قمة جنيف بايدن- بوتين برعاية البركة الرسولية..!
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*
بين لقاء قمة قادة الدول الصناعية السبع G7 “اميركا، كندا، فرنسا، بريطانيا، المانيا، ايطاليا، اليابان” المنعقدة حضوريآ منذ يوم الجمعة الماضي على مدى ثلاثة ايام تنتهي اليوم الاحد “امس” في انكلترا مدينة Cornwal،
و إلتئام قمة دول حلف شمال الاطلسي NATO يوم غد “اليوم”الاثنين 14 الجاري في العاصمة الاوروبية- البلجيكية Brussels، تتحضر العاصمة السويسرية Geneve لإستضافة اللقاء الاهم بعد غد الاربعاء
16 الجاري بين الرئيس الاميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
من حيث الشكل ام المضمون على السواء، ربما كان من الاجدى مبدئيآ لدقة اللقاء وهو الاول بين القطبين بايدن- بوتين وانعكاسات نتائجه والنمط التشاركي في مقرراته ان يسبق موعدي القمتين المذكورتين G7 و NATO.. إستطرادآ إذا كانت وسائل الاعلام والمصادر الديبلوماسية تعتبر اللقاء الثنائي يأتي على هامش القمتين، فإن الواقعية السياسية تقول عكس ذلك تمامآ..! اذ ان “الهامش” Marge في لغة الضاد على سبيل الاضاءة يأخذ معانٍ عدة في مشتركاتها انه التابع وليس المتبوع، من مثال: على هامش الخبر او الحدث، الشخص المهمش، المسافة الفراغية، هوامش الكتب والنصوص او ما يعرف بالحواشي، الهوامش في الاسعار والفوائد او الموازنات الخ..
من جهة اخرى، وبموازاة هذا السعي السياسي والديبلوماسي لبناء علاقة ثقة بين الرئيسين، ووضع قواسم مشتركة يمكن الانطلاق منها لخفض منسوب التوتر والتراشق الكلامي في المرحلة الاولى على الاقل، كانت اوراق الميدان تلقي بثقلها على طاولة اللقاء بدءآ من مناورات اسطول البحر الاسود الروسي خلال الشهر الماضي، وعودة البنتاغون عن قراره ارسال سفينتين حربيتين الى تلك المنطقة، نشر موسكو قوات عسكرية ضخمة قرب الحدود مع اوكرانيا ردا على تحركات استفزازية حول منطقة النزاع جنوب شرقي أوكرانيا، حشد حلف الناتو ما يقارب 40 ألف جندي و15 ألف قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية، بما فيها الطيران الاستراتيجي، بالقرب من الحدود مع روسيا..
واخيرآ اطلاق موسكو الاسبوع الماضي المناورات البحرية الغير مسبوقة وسط المحيط الهاديء، التي اخذت ابعادا متعددة من حيث المكان والزمان وحجم ونوعية القوى المشاركة، وذلك تحت قيادة قائد اسطول المحيط الهادئ الاميرال Sergei Avakyants، في بقعة انتشار واسعة محددة وفقآ لخطة المناورات، تشارك فيها مجموعات بحرية تكتية اضافة الى اكثر من عشرين قطعة حربية من السفن السطحية حاملات الصواريخ الموجهة والغواصات وسفن الامداد اللوجستي، على بعد 4000 km من قواعدها وبمشاركة ثلاثة اسراب من طائرات MIG 31-BM وسرب من صائدات الغواصات نوع Tupolev TU 142. ووفق ما اعلنت وزارة الدفاع الروسية فإن “مجريات العمليات ستركز على مهام التحكم لمجموعة غير متجانسة من القوات على مسافة كبيرة من قواعدها، مع حماية الاتصالات البحرية (المحيطية) وخطوط الملاحة والدفاع عنها، اضافة الى رفع مستوى التفاعل بين التجمع العملياتي للسفن والطيران في البحث عن الغواصات وتجمعات السفن المعادية وتدميرها”.!
بالعودة الى قمة الدول الصناعية السبع التي تنتهي مساء اليوم (امس)، وبصرف النظر عن المتوقع في اقرار معظم بنود جدول اعمالها وفي مقدمتها تمويل جهود مكافحة جائحة كورونا، عبر تأمين ما يقارب المليار جرعة من اللقاحات للدول الفقيرة.كذلك محاولة انعاش الاقتصاد العالمي، وقضايا المناخ والاحتباس الحراري، فان البند الاساسي يتعلق بمواجهة الولايات المتحدة لسياسة الصين التجارية ولجم محاولتها السيطرة على الاقتصاد العالمي وتوسع اسواقها، وذلك بالتنسيق مع الاتحاد الاوروبي، اذ ان العلاقات الاقتصادية والضرائبية بين اوروبا والصين اخذت حيزا من البحث والنقاش..!
