فلسفة النكتة في ثقافات الشعوب (3)

 

خاص الدنيا نيوز – دانيا يوسف*

 

مصنع النكتة
النكتة بعمومها تخرج من مصنع سري اجتماعي غير ظاهر للعيان ، فلا السلطة قادرة على كبح جماح المجتمع ولا هي قادرة على تحسين سلوكها السياسي في بعض المجتمعات ، لذا فالمصنع السري يوجد في كل بيت وحارة ومقهى وأي مكان اجتماعي يحتشد فيه الناس لـ”يصنعوا” النكتة ويتناولونها وينشرونها بسرعة البرق تنفيساً عن ضغط متراكم تسببه السلطة السياسية في أغلب الأحيان .أو تتولى إنتاج نكات قديمة لتعيدها من جديد بصبغة تناسب موقفاً جديداً استجد على الساحة الاجتماعية والسياسية . على أن هذا السلوك الطبيعي في المجتمعات يقابله سلوك سلطوي آخر لبث الإشاعة المغرضة أو الحط من قدر قومية أو طائفة ما في بلد واحد كما شاع في العراق من نكات على الأكراد ومن ثم على المنطقة الغربية وبالتالي استقرت على أهل الجنوب تبعاً لمتغيرات الظرف السياسي الحاد الذي كان العراق ينوء تحت ثقله قبل عام 2003 فوجدت السلطة سلاح الشعب ذاته لتستخدمه من طرفها عبر أجهزتها السرية لتحجيم دوره والضغط عليه بسلاحه لتحقير صورته الاجتماعية.
عادة ما تكون مراكز الإنتاج الخفية للنكتة يتبادلها الشعب والسلطة معاً فكل له مصنعه الخاص به ، فإذا كان الشعب ينتج النكتة ويؤلفها بمهارة كنوع من المقاومة النافذة ، فإن السلطة (تعيد) إنتاج النكتة على ذائقتها واهدافها لتقبيح مستوى اجتماعي معين أو قومية معينة لتحقق اكثر من هدف في سلوكها السراني هذا. على أن المفارقة ان بعض الشعوب العربية وغير العربية تتهكم على نفسها لسبب أو لآخر ، فأهل حمص مثلاً اشتهروا عبر العصور بالنكتة ويؤلف الحماصنة النكتة ويروونها حتى لو كانت تنال منهم ويجدون متعة في ذلك ويفسرون الوصف بالجاذبية وليس البلاهة ولذلك استمروا في تأليف النكات عن أنفسهم لأنه تعبير عن ذكائهم. ويذكرون في مجالسهم – مثلاً- أنهم قرروا إرسال أربعين شاباً وسيماً إلى باريس لتعلم كيفية عقد ربطة العنق .. وبعد أسبوع جاءهم الخبر .. 20 شاباً في ذمة الله و 16 في العناية المشددة ونجح أربعة في الاختبار !
البولونيّون المعادون لنظام ياروزلسكي يروون نكتةً ذكيةً وخبيثة: نعترف بأننا قبل الثورة الاشتراكية، كنّا على حافة الهاوية!.. وبفضل الثورة، فقد «تقدَّمنا» كثيراً الى الأمام! أي سقطنا قي الهاوية!..واليوغوسلافيون لديهم نكات كثيرة عن أهالي الجبل الأسود المشهورين بكسلهم يقولون : إن كل واحد من أهالي الجبل الأسود يضع كرسياً الى جوار سرير نومه، لكي يرتاح عليه عندما يستيقظ !
النكتة الفلسطينية
للشعوب المتحاربة وسائلها الفعالة في تشويه صورة الآخر والحط من قدره وتدخل النكتة في الباب الإعلامي المهم في التقليل من شأن العدو الواقعي ، وللفلسطينيين طرقهم في إلقاء النكتة على اليهود والاسرائيليين [ يقال إن رجلاً يهوديًا كان يسير في الشارع بغير نظارته التي اعتاد أن يلبسها فقابله طفل فلسطيني ففقأ عينيه بحجر؛ ففرح اليهودي وقال: الحمد لله أني نسيت نظارتي) وهذه النكتة تصور حرص اليهودي الدائم على المادة، فعنده نظارته أغلى من عينيه !

—————————-

* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.