هكذا كُشفَت جريمة قاصر قتل مثلياً في الطريق الجديدة
خاص – “الدنيا نيوز”
(قصص من أرشيف الشرطة القضائية)
يكتبها: العميد أنور يحيى*
صباح الاثنين بتاريخ 3/8/1970 ، صرخت هند،45 سنة، عندما شاهدت شقيقها سمير،53 سنة، مطروحًا على الأرض ضمن الشقة السكنية حيث تعيش معه فيها، محلة الطريق الجديدة، المكتظة السكان في بيروت، والدماء الغزيرة تسيل من جسده الذي تعرض لعدة طعنات ولا أثر للحياة فيه. أسرع الجيران وطلبوا سيارة الإسعاف ودورية الفرقة 16 للتدخل والبحث عن الجاني.
لم يكن من مجال لإنقاذ سمير، طالما أنه فارق الحياة منذ وقت ليس بطويل ومظاهر الموت بادية عليه.
ظلت الجثة مكانها وحضر مفوض شرطة الطريق الجديدة إضافة إلى دوريات الفرقة 16، ولم يلبث قاضي تحقيق بيروت حسن القواص أن حضر واستدعى دورية من المفرزة الجنائية في بيروت برئاسة الملازم الأول عبد الكريم ابراهيم (مدير عام قوى الأمن الداخلي1999-2000) ، الذي يعمل كان تحت إشراف المفوض العام القدير طانيوس الطويل، اّمر مفرزة بيروت الجنائية. كما حضر طبيبان شرعيان تبعًا لتكليف القاضي، ودورية من الأدلة الجنائية لرفع البصمات والتفتيش عن بقايا الجاني في مسرح الجريمة التي هزت المنطقة، نظرا لسمعة المغدور الأخلاقية الممتازة، وهو الموظف النشيط في وزارة المالية، والتي يقصدها كل صباح ويعود بعد الظهر!
لا شبهات على أحد، ولا عداوة له مع أحد، وفقًا لتحريات المفرزة الجنائية وأخته والجيران!.
استنب قاضي التحقيق، الملازم الأول ابراهيم للقيام بالتحريات والتحقيقات لكشف خفايا مقتل سمير وتوقيف الجناة. فباشر مهمته على رأس دورية من التحري قوامها :الرقيب عبد الكريم الشيخ، والعريف عجاج ياغي وهما من أصحاب الخبرة بالمنطقة، وتبين لهم ما يأتي:
1- الجثة مصابة بخمس طعنات من سكين استهدف القلب والصدر, ولا أثر لمقاومة من قبل الضحية بوجه الجاني!.
2- يعمل المغدور، العازب، منذ سنوات في وزارة المالية، ويتردد الى مكتبه، والى منزله أحيانًا، قاصران:محمد (16 سنة) وأخوه كمال (14 سنة). يتعاطيان بيع أوراق اليانصيب اللبناني وقد اعتاد المغدور شراء أوراق اليانصيب الوطني منهما لكل سحب أسبوعي!
تركت عملية قتل الشاب سمير بالسكين في شقته، الذعر والخوف لدى سكان المحلة الذين تداعوا واعتصموا أمام البناية مطالبين الدولة الإسراع في كشف الجريمة وتوقيف الجناة. حضر المحافظ ووعدهم بكشف الجناية بسرعة عبر التحري!.
3- تبين أن للمغدور مشاكل صحية في قلبه والشرايين، ويعتقد أنه يتعاطى اللواط من حين إلى آخر وفقًا لتحريات دقيقة وسرية تأكدت للملازم الأول ابراهيم!
4 – بالتحقيق مع القاصرين، محمد وكمال، أنكرا تعاطيهما اللواط مطلقًا، وأكدا أنهما يعتاشان من بيع أوراق اليانصيب الوطني اللبناني فقط، ويقيمان في الشياح مع ذويهما، لكن الشكوك ساورت الضابط والدورية بتعاطيهما اللواط وفقًا لمعلومات قدمها أحد المخبرين في المحلة، واستمرا بإنكارهما ذلك ولو تحت التحقيق الذي رافقه بعض العنف في المفرزة!
