لبنان الموحد …
بقلم : العميد منذر ألأيوبي *
لطالما اعتاد اللبنانيون على مر تاريخهم ان ارضهم و وطنهم محط اطماع الجميع من الاقربين قبل الابعدين ، وطن يركع على اقدامه البحر الابيض المتوسط طوعت امواجه مِن قاطني شواطئه و سكان مدنه لتمخر سفنهم عبابه ناقلة منذ بدايات العصور حروف الابجدية الى العالم . وطن جباله موئل قديسين و رهبان ملاذ المضطهدين مرتع نسور عصت على كل غازٍ و محتل ..
رغم حروب تتالت و احتلالات توالت بقيت صخرة صغيرة منقوشة على صخور نهر الكلب كافية شاهد على جلاء كل محتل او مستعمر او من حَاوَلَ .. “لبنان اكثر من وطن انه رسالة حرية و نموذج في التعددية للشرق و الغرب” عبارة مقدسة صادرة عن اكبر مرجع مسيحي على وجه المعمورة الحبر الاعظم البابا يوحنا بولس الثاني لا يستطيع احد نقضها او المساس بها انها عنوان دستور للانسانية جمعاء ..
لبنان جمهورية ديمقراطية مستقلة نقيض العنصرية او العرقية اذ يجمع في بوتقته و تحت سمائه كل الاعراق و الديانات و المذاهب خلافآ لكيان اسس و انشأ على ايدي من صلبوا سيد البشرية المسيح الفادي على اعتقاد انهم كوفئوا به عدو جاثم على حدوده الجنوبية متربصآ و طامعآ .. هو ايضآ نقيض دول ذات انظمة مسخ ديكتاتورية او توتاليتارية او ممالك تحكمها عائلات بالتوارث على حدوده الشمالية و الشرقية شقيق لدود لطالما رغب بضمه او اتباعه له .. هو ايضآ صلة وصل بين الشرق و الغرب قبلة حضارية و ثقافية و دينية منارة اشعاع للعرب و الاعاجم مجال رحب فسيح للحرية و القيم و التفاعل الانساني .. هذا غيض من فيض ما يوصف به الوطن العظيم ارضه بورك ترابها باقدام يسوع الناصري في قانا الجليل جنوبآ مهد اولى المعجزات كما لَوَن حضارته اسلام سمح بايمان الرحمة و التواصل انزل في قرآنه “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قالوا إِنَّا نصارى ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ”[المائدة: 82]..
كل هذه المقدمة و التوصيف ليس لاقناع راي عام محلي او دولي بسمو الرسالة و عظمة لبنان اذ ان اهله و شبابه تكفلوا هُم الذين اغتربوا فملأوا اصقاع الدنيا بكفاءاتهم و جدهم و تأقلمهم بامتياز مع باقي الشعوب و الحضارات شهادة على ما كتب بهذا الوطن و قيل و هو يفوق كل ما كتب في اوطان أُخر ؛ لكن الهدف من المقالة ما ورد في موقع مجلة STARS illustrated magazine New York لرئيسة تحريرها السيدة Marjorie Lerner و هي العاشقة لبنان اذ عاشت فيه فترة الستينات و السبعينات من القرن الماضي فكانت شاهدة على رقي شعبه و تنوعه المميز : « تداولت بعض الاروقة السياسية في العاصمة الاميركية واشنطن “سيناريو جديد لتقسيم لبنان جيو سياسيآ الى ثلاث دول
او ولايات منفصلة بما يقارب النظام الفدرالي السويسري لكل منها نظامها السياسي الخاص و اداراتها و معتقداتها الاجتماعية و الدينية و قواتها المسلحة” .. كما تضمن المقال خارطة تظهر التقسيمات الجغرافية و تبعية كل منها لاحدى الدول الاقليمية الثلاث التي تحاول فرض هيمنتها و تعزيز نفوذها في لبنان و هي تركيا شمالآ ايران جنوبآ و سوريا شرقآ على ان يبقى جبل لبنان دولة مسيحية تحت النفوذ الغربي » ..
في مختصر الرد عَلى المقال الذي اتمنى نشره وفق مبدأ “حرية الرأي” فان عبارة واحدة اكثر مِن كافية اذ و بصرف النظر عن نهجه السياسي و تحالفاته و خياراته و عما اذا كنت مِن مؤيديه او معارضيه فإن ما يُجمِع عليه اللبنانيين عَلى مر تاريخهم ممارسة عن قناعة عبارة قالها رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي العماد ميشال عون : “لُبنان لَيسَ ارضآ مستباحة و سيبقى اكبر مِن ان يبلع و اصغر مِن ان يقسم”..
بِالمقابل ؛ اذا كان لُبنان قد وصل الى حافة الانهيار الاقتصادي و التمزق الاجتماعي و التناحر السياسي و الولاءات للخارج الاقليمي او الدولي فان كل ذلك نتيجة حتمية لاداء سلطة سياسية تناوبت عَلى حكم الوطن سواء مِن قبل فريق او اخر لا فرق ، تجاهلت بنود الدستور و القانون و قيم الجمهورية و غرقت في فساد سياسي و مالي و اداري ، كما تحالفت بثبات مع أوليغارشية متسلطة ساهمت في تعزيز نهج المحسوبية و الاستزلام عَلى قاعدة تعذر المحاسبة لتجذر مصلحي في الانتماء الطائفي للمرتكبين ..
في سياق مُتَصل ؛ مِما لا شك فيه ان لُبنان حاليآ هو عَلى قوس الزلازل الاقليمي المتشعب انقرة- بغداد- دمشق- تل ابيب- الرياض- طهران و هو ايضآ في عين العاصفة لاي صراع عسكري محتمل قد يندلع في اي لحظة في شمولية نتائجه الجيوسياسية تحقيق لاهداف شتى ليس اقله تخليص المنطقة مِن شرنقة حال المراوحة و اللا استقرار التي اتعبت الجميع ثُم لجم التهديدات المتبادلة المترافقة مع رفع درجة استنفار و جهوزية القوى العسكرية ؛ فالكل متربص بالكل و كل فريق سينال مكاسبه و حصته عند توقف اصوات المدافع لكن الكل ايضآ سيدفع الثمن و سيكون باهظا و مدمرا للجميع .. مِما يعني تاليآ ان لُبنان سيدفع ثمنآ كبيرآ أقله عَلى مثال الخراب الذي نتج عن تفجير الامونيوم في مرفأ بيروت (لا سمح الله) لكن الضمانة و الرعاية الفرنسية قد تخفف مِن وقع النتائج عَلى الاقل و قد تساهم في توطيد حلول عَلى البارد ..
في ختام عَلى تعميم مطلق ؛ لَطالَما نطقت الاروقة بِما يحكى او يشاع فهي كواليس الحواشي و ان نضحت ببعض الصحة أحيانآ ، لكن الحقيقة المتوجب معرفتها في مكان آخر اذ ان ما يرسم مِن خرائط عَلى الطاولات تمحيه وقائع التاريخ و الجغرافيا و الديموغرافيا و ارادة الشعوب اذ انه مِن المستحيل تقسيم حضارة متجذرة او تمزيق رسالة معتنقة كما من المحال ان نقطع اجزاء مخلوق و يَبقى حيآ ..! لمن لا يعلم لُبنان هو طائر الفينيق لَم يشفق عَلى نفسه يومآ عند سقوطه فقد اعتاد القيامة مِن بين الدمار و الخراب .. في القيامة رفعة الانتصار ، سر الفداء و ظلال مجد الارز ..!
——————
بيروت في 03.01.2020