“فايننشال تايمز”: إستقالة الحريري الغامضة هي السبب في الأزمة المالية للبنان
تناولت صحيفة ‘فايننشال تايمز’ البريطانية، في تقرير نشرته اليوم بعنوان: “أسباب أزمة لبنان المالية”، وسردت تاريخ الازمة اللبنانية جذورها وإمكانيات التغلب عليها في حال كانت متاحة.
وذكر التقرير بداية أن لبنان يعلق، في أزمة مالية وسياسية، ومنذ منتصف تشرين الأول، تغلق البنوك من فترة إلى أخرى، ويجد أصحاب الحسابات صعوبة في الوصول إلى الأرصدة الدولارية.
واشارت ‘فايننشال تايمز’ الى أن”لدى لبنان تاريخ طويل من معدلات الدين العام العالية والاختلالات الخارجية، يعود إلى فترة إعمار ما بعد الحرب الأهلية خلال التسعينيات. وعلى الرغم من أنَّ سلسلة من مؤتمرات المانحين، التي نسقها الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك في الفترة من 2011 وحتى 2007، تعهدت بتقديم مساعدة مالية ضخمة، فإنها فشلت في أن تحافظ على الاستدامة الخارجية والمالية.
ويتضح من ذلك أنَّ الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية عام 2008، حين ضُخَّت أرصدة بقيمة 30 مليار دولار إلى داخل لبنان (أي ما يعادل 100% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة آنذاك)، تعتبر فرصة مُهدَرَة كان يمكن استغلالها لتغيير الأوضاع”. بحسب الـصحيفة.
ويلفت التقرير الى أنه “إذ جاءت غالبية تلك التدفقات الوافدة، من عودة الأصول الأجنبية في ضوء انخفاض أسعار الفائدة عالمياً. وبينما استخدم المصرف اللبناني المركزي جزءاً من هذه التدفقات لتعزيز الاحتياطي الأجنبي، انتهى المطاف بثُلث هذه الأموال إلى تمويل زيادة عجز الحساب الجاري الذي كان ضخماً بالفعل. وفي الوقت نفسه، ارتبط أكثر من نصف الارتفاع في عجز الحساب الجاري، بزيادة في الإنفاق الحكومي (صافي أسعار الفائدة). وأدت كذلك التدفقات إلى تراجع معدلات التضخم، بعد أن وصلت إلى ذروتها عند 10% في عام 2008، وإلى ارتفاع هائل في قيمة الليرة اللبنانية”.
واضافت الـ'”فايننشال تايمز”: لكن “بدلاً من ذلك، ونتيجة تدفقات الأموال في عامي 2008-2009، أصبح المصرف المركزي مفرط الهوس بقدسية العملات الأجنبية، وبعد فترة وجيزة، أصبحت الاحتياطيات الأجنبية هي السياسة المُثلى للجميع، مع انزلاق المصرف المركزي إلى حالة من الذعر كلما بدأت الاحتياطيات الأجنبية في الانخفاض ولو بشكل طفيف، على الرغم من أنها حافظت على مستوى أعلى بكثير من ذلك الذي كانت عليه قبل الأزمة”.
وذكرت بأن “الرغبة المتزامنة في الحفاظ على مستويات عالية من الاحتياطي الأجنبي وإنقاذ البنوك المتعثرة، في النهاية، أدت إلى تنفيذ سياسات هندسية مالية غير تقليدية ومثيرة للجدل، وشملت هذه تقديم الدعم للبنوك التجارية التي كانت على استعداد لزيادة الودائع الدولارية في المصرف المركزي، وكشفت هذه السياسات عن تكاليف مالية كبيرة. لكنها من ناحية أخرى، تشبه أيضاً مخطط بونزي الاحتيالي، لأنَّ البنك المركزي كان يدفع أسعار فائدة أعلى من أي وقت مضى؛ لجذب الأموال بالدولار، على الرغم من أنَّ تلك الأموال لم تحقق عوائد كافية لسداد الفائدة ورأس المال”.
ويرى التقرير ان “من المفارقات أنَّ محاولة حماية إجمالي الاحتياطيات الأجنبية أدت بعد ذلك إلى انخفاض كبير في صافي احتياطيات المصرف المركزي (أي إجمالي الاحتياطيات الأجنبية مطروحاً منها إجمالي الالتزامات بالعملات الأجنبية في البنك المركزي، بعد تسويتها وفقاً للقاعدة النقدية المقومة بالليرة اللبناني) التي تقدرها وكالات التصنيف الائتماني الآن بسالب 100% من الناتج المحلي الإجمالي”.
ويضيف: ان “وفي هذا السياق، أدى ارتفاع النمو الاسمي إلى انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكن كان في جعبة لبنان ما هو أكثر من ذلك لاستخدام الظروف العالمية المواتية لصالح تحسين الحسابات المالية للدولة، وجذب استثمارات إنتاجية إلى البلد لديها القدرة على تحفيز نمو طويل الأجل”.
ويقول الموقع: “صحيح أنَّ الحرب بسوريا، التي بدأت في عام 2011، فرضت ضغوطاً على الاقتصاد اللبناني، إلا أنه من غير المحتمل أن تكون هي السبب الأساسي للأزمة المالية، إذ انعكست آثار الحرب بالأساس على الصادرات اللبنانية وكذلك معدلات الهجرة (استقبل لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري منذ بداية الحرب)”.
وفي عام 2013، قدَّر البنك الدولي أنَّ التكلفة الإجمالية التي تكبَّدها لبنان بسبب تدفق الفارين من الحرب السورية إليه بلغت 2.6 مليار دولار، وهو المبلغ الذي عوضته، بل زادت عليه، مساعدات إنمائية بقيمة 8.1 مليار دولار، صُرِفَت إلى لبنان خلال الفترة من 2012 إلى 2018. وذلك مقارنة بمبلغ 3.9 مليار دولار من المساعدات حصل عليها بين عامي 2006 و2011. علاوة على ذلك، بدلاً من تسجيل حدوث صدمة مالية سلبية، تزامن بدء الحرب مع تسارع آخر في تدفقات الأموال، مدفوعاً بقيمة 13 مليار دولار من إعادة السكان تحويل الأصول الأجنبية إلى داخل الدولة خلال الفترة من 2012 وحتى 2014.”.
وبحسب الموقع البريطاني “فمن المرجح أنَّ سبب الأزمة الحالية هو الاستقالة الغامضة للرئيس سعد الحريري واختفاؤه بالمملكة العربية السعودية في تشرين الثاني 2017، والذي ربما يكون قد أخاف المُودعين اللبنانيين الأثرياء وشجعهم على نقل الأموال إلى خارج لبنان، وقد انتهت هذه الواقعة الغريبة بإعلان الحريري استقالته من منصبه، في بيان متلفز من المملكة العربية السعودية، في 4 تشرين الثاني 2017.
وبعد هذا الإعلان، فُقِد أثر الحريري أكثر من 10 أيام؛ وهو ما أثار مخاوف من احتجازه رهينة لدى القيادة السعودية، وفي النهاية، وبفضل تدخُّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -من خلال دعوته الحريري رسمياً لزيارة فرنسا- عاود الحريري الظهور، وتمكن من العودة إلى لبنان، حيث ألغى فوراً استقالته واستأنف عمله رئيساً للوزراء”.
وبعد سلسلة الأحداث هذه تحديداً، انهارت الودائع المصرفية محلياً، وتراجعت أسعار الفائدة، وانخفض الإقراض المصرفي للقطاع الخاص، وهبط نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى معدل 0.25%.
ولم يُفصَح التقرير عن المادة الرابعة من تقرير صندوق النقد الدولي الذي يغطي عامي 2017-2018 للجمهور قط (ربما لأنَّ السلطات اللبنانية لم توافق على نشره، وهو ما يعد حدثاً نادراً إلى حد ما). ومع ذلك، يتضح من البيانات أدناه، المُستخلَصة من إحصاءات مصرف لبنان المركزي، أنَّ الزيادة في أسعار الفائدة لم تُسفِر إلا عن زيادة تدهور الوضع المالي، ثم شيئاً فشيئاً، ازداد الوضع سوءاً مع انهيار الودائع الأجنبية في اوائل عام 2019″.