسمالها فقر حال موازنتها استطالة فراغ ومضمونها ضياع وطن حول زنزانة لجوء ونظارة نزوح…!
——————————————-
*كاتب وباحث في الشؤون الوطنية والدولية
طرابلس في 21.06.2023
