غزو المناطيد..!..
بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
كان المشهد سورياليآ بامتياز، إثارة شعور جماعي بانعدام الأمن الذي اخترقه كيس من الغاز لا تتجاوز سرعته رياح قوية، اذ لم يجد العقل الباطن للمواطن الاميركي سببآ منطقيآ لعدم اكتشافه وبالتالي قيام القوات الجوية باسقاط المنطاد الصيني قبل عبوره اجواء الولايات المتحدة الاميركية، حيث تمكن من التسلل محلقآ على ارتفاع 60 الف قدم “18288 متر” مما دفع سلطات الطيران المدني الفدرالية الى تعليق الحركة الجوية في ثلاث مطارات Charleston- Myrtel- Wilmington ضمن ولاية كارولينا الشمالية ومقاطعة Grenville في كارولينا الجنوبية، اجراء اعلن عن اسبابه انه يتعلق بضمان “الامن القومي”..
فوق مناطق حساسة ومواقع استراتيجية لاسيما القواعد النووية الاميركية وقاعدة Whitman الجوية في ميسوري “قاعدة القاذفات الشبحية” الواقعة وسط البلاد بقي المنطاد المتطور الغير مأهول في السماء على مدى ثلاثة ايام، قبل ان تنطلق طائرتين مقاتلتين طراز F22 Raptor من قاعدتها واسقاطه في منطقة آمنه فوق المياه الاقليمية قبالة سواحل المحيط الاطلسي مستخدمة صاروخ جو-جو طراز AMRAAM 20 mm..
تزامنآ اعلنت حالة التأهّب في صُفوف قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية NORAD التي تتبعت حركته، في حين اتخذت أجهزة الاستِخبارات الأميركيّة والكندية اجراءات وقائية تعطل او تمنع اجهزته التجسسية من جمع معلومات حساسة، دون ان تحدد طبيعة هذه الاجراءات وقدراتها..
في سياق متصل، تحديد توقيت العملية وبقعة اسقاطه وفق ما اوصى مسؤولي “البنتاغون” وزارة الدفاع هدف الى حماية السكان المدنيين، واستعادة أكبر قدر ممكن من الحطام قبل أن تغرق في المحيط، ترافق ذلك مع نشر عدة زوارق وقطع حربية، اذ اعلنت البحرية الاميركية ان فريق متخصص بالمتفجرات انتشل اجزاءً من الحطام من المنتظر فحصها لمعرفة إن كانت فعلا أداة للتجسس..
بالمقابل، لم تكشف قيادة الدفاع عن الاجهزة المستعادة ونوعيتها، هل هي مخصصة لاغراض التجسس ام ذات طبيعة مدنية. ممثل وزارة الخارجية الصينية صرح “ان المنطاد يستخدم لأبحاث الأرصاد الجوية، وقد فقدت السيطرة عليه وانحرف عن مساره المحدد بسبب الرياح الغربية القوية”..! وفي بيان اعربت الخارجية عن “استيائها الشديد واحتجاجها على استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة لإسقاط المنطاد المدني غير المأهول”، مشددة على أنها “تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية”.
في الترددات والانعكاسات؛ وبصرف النظر عن مهمة المنطاد فتأثيره النفسي كان واضحآ على القيادة الاميركية، لا سيما في ظل تراكم الازمات بين واشنطن وبكين بدءآ بالهيمنة الاقتصادية التي تسعى اليها الاخيرة وصولآ الى قضية جزيرة تايوان التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من التراب الصيني..! كما أفادت صحيفةُ واشنطن بوست نقلا عن مصادرَ استخباراتية أميركية، ان المنطاد جزء من برنامج مراقبة واسع يُديرُهُ الجيش الصيني في القارات الخمس..!
الصحافي والباحث Arthur Holland Michel علق قائلآ “إن المنطاد الصيني لن يكون الوحيد الذي يراقب أميركا من سمائها، وإذا كان للتجسس، كما يدعي البنتاغون، فالمنطق يقول إنه كان يجب أن يتخذ إجراءات دقيقة للتخفي، فهو منطاد عملاق”. مضيفآ “من المرجح أنه أرسل على وجه التحديد لغرض رؤيته، فقد استحوذ على شيء ثمين، وهو انتباهنا، وهذا يجعل الحادث درسا مهمآ حول كل من القوة والانتشار المتزايد لتكنولوجيا المراقبة الجوية”..!
صباح اليوم ؛ تم رصد جسم مجهول كان يحلق في أجواء أمريكا الشمالية بسرعة 40 ميلآ في الساعة تعقبته مقاتلتين F 22 كندية واميركية واسقطته فوق منطقة يوكون شمالي غرب كندا.. رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو اعلن انه “تم إسقاط جسم آخر مجهول. بعد ان انتهك المجال الجوي الكندي”.. مضيفآ “إنه أصدر اوامره بعد ان تحدث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن”..!
ختامآ؛ مما لا شك فيه ان ما يحصل فاقم نسبة التوتر بين البلدين وتسبب بأزمة ديبلوماسية ستكون طويلة الامد.. فقد ألغى وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، على الفور زيارة مقررة إلى الصين، كانت ستكون الأولى من نوعها على مستوى اللقاء الرسمي بين البلدين منذ سنوات، بسبب ما وصفته الولايات المتحدة بأنه “تصرف غير مسؤول”..
دوائر البيت الأبيض اعلنت يوم الثلاثاء المنصرم أن وزارة الدفاع سعت إلى ترتيب مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع لويد أوستن ونظيره الصيني لكن بكين رفضت التواصل. وقال المسؤول الإعلامي في وزارة الدفاع الأمريكية الجنرال باتريك رايدر في بيان إن “الخطوط بين جيشينا مهمة بشكل خاص في أوقات كهذه”. وأضاف: “للأسف، رفضت جمهورية الصين الشعبية طلبنا”..!
بيروت في 11.02.202