للرئيس نصل الفصل في استراتيجية الامن الوطني..!
بقلم العميد منذر الايوبي*
من الواضح ان بزوغ افق الاستقرار السياسي الامني والمالي الاقتصادي نتاج عهد جديد بحاجة لكثير جهد ومتابعة، إذ لا معجزات طالما لا تسليفات سياسية من واشنطن على الحساب والدَين ممنوع من الدول الخليجية والمانحة كما صندوق النقد الدولي وإن نزف فتاتآ لا يغنِ .. فيما خارطة الطريق المرسومة في ملفات الوسيطة الاميركية مورغان اورتاغوس تُختصر بعبارة «دعم الحكومة اللبنانية، بقيادة الرئيسين عون وسلام، في سعيهما لبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وتنفيذ إصلاحات لتعزيز مؤسساتها، وتلبية مطالب الشعب اللبناني»، وبالأصالة هذا ما اجمع عليه اللبنانيون ايضآ ويراهنون على العهد والحكومة إنجازه التزامآ بخطاب القسم او بما ورد في البيان الوزاري الذي على اساسه نالت الحكومة الثقة من المجلس النيابي.؛!
رغم ان ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط سبق ورسم دائرة المأزق اللبناني من خلال نطقه عبارة اساسية: “إدارتي غير راضية عن أداء المسؤولين اللبنانيين في التعامل مع حزب الله ، ونرفض هذه الطريقة من الإلتفاف وتدوير الزوايا التي لم تحقق المطلوب”..! وسواءً صَحَ الكلام ام لم يُقّل فسيان، طالما ان نائبته ادلت في بيروت نفس المضامين وإن بالقفازات الحريرية.. وإذ بدا ان مباحثاتها في زيارتها الثانية بيروت انعم وقعآ واخف وطأةً فغلافها الاساس تقدير لدور واجراءات الجيش اللبناني سواء في مطار بيروت ام على الحدود الشمالية الشرقية، فيما اجتماعها مع قائده رودولف هيكل لم يكن سلسآ الى حد ما، إذ كان إصرار صنو إثبات ان وحدات الجيش المنتشرة في قطاع جنوب الليطاني تنفذ مهامها وفق اتفاق وقف الاعمال العدائية وتطبيق آليات القرار 1701 بكامل مندرجاته، ليكون تجميد عمل لجنة المراقبة العسكرية الخماسية برئاسة الجنرال الاميركي جاسبر جيفيرز كما انحسار مهام قوات الطوارئ الدولية مؤشر كافٍ لقرار عدم لجم العدو ووقف اعتداءاته وبالتالي الإكتفاء بمتابعة العَّد لا اكثر.
الأمور ليست بخير ومخاض الخلاص طويل.. وهج الشاشّات الملونة بإبتسامة السيدة مورغان اورتاغوس لا يحجب استمرارية العدوان.. قلادة النجمة السداسية تحيط العنق الطري ملحق جمالي قد يُصنف مجسم مثالي لسياسة واشنطن مع لبنان وازمات الاقليم في آن؛ وللمنطق سؤال في مُتونه بساطة اجابة: أَٰ تقلُدِها ايقونة الصليب او رمز القرآن يخفف من ثقل مذابح العدو او يلطف تلموديات الإبادة..؟ ما هي إلا مفاجأة دون قناعة تكون ملفوفة بالكثير من الورق المُبهرج.. سياقآ؛ أضفت لقاءاتها الرؤساء الثلاثة وما تلمسته من وحدة موقف، إضافةً الى مروحة إجتماعاتها مع وزراء وشخصيات سياسية بعض رطوبة على ضجيج سبق وصولها عُنِوانه من افرقاء الداخل “ديبلوماسية القوة”، لتكون الوقائع خلاف ذلك مُعقلنةٍ غير عاصفة.. وعليه يبقى مقترح التفاوض مع اسرائيل عبر تشكيل اللجان الثلاث بالمهام المقسمة نوعيآ في عضويتها عسكريين ومدنيين دبلوماسيين امرآ مطروحآ مرفوضآ وطنيآ حاولت إسباغه شططآ بصمت رئيس لبنان واي لبنان..؟ وإذ تركت توقيت ما يتوجب على الدولة تحقيقه مفتوحآ تحت عبارة (بأسرع وقت ممكن) بدءآ بالامن وتطبيق الاصلاحات وقمع الفساد فلعلّة ان هذا الامر مرتبط بإدارتها والرئيس ترامب على وجه الخصوص.
