“فلسطين العاشقة .. والمعشوق” حين يكتب الأسير رواية “زعترته البرية”
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
“فلسطين العاشق والمعشوق” رواية كتبها الأسير الفلسطيني عبد الله البرغوثي من داخل معتقله الإنفرادي في سجن الرملة، سطر فيها كلماته التي بثت الأمل والحياة لكل من اراد ان يحيي الزعتر البري على أرض فلسطين. فلقد حاول أن يجد الزعتر البري ذا الرائحة الفواحة في معتقله وقد نجح في ذلك. فلقد تمكن العشق والمأساة أن يصنعان محامية فلسطينية سماها “فلسطين” أحبت الطين والأرض وعشقت فارسا غضنفرا صنع منها زعترته البرية.
عبد الله البرغوثي: حاولت… ليس إلاّ… في روايتي “فلسطين العاشقة والمعشوق” أن أجد زعترةً بريةً ذات رائحةٍ فواحة، وذات جذرٍ فلسطيني طيب…فحاولت، وحاولت… فلم أستطع إيجاد ما كنت أبحث عنه. وعلى الرغم من ذلك، فلقد تمكّن العشق العذري والمأساة القاسية من إيجاد زعترة برية مقدسية ذات جذرٍ طيب، ما زال ينبض بالحياة والعزة رغم جبروت غيلان الظلم الصهيوني الحاقد، ذلك الغول الذي يواصل محاولاته في احتلال الحجر والبشر وحتى جذور الزعتر البري الطيب. أوجد العشق والمأساة محاميةً فلسطينيةً اسمها “فلسطين” فصنعت منها زعترةً برية أحبت الأرض والطين، وعشقت فارساً مقاوما.”
الراوي: كُتبت هذه الرواية من داخل سجن انفرادي في معتقل سجن الرملة، فالكاتب هو أسير فلسطيني، اعتقل وعزل عن العالم الخارجي منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا. وهو صاحب أعلى حكم قضائي في تاريخ القضية الفلسطينية منذ أن بدأ الفلسطينيون دربهم في الثورة والمقاومة، ولقد حكم عليه بسبعٍ وستين مؤبداً وخمسة آلاف ومئتي عام لأنه قرّر أن يقاوم العدو الصهيوني، وأن يلحق به أشد الضربات وأقواها سائراً على درب الجهاد في سبيل الله، مؤمناً بعدالة قضيته.
عبد الله البرغوثي: كتبت هذه الرواية في 11 نيسان/ابريل 2014 قبل دخولي في اضراب عن الطعام محاولة مني للخروج من قبو العزل الإنفرادي الذي امضيت فيه ما يقارب العشرة أعوام ومنعت فيه رؤية كل شيء حتى ابسط الحقوق وهو نور الشمس! إصبعي السبابة كاد أن يقطع أثناء العمل الجهادي، حين ضربت بقذيفة، وقد قمت بتغريزه آن ذاك بنفسي، ووقتها كنت مضطرا لإطلاق النار باليد اليسرى. لكن بعد الأسر عادت العافية لإصبعي، فكتبت بيدي اليمين، وكلما أكتب تكون الندبات حاضرة أمامي بشكلها وألمها، فهذا الإصبع المصاب هو الذي يكتب. ولم يخرج منه إلا ما كان يخرج في ساحة الجهاد، وأقسم بالله عندما أكتب الكلمة، إذا شعرت أنها خانت الإصبع أو داهنت أحدا، أقوم بتمزيق الورقة كلها.”
الراوي: تدور أحداث هذه الرواية على أرض فلسطين وبالتحديد أرض “بيت المقدس” حيث فتاة شابة فلسطينية ومحامية لا تحمل من فلسطين الأرض والطين سوى اسمها. تكره قضيتها وتجد نفسها مجبرة على ممارسة مهنة المحاماة من مقابلة الاسرى وتفقد أحوالهم ومتابعة شؤونهم. ومع الزمن تصطدم بواقع مختلف عن الواقع الذي رسمته لنفسها حيث تكتشف أن احد الاسرى الذين تشرف عليهم ويلقب ب”الغضنفر” هو فارس أحلامها الذي انقذها وهي طفلة من الأيدي الإجرامية الصهيونية.
عبد الله البرغوثي:”بعد هذا الاكتشاف تتابع الأحداث ليأتي خبر استشهاد والدها في ساحات المسجد الأقصى المبارك لتتولد عندها مشاعر التحدي والإنتقام من هذا العدو المجرم. ومن ثم يخوض خطيبها وهو ذاك الأسير الذي كانت تنتظره إضرابا عن الطعام وتتدهور صحته. وعلى إثر ذلك يأتي خبر الافراج عنه وابعاده خارج الأراضي الفلسطينية من خلال صفقة تبادل الاسرى بين المقاومة والاجرام الصهيوني ليتمكنا اخيرا من أن يقضيا حياتهما معا مخلفين ارواحهم هناك في زهرة المدائن في “القدس” التي جمعتهم!
الراوي: استطاع البرغوثي في روايته هذه أن يكتب بكل حزن وبكل تفاؤل وهو موجود في تلك المساحة الفيزيائية الضيقة التي تخلو من مظاهر الحياة. مساحة عبارة عن حصار للروح وللقدرات الذهنية فهذا هو العزل الإنفرادي الذي يعتبر “سجن داخل سجن”!!! لكن البرغوثي بكلماته البسيطة والعميقة يبدو كأنه استطاع ان ينتصر على سجانه فقرر أن يقضي خلوته وفراغه بالكتابة بأسلوبه الممتع وكأنه أراد أن يشحنه بألفاظ القوة والأمل والتحدي!!
عبد الله البرغوثي: “بالرغم من أن هذه المحامية التي أوجدتها لأصنع منها زعترتي البرية كانت تكره اسمها وهو “فلسطين” وتعلل السبب بقولها: فلسطين المعاناة والمأساة، فلسطين القضية التي لم تحلّ ولا أظنها ستحلّ أبداً، فلسطين المحامية كيف لها أن تكون محامية، وكيف لي أن أحمل اسمها على بطاقتي الشخصية، وهي فلسطين الوطن الأسير المحتل.. المحتل منذ أعوام ما عدت أذكر عددها من كثرتها، فلسطين المحامية تدافع عن المجرمين أو حتى عن أصحاب الحقوق أمام المحاكم الفلسطينية، وأين يحدث ذلك كله؟ يحدث هنا في فلسطين المحتلة التي تحكم السلطة الفلسطينية بعض مناطقها وتقيم بها محاكم مدنية وشرعية.”