5- كلف الضابط الطبيب الشرعي الكشف الدقيق على القاصرين، فتبين أن محمد قد تعرض لعملية لواط منذ مدة تقل عن 24 ساعة وهناك أثر لخدش حديث في بطنه، برّر محمد ذلك بسقوطه عن جذع شجرة منذ يومين!.أمّا كمال فاستمر في إنكاره تعاطي اللواط بتاتًا.
6- أُخضع محمد للتحقيق مجددًا، وبمواجهته بتقرير الطبيب الشرعي ، انهار ووعد بإطلاع المحققين على الحقيقة كلّها.
7- قامت الدورية بإحضار ستة شبان اعتادوا ممارسة اللواط مع محمد وكمال لقاء ثلاث ليرات لبنانية مقابل كل جولة! ونظمت بحقهم المحاضر العدلية، وأودعوا النيابة العامة في بيروت.
روى محمد للضابط والدورية أنه تعرف إلى الموظف في وزارة المالية، سمير ، منذ ثلاثة أشهر في مكتبه ، ، وكان مع أخيه كمال يبيعانه أسبوعيًّا أكثر من ورقة يانصيب ، حيث اعتاد شراء اليانصيب بصورة منتظمة . سأل سمير محمد ممارسة اللواط في شقة يسكنها ، ،في محلة الطريق الجديدة ، حيث زاره هناك عدة مرات، وكان يتقاضى خمس ليرات لبنانية بنهاية كل عملية لواط!.
يبدو أن سمير عرض على القاصر كمال (14 سنة) ممارسة اللواط أيضًا في شقته مقابل خمس ليرات لكل مرة، وافق كمال، وأخذ سمير يتعاطى معه مرتين أسبوعيًّا فيما علّق تعاطيه مع محمد، نظرًا لاكتشاف الانشراح والنشوة مع أخيه الذي يصغره بسنتين، وربما يمتاز بتقديم خدمات أفضل من أخيه!
عرض محمد على سمير أن يتقاضى منه ثلاث ليرات فقط، أقل بليرتين مما يدفعه لأخيه كمال، مقابل كل عملية لواط وبخدمات أفضل، لكن سمير تابع ملذاته مع كمالـ الشقيق الأصغر، ممّا دفع محمد لإعداد خطة للانتقام منه لأنه فضّل أخاه عليه؟
زاره في مكتبه ، وعرض عليه ممارسة اللواط مجددا والخضوع إلى تجربة جديدة، مجانية، ليتاكد سمير من قدرات محمد الجديدة، وبعد ذلك يقرر سمير مع من يتعاطى ووفقًا لأي تسعيرة!
وافق سمير وطلب إلى محمد الحضور إلى شقته ، الطابق الأول، الساعة السادسة صباح الاثنين بتاريخ 3/8/1970 ، وقد حضر محمد إلى الشقة بعد أن فتح له الباب، فيما شقيقة المغدور نائمة في غرفة أخرى. دخلا غرفة النوم، وخلال 15 دقيقة، أنجز سمير مهمته، ولاحظ تبدّلًا إيجابيًّا لدى محمد، ووعده بإكمال التعاطي معه لاحقًا مقابل خمس ليرات لبنانية عن كل جلسة.
في الوقت الذي دخل سمير فيه الحمام للاغتسال، تسلّل محمد إلى المطبخ، واختار سكينًا حادًّا خبأه وراء ظهره، وانتظر في الممر قرب المغسلة، وما إن خرج سمير من الحمام وحاول التقاط خمس ليرات من جيب بنطلونه ليدفعها لمحمد، حتى عاجله هذا الأخير بطعنتين بكل قواه في صدره، وهو الذي يعاني من مشاكل في القلب، فسقط أرضًا دون صراخ أو استغاثة، ربما لإخفاء ما حصل عن شقيقته النائمة. وبعد أن تناثر الدم من الضحية، فتش محمد في جيوبها وأخذ بعض الأموال. وحين سمع حركة على الدرج ، خاف وقفز من شرفة الشقة، ورمى السكين في مستوعب نفايات قريب. لاحظ وجود بقع دم على قميصه الأبيض، نزعه عنه ورماه في مستوعب نفايات آخرللتمويه ، وتوجه إلى منزله في الشياح، تناول الترويقة، وخرج ليبيع اليانصيب وكأن شيئا لم يحصل. أمّا الخدش في بطنه، فاعترف أنه من ظفر سمير عندما كان في بلقاء محمد!
تم الاستماع إلى إفادة أخيه كمال، فأعترف أنه مارس اللواط عدة مرات مع سمير في شقته، وأن المغدور كان يميل إلى التعاطي معه أكثر من أخيه، بعدما جّرب كلًّا منهما.
أن قبول القاصرين تعاطي اللواط كان بهدف كسب معيشتهما!
أفاد الضابط المفوض العام طانيوس الطويل، رئيس المفرزة الجنائية في بيروت، وأعلم قاضي التحقيق، مُصدر الاستنابة، الذي حضر على الفور برفقة النقيب شفيق أبي شقرا، قائد السرية الاقليمية في شرطة بيروت، واستمعوا إلى أقوال محمد المترابطة واعترافه، حيث رافق القاضي والنقيب والمفوض العام والملازم الأول، بمواكبة دوريات المفرزة لحماية الجاني من انتقام الناس، الى الشقة. وشرح بهدوء تسلسل مراحل الجريمة. وتحقق قاضي التحقيق من صحة اعترافه الطوعي وبيان دوافع القتل فأوقفه وأودعه النيابة العامة!
ترك كشف خفايا جناية القتل طعنًا بالسكين، وتوقيف الجاني خلال أقل من 48 ساعة، الأثر الطيب بين الناس، وأثبت الملازم الأول عبد الكريم ابراهيم ودوريته الجدارة العالية، بالبحث والتحري عن الأسباب الحقيقة للجريمة. إن تعاون المخبرين والطب الشرعي،والخبرة بالتحقيقات الجنائية لدى التحري،كانت كفيلة بإماطة اللثام عن أكثر الجرائم غموضًا، ومهما جَهِدَ الجاني لإخفاء أدلته في مسرح الجريمة، تبقى الآثار مغطاة تنتظر من يكشفها لتبيان الحقيقة، ويبقى دور الشرطة القضائية المحور لكشف الحقيقة قبل توقيف المشتبه فيه، وفقا لتسلسل الأدلة والتدرج بالتحقيق معه.
نوّه المدير العام لقوى الأمن الداخلي بمجموع قوى الأمن الداخلي، بعمل الملازم الأول عبد الكريم ابراهيم واقترح منحه وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الثالثة استثنائيا (وقد ناله بالفعل)، كما نوّه بعمل الرقيب عبد الكريم الشيخ والعريف عجاج ياغي مع منح كل منهما مكافأة مالية بقيمة مائتي ليرة لبنانية تقديرًا للجدارة والتقنية العالية وسرعة كشف الجريمة المرعبة.
على إدارات الدولة السهر على فرض إلزمية دخول الأطفال الى المدارس ونشر التوعية بين الناس ومكافحة الفقر لدى بعض العائلات التي تدفع بأطفالها الى سوق العمل بهدف كسب المال لسد المصاريف العالية،وقد ينحرف بعض الأطفال نحو الجريمة لقلة الوعي والعوز.
كما يجب عليها السهر لتأمين متطلبات أجهزة الدولة الرسمية من قوى أمنية وعسكرية وأن تبقيهم بجهوزية عملانية للقيام بتنفيذ المهام المكلفين بها،عبرتحسين الرواتب و التعويضات والتقديمات الصحية والاجتماعبة لهم في ظل انهيار العملة الوطنية وغلاء المحروقات وعجز الموظف عن تأمين تكاليف الانتقال من منزله الى مقر عمله، وفي ظل عدم وجود وسائل نقل عام وعجزه عن تأمين الرغيف والغذاء والطبابة لأفراد عائلته!
هل تستجيب الدولة لمكافحة الفقر وتامين طلبات هولاء المكلفين السهر على تامين السلامة العامة وحماية الأشخاص والممتلكات بمنحهم الحد الأدنى من تكاليف معيشتهم مع أفراد عائلاتهم؟
——————————
عرمون في 26/6/2022
* قائد سابق للشرطة القضائية