عودة الحرب الباردة (٢) ..
بقلم العميد مُنْذِر ألأيوبي*
ضربة قوية لمنظومة ألإستقرار ألإستراتيجي في العالم هي النتيجة الحتمية لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب D.Trump إعلان نيته ألإنسحاب من معاهدة ألأسلحة النووية ذات المدى المتوسط INF ..
و بغض النظر عن ألإتهامات التي سَاقَها ترامب حول خرق المعاهدة من قبل روسيا ألإتحادية و النفي الروسي على لسان الناطق بإسم الكرملين ديميتري بيسكوف D.Piskov فإن جملة عواقب ستترتب على التملص ألأميركي من هذه المعاهدة و منها ضرب ألإستقرار ألإستراتيجي و تصاعد التوتر بين ألقطبين و حلفاء كل منهما إضافة إلى ألنحو بإتجاه سباق التسلح من جديد ..
جاء إبرام المعاهدة عام ١٩٨٧ ثمرة جهود الرئيسان ريغان و غورباتشوف و كانت نتائجها تدمير “ألإتحاد السوفياتي” سابقآ ترسانته الصاروخية “١٧٩٢ صاروخآ باليستيآ و مجنحآ” و بالمقابل دمرت الولايات المتحدة ٨٥٩ صاروخآ مماثلآ ..
و رغم أن مستشار ألأمن القومي ألأميركي جون بولتون أعلن أثر زيارته الكرملين الثلاثاء الماضي عن رغبة ترامب ألإجتماع مع الرئيس بوتين V.Putin في باريس بتاريخ ١١/١١/٢٠١٨ و ترحيب الأخير مؤكدآ ضرورة التوصل إلى نقاط إلتقاء ،، فإن الرد الروسي خلال اللقاء سيكون حازمآ و رافضآ لأي إبتزاز يهدف ألى تحقيق تنازلات من جانب روسيا في مجال ألأستقرار ألإسترتيجي و محذرآ أيضآ من نقل الصواريخ إلى دول أوروبية و تموضعها في مناطق متاخمة للحدود مع روسيا،، ألأمر الذي يُعتبر مَسَآ بِألأمن القومي و ألإستراتيجي كما سيدفع روسيا الاتحادية إلى تطوير ترسانتها الصاروخية خاصة تلك المزودة بها غواصاتها النووية بهدف تهديد ألأراضي ألأميركية ..
من المؤكد أن دول أوروبا لا سيما منها تلك المِنتمية إلى حلف شمال ألأطلسي NATO قلقة من نتائج قرار ترامب و تأثيراته على ألأمن الأوروبي بشكل خاص ،، إذ أن ألأوروبيون يعتبرون المعاهدة مهمة للغاية بالنسبة إليهم و عنصر إستقرار أساسي سواء على مستوى القارة أم على مستوى العالم ..
بالمقابل صعَدَ ترامب من لهجته موجهآ تهديداته إلى الصين و “أي دولة أخرى تريد أن تلعب هذه اللعبة” !! و قد أتى الرد الصيني بعبارة مختصرة عبر دوائر الخارجية الصينية: “لن نقبل أبدآ أي شكل من أشكال ألإبتزاز”.. من جهة أخرى و رغم أن بكين ليست طرفآ في هذه المعاهدة إلا أنها تعتبر تعزيز الترسانة النووية ألأميركية بصواريخ المدى المتوسط يشكل تهديدآ صريحآ مباشرآ و خطرآ على أمنها ألإستراتيجي .. بالتوازي، كان لافتآ إرتفاع حدة التوتر مع الصين أيضآ إثر عبور سفينتين حربيتين أميركيتين مضيق تايوان ألممر ألمائي ألإستراتيجي الذي يفصلها عن الصين و التي تعتبر جزءآ من الأراضي الصينية مما أثار غضب القيادة الصينية
و دفعها للأحتجاج،، و مما زاد من تفاقم الوضع بيع ألولايات المتحدة أسلحة لتايوان ألشهر الماضي بقيمة ٣٣٠ مليون دولار رغم معارضة الصين و إعتبارها إبرام صفقة السلاح أمرآ مُسيئآ لِلعلاقات العسكرية الثنائية ..
من جهة أخرى ليس مصادفة أن يعلن قائد هيئة ألأركان المشتركة في حلف ألأطلسي ألأميرال جيمس فوغو Admiral James Foggo عن بدأ ألمناورات العسكرية ألضخمة للناتو في النروج Norway اليوم ٢٥ الجاري و التي يشارك فيها ٥٠ ألف جندي،١٥٠ طائرة ٦٠ سفينة و ١٠ آلاف آلية بهدف تدريب قوات الحلف على الدفاع عن أحد حلفائها ..
القيادة الروسية أبدت إستياءها عبر تصريح المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا Maria Zakharova : “بأن الدول الرئيسية في الناتو تعزز وجودها العسكري على مقربة من الحدود الروسية مما سيؤدي إلى زعزعة ألأستقرار
و يستوجب ألرد بتدابير ضرورية مناسبة”..
ألمؤشر ألأكيد على عودة الحرب الباردة بين القطبين الروسي و ألأميركي لجؤ الحلف ألأطلسي إلى إنتشاره العسكري على المسرح ألأوروبي كما في السابق،، كما أن القوى الروسية عادت أيضآ إلى ما كانت عليه خلالها ..
لا شك أن أللقاء ألمرتقب بين الرئيسين ترامب و بوتين في باريس سيشكل عاملآ إيجابيآ سواء على صعيد تعليق ألإنسحاب من معاهدة INF و إدارة ألأزمات العالمية كما على صعيد الحروب التجارية ألمُعلَنَة و العقوبات ألإقتصادية المفروضة،، إلا أن الخشية من تضاؤل نقاط التفاهم أو عَدَمه سيبقي ألكَوكَب على حافة التوتر الغَير مَحمود العواقب و عسى خيرآ ..