عقوبات المِئة عام ..
بقلم العميد منذر ألأيوبي *
لَمْ يَرُق للحلفاء ألأوروبيين والدول الأعضاء في حِلف “الناتو” NATO دفع الادارة الاميركية بهذه “ألأرمادا” Armada الحربية الضخمة الى مياه الخليج العربي والفارسي دون تنسيق مُسبق ألأمر الذي فرض على وزير الخارجية الاميركية تعريجه على العاصمة “بروكسل” Brussels للقاء نظرائه الأوروبيين قبل توجهه إلى “سوتشي” Sochi للإجتماع بوزير الخارجية سيرغي لافروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ..
قادة الدول الثلاث بريطانيا، فرنسا وألمانيا الموقعين على الاتفاق النووي الإيراني 5+1 عام 2015 قلقين من إنزلاق المنطقة نحو حرب و لو غير مقصودة مع إيران ، إذ أن إرتدادتها ستكون مفجعة ومدمرة على كافة الصعد ليس اولها انهيار سوق النفط العالمي ولا آخرها الهجرة إلى أوروبا وإهتزاز إستقرارها، كما انها ستكون على مساحة الكَوكَب لا سيما إن فلتت الأمور من عقالها وضوابطها ففي النهاية “النار تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله” ..
من هذا المُنطلق المَنطقي والعقلاني، إستَبَق ألأوروبيون وصول “بومبيو” إلى بلجيكا بتصريح لِلديبلوماسية ألايطالية. مسؤولة السياسة الخارجية للاتحادالأوروبي “فيدريكا موغيريني” Federica Mogherini : “إن الاتحاد يدعم بشدة تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران بكل الوسائل وبإرادتنا السياسية ويُطلَب من القوى المتخاصمة تجنب أية أعمال عدائية أو تصعيد“، في حين اعلنت دوائر الخارجية الأميركية بصورة مُقتضبة ليل الأحد الماضي أن الوزير بومبيو سيبحث مع المسؤولين الأوروبيين والأمين العام لحلف شمال الأطلسي Jens Stoltenberg “مسائل ملحة” وألملف ألإيراني بصورة خاصة قبل توجهه إلى روسيا، وفي ترجمة ميدانية للموقف الاوروبي قررت وزيرة الدفاع الإسبانية“مارغريتا روبلس” Margarita Robles سحب الفرقاطة “منديز نونيز” Méndez Núñez من ألأسطول القتالي البحري الاميركي المُبحِر في مياه الخليج.
بالتوازي ، عَبَّر وزير الخارجية البريطانية “جيرمي هنت” Jeremy Hunt عن مخاوفه في تصريح ادلى به لصحيفة “صنداي تايمز” Sunday Times اثر لقاءه نظيره الاميركي في لندن الأسبوع الماضي: “نحن قلقون للغاية من خطر حدوث تصعيد و صراع غير مقصودين من كلا الجانبين الاميركي والإيراني نتشارك هذه المخاوف مع نظرائنا الأوروبيين“. مُستطردآ “أن منطقة الخليج من اكثر المناطق عدم إستقرارآ في العالم لا نرغب بمسار تسلح نووي إيراني قد يدفع باقي الافرقاء لان يصبحوا قوى نووية، ما نحتاجه ألآن هو فترة هدوء كي يتسنى لكل شخص فهم ما يفكر فيه الطرف الآخر“.
من جهة أخرى ، توالت التصريحات المتناقضة التي تراوحت بين تحذير و تهدئة في أعقاب تصعيد غير مسبوق سُجِلَ خلال الساعات الماضية، حيث أستُهدفت سفن تجارية من بينها ناقلتا نفط سعوديتان في المنطقة الاقتصادية للإمارات قرب ميناء الفجