لبنان وحالة الطواريء الوطنية الاميركية
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*
في عودة زمنية الى العقد السابق وبعد مضي عدة شهور على “حرب لبنان الثانية” كما يصفها اركان جيش العدو تموز 2006؛ صدر عن الادارة الاميركية بتاريخ الاول من آب 2007 الامر التنفيذي رقم 13441 موقعآ من الرئيس الاميركي في حينه جورج دبليو بوش، القاضي ب “وضع لبنان ضمن حالة الطواريء الوطنية بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية” مستندآ في ذلك الى مرجعية القانون الدولي للقوى الاقتصادية في حالات الطوارئ (50 USC 1701 – 1706).. في الاهداف؛ التعامل مع التهديد غير العادي والاستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ اما في الاسباب والحوافز فمرتبطة وفق نص القرار ب «نشاط وارتكابات لأشخاص محددين عاملين على تقويض حكومة لبنان الشرعية المنتخبة ديمقراطياً، بما يؤدي الى الانهيار المتعمّد لحكم القانون بدوافع سياسية من خلال العنف والترهيب، ولتأكيد السيطرة السورية أو المساهمة في التدخل السوري في لبنان، أو التعدي على سيادته والعمل على تقويضها. مما يؤدي الى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في ذلك البلد، وفي المنطقة».
تاليآ، توالى تجديد الامر التنفيذي المنوه عنه اعلاه عامآ بعد عام على تناوب الادارات والرؤساء.. ووفق هذه الاستمرارية و ألآلية أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قرر تمديد حالة الطوارئ الوطنية تجاه لبنان، بسبب “استمرار الأنشطة المهددة للأمن القومي الأمريكي”. وفي بيان الحاقي صادر عن الادارة تأكيد على ان تجديد القرار متعلق باستمرارية النشاط المعادي؛ إذ ورد “أن بعض الأنشطة مثل عمليات نقل الأسلحة المستمرة من إيران إلى حزب الله، والتي تشمل أنظمة متطورة، تعمل على تقويض السيادة اللبنانية، وتساهم في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وتستمر في تشكيل تهديد غير عادي للأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
استطرادآ؛ من الواضح ان الامر التنفيذي المذكور الصادر في عهد الرئيس الجمهوري بوش والذي بقي قيد التطبيق في ظل الادارة الديمقراطية لاحقآ، يؤكد من حيث المبدأ ان القرار الاستراتيجي سواء كان ذو صفة ادارية ام عسكرية لا يتعلق بشخص الرئيس وسياسة حزبه بل المصالح العليا للدولة العميقة. من هذا المنطلق فإن تجديد العمل بالقرار سنة اضافية لا يعني بالنسبة للبنان سلوكآ جديدآ او نهجآ مغايرآ على صعيد السياسة الاميركية، بل يصب في نفس خانة التحذير لمواجهة نشاطات حزب الله بالحجم والمعيار المعتمد سابقآ…
من جهة اخرى؛ وبالمراجعة الزمنية منذ صدور القرار، ورغم ان الحزب من خلال وزرائه مشارك في الحكومة اللبنانية، دون اعتراض اميركي معلن حتى الآن؛ فلا موجبات مفروضة عليها كما لا تبعات تتحملها او مفاعيل تتلقاها. بالمقابل تعتبر واشنطن أن حزب الله مستولٍ على القرار السياسي والسيادي اللبناني فارضآ اجندته المحلية، لذا فان التدبير مرتبط بالحد من دوره المؤثر في الداخل بالتوازي مع تحجيم حركته في سوريا، ما يسمح وإن نسبيآ بكبح جماح التمدد الايراني في الاقليم..