في سياق متصل؛ اعلن الرئيس بايدن فور هبوط طائرته في قاعدة Mildnhall للقوات الجوية الملكية البريطانية “ان العالم تغير تماما وان الولايات المتحدة عادت والديمقراطيات تتكاتف للتصدي لاصعب التحديات”.
ما يؤكد اعتماده سياسة التحالفات الاستراتيجية Strategic Alliances خلافا لسلفه الرئيس ترامب، وذلك على محورين الاول مواجهة الحرب التجارية الاميركية- الصينية عبر التحالف الاقتصادي والتجاري مع اوروبا، بالتوازي مع التحالف العسكري عبر اعادة الحياة الى حلف شمال الاطلسي، الحلف الذي سبق وتجاهله الرئيس ترامب موجها انتقادات قاسية لدوله الاعضاء لا سيما المانيا، على خلفية عدم الانصاف او ضعف مستوى المشاركة المالية بما يتناسب مع قدرات كل منها. وهذا ما سيترجم يوم غد (اليوم) في القمة المنعقدة في مقر الحلف في بروكسيل.كما يصب في نفس السياق اللقاء الذي عقد مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والذي سيتم غدا مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان..!
تاليآ؛ بالتزامن مع قمة الناتو، وازاء اعتبار الولايات المتحدة الصين التحدي الاستراتيجي الاول ومواجهتها اولوية امنية ووطنية قصوى، اقرت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) توجيهات موسعة للرد على ما وصف “السلوك العدواني والقسري للصين المزعزع للاستقرار في المنطقة لا سيما في بحر الصين الجنوبي والتهديدات لدولة تايوان”. مما يعني ان مقررات وتوصيات قمة دول “الناتو” غدآ ستتضمن خطوات عملية او اجرائية تتواءم مع التحديات المطروحة.!
كما ان العلاقات بين موسكو و واشنطن والاتحاد الاوروبي ليست بافضل حال، اذ استبق امين عام الحلف الاطلسي Jens Stoltenberg الاجتماع الثنائي بالقول ستبحث القمة “أنشطة روسيا العدائية والتهديدات الناجمة عن خططها لمواجهة الناتو”.
اذن التقارب الصيني- الروسي اصبح مُحَفزآ بما يكفي لولوج مرحلة التحالف الاستراتيجي الشامل عسكريا واقتصاديا، في استجابة حازمة وواضحة لنهج “المسار المزدوج-الدفاع والحوار” Double Track الذي يعتمده الغرب والحلف الاميركي- الاوروبي، وبالتالي صد تهديدات حلف ال NATO. كما ان وتيرة الزيارات واللقاءات بين مسؤولي البلدين يعكس عمق العلاقة وثبات الاهداف في الحد من التفرد الاميركي لحكم الكوكب..!
ختامآ؛ الاجتماع الثنائي في جنيف سيكون محطة مفصلية في مرحلة حرجة على صعيد العلاقات بين واشنطن وموسكو. اذ انها ستتناول الاستقرار الاستراتيجي و”السبات النووي” Nuclear Hibernate على الصعيد العالمي، كذلك الملفات الثنائية: “الحرب فى أوكرانيا، انتهاكات حقوق الإنسان، اختراق الشبكات الالكترونية للبنية التحتية والاقتصادية الاميركية- الحرب السيبرانية، العقوبات الاميركية.. الخ”. كما ستناقش المستجدات والحلول او الهدنات على محاور النزاع الدولية والاقليمية المعقدة والمتشابكة.
اما البيان الختامي المُحضر مسبقآ فعلى اعتياد سيأخذ ويعكس الوجه الايجابي حتمآ. لكن قِراءَة حركات الجسد والايماءات ستكون اعمق من القراءة بين السطور، كما ان المدة الزمنية للقاء من مؤشرات حجم التفاهم، ومن مبدأ “للجدران آذان” فالكواليس من الاهمية بمكان..!
أخيرآ، القصر التاريخي Villa La Grange العائد للقرن الثامن عشر 1864، سبق واقام فيه بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثانى عام 1969 وأحيا فى حديقته قداسًا حضره نحو 70 ألف شخص؛ على امل ان تكون البركة الرسولية اعم في مداها “النعمة، المحبة والسلام” لا زالت تعطر ارجاءه كافية لإنجاح القمة وابعاد اشباح الشياطين عنها..!
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية.
بيروت في 14.06.2021