بالتوازي الأمور على المقلب الآخر من الحدود في حال تخبط؛ رئيس حكومة العدو يواجه جملة مشكلات دستورية وملاحقات قضائية بتهم الفساد اضافة لِاحتجاجات شعبية اولاها حَثٌ على انهاء مفاوضات تحرير الرهائن مع حركة حماس الى اخرى تعترض على إقالة رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية (الشاباك) الجنرال رونين بار. ثم ان تجاهل الجيش الاسرائيلي الاتفاق المتعلق بآلية تطبيق القرار الدولي وبقائه خارج الإلزام او اللا مساومة الاميركية فضمان قبول أداء مُستَغل يرفع حدة التوتر العسكري كما النفسي السلبي المانع عودة الاهالي الى قراهم في ظل إنجاز المنطقة العازلة المحروقة والإمساك بالمرتفعات الخمس الاستراتيجية زعمآ باطلآ، سيما في ظل انعطافة تكنولوجية هائلة لاساليب القتال؛ لتصبح مرامي اسرائيل صنو إبتزاز متعلق بتنازلات حول استخراج الغاز بحرآ والقبول بترسيم الحدود البرية مع عملية مبادلة Swap لبعض النقاط الحدودية، ما يعني خروجآ عن اتفاقية الترسيم الموقعة عام 1923 وبالتالي اسقاط خط الهدنة الاساس..!
مما لا شك فيه ان الحكومة والعهد يواجهان سلسلة تحديات على حافة متغيرات اقليمية ساخنة تلقي بظلالها على الواقعين الامني والسياسي الداخلي فيما السعي لمواكبتها ودرء أخطارها حفظآ لحقوق وسيادة فأمر مرهون مرتبط بالمثلث الخارجي واشنطن، باريس، الرياض، واذا كانت العاصمتين الاخيرتين تكثفان سعيهما الايجابي فالاولى تطرح رؤية وشروط تمهد لتطبيع وإن لم يُطلب بالمباشر او لم يحن آوانه ما يضع البلد مستقبلآ دون كثير مبالغة على حافة الصراع الداخلي ان لم نقل فوضى تفسخ فواصل اللحام الوطني الهشة..
ثُم ان الوحدة الوطنية ستكون في مأزق النفاذ من عين العاصفة بعد ان إستحالت عبارة “حصرية السلاح بيد الدولة” الواردة في خطاب القسم سجالآ محتدمآ بين افرقاء الداخل حول تسليم سلاح حزب الله جنوب وشمال نهر الليطاني ايضآ قبل انسحاب او بعده، ليكون ما ادلى به رئيس البلاد عن استراتيجيتي الامن الوطني والدفاعي نصل الفصل لمن يفهم فيسلم؛ اما الدخول الى غرفة الانتظار الاقليمي للتفاهم الاميركي-الايراني فلا حاجة به طالما نذهب نحو نوع من الحياد الايجابي تلافي عقم الحراك الديبلوماسي اللبناني المتعلق بتحرير الارض وانسحاب الاحتلال خشية عُريٍ من نَجدةٍ تَحميه او وحدة تُغنيه ..!
بات رئيس حكومة الكيان متفلتآ من ضوابط إنسانية ومسار حكم عقلاني معتقدآ انه سيد الموقف اقليميآ وان الصيرورة الزمنية متوقفة على أعتابه، وما إستنكاف جيشه عن تطبيق القرار الأممي وآلياته بالتالي الانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق إلا في هذا المنحى، هذا ما يتعذر تبريره من الدول الضامنة الموقعة على الاتفاق كما مَس بمصداقيةٍ وجدية التزام. في رأس نتنياهو ان لاسرائيل قدرة فرض السلام عبر استسلام وتطبيع يطال لبنان وسوريا فور الانتهاء من وقف البرنامج النووي الايراني وتدمير منشآته ومنظومات الصواريخ الباليستية وبالتالي اسقاط هيبة طهران او انهيار النظام، هذا ما حاول ففشل في اقناع سيد البيت الابيض به بعد ان سبق ومنحه الاخير حرية التصرف العسكري في قطاع غزة ولبنان..!!
من جهة اخرى؛ اذا ثبت تحفظ طهران عن الاسناد الحربي لحلفائها فان ذلك يؤشر الى تراجع في دورها الإقليمي فإعلانها الإكتفاء بمنح الدعم العسكري تاركةً لهم حرية قرار المواجهة رفعآ لمسؤولية وتملصآ من تبعات يدخل في صلب استراتيجية الحفاظ على الجمهورية الاسلامية ونظامها الاوتوقراطي مع التزام مبدأ “التراجع التكتيكي” المُفتى به سابقآ من المرشد الاعلى، كما تصب في خانة تبريد اجواء الحرب في مرحلة حساسة مؤداها رهان على إستيعاب تهديد وتلبية طلب الرئيس الاميركي إحياء محادثات وقف برنامجها النووي سواء مباشرة ام بشكل غير مباشر، علمآ ان ترامب كلف ويتكوف إدارة المفاوضات مع طهران بعد تحييد مارك روبيو وزير الخارجية المصنف خاضعآ لإسرائيل..! بالتالي لا حرب تشنها الولايات المتحدة على ايران هذا ما اغاظ نتنياهو وحجم دوره ولجم رغباته لجملة اسباب لا مجال في عجالة ذكرها اساسها استراتيجية الرئيس الاميركي فرملة الحروب واعتماد التجارية منها كما رغبته تزعم تيار السلام على الكوكب او السعي اليه وفق منظوره الخاص ..!
طرابلس في 09.04.2025
*عميد متقاعد، كاتب وباحث