في نفس السياق؛ إثر انهيار الوطن الصغير او مشارفته “الارتطام” -كلمة دخلت قاموس المعاني والمعاناة مؤخرآ- فإن الارتطام Collision يعني في مؤداه التحطم وفي منتجه الحطام Débris وبالتالي التشظي Fragmentation والدمار الكامل، مما يعني صعوبة او استحالة لملمة الشظايا او الاشلاء لاحقآ وبالتالي ترميم بنيان البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيآ. لتصبح “النفضة” ضرورية شاملة لا مناص منها خاصة بعد انفضاض المجتمع الدولي يأسآ لتعذر الاحياء او ازدراءً لاخفاق الحكام ..!
واذا كانت الاستراتيجية الاميركية في ادارة الاقليم غير مرتبطة بالعامل اللبناني، الا ان لبنان وإن بقي جزيئآ متلقيآ لا لاعبآ مشاركآ؛ فإن حزب الله بحجمه وحركته وقدراته العسكرية فرض نفسه عاملآ مؤثرآ في استراتيجيتها وسياستها مسقطآ نهج الحصار بحقه، لا بل ان هذا الحصار اصاب الشعب اللبناني بالاضرار الفادحة على كل المستويات. كما ان ارتدادات “قانون قيصر”Caesar Law المفروض على سوريا ساهم في تفاقم عمليات التهريب فاصبح لبنان الذي يعاني سكرات الموت الرئة الوحيدة التي تتنفس منها..! علمآ ان المختصر في “قانون قيصر” يفرض العقوبات على كل من يقدم دعما ماليا وتقنيا وماديا للحكومة السورية أو شخصية سياسية عليا في الحكومة، كذلك كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية. اما إعادة الإعمار فينص على ردع المستثمرين الأجانب عن إبرام العقود المتعلقة بإعادة الإعمار..!
في الحصيلة؛ تخطيء الادارة الاميركية في نهج العزل والحصار الذي تعتمده بالتوازي مع الدعم العسكري والمادي الذي تقدمه للجيش اللبناني؛ اذ لا فائض في القيمة Surplace Value المكتسبة لاي جهة، وبالتالي تبقى”المعادلة الصفرية” Zéro Equation هي السائدة ..! كما ان استمرار الفراغ الحكومي والعجز عن اجراء الاصلاحات الضرورية سيجعل الفوضى سمة المرحلة المقبلة و « ايلول طرفه بالشتي مبلول»؛ ان سقوط الدولة سيجعل برأي منظري العدو الاسرائيلي الهيمنة والسيطرة النهائية على البلد بيد حزب الله وايران، مما يعني الحاجة والاستعداد لحرب لبنان الثالثة؛ وهنا تصبح “المعادلة سلبية” اي ان الكلفة باهظة مهما تكن النتائج سواءً كرست هزيمة للعدو ام صمودآ او انتصارآ محدودآ للمقاومة ..!
في الملف الحكومي اللبناني؛ اذا كانت السياسة الاميركية بعد تجديد العمل بالامر التنفيذي “موضوع المقال” تثبت ان سياسة واشنطن الخارجية غير مرتبطة بالاشخاص، فإن اعتذار الرئيس سعد الحريري عن التكليف لتشكيل الحكومة يؤكد العكس، اذ ان القرارات لدينا في غالبيتها وعلانيتها كما خلفيتها مرتبطة بهوية الشخص وشخصانية المصالح على ضآلة الوطنية العليا منها ..!
الاثنين القادم 26 الجاري موعد الاستشارات النيابية الملزمة، يلي ذلك التكليف، وايآ تكن هوية المُكَلَف فالاسراع في التأليف يسقط هوامش الاعتذار والخيبة الحالية..! كما ان التماهي في النظرة المستقبلية بين الشريكين المعنيين “رئيس الجمهورية والرئيس المكلف” سواء لجهة الاصلاحات ومكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة ام في قضية رفع الحصانات واستكمال التحقيقات في جريمة العصر “انفجار الامونيوم”، قد ينضج ظروفآ وينضح ايجابياتً لاداء حكومي انقاذي شبيه حالة طواريء محلية؛ مع الاشارة ان التلكوء وتضييع الوقت نتاجه صوت صارخ لطقطقة عظام الهيكل ما بعد الارتطام…!
بيروت في 23.07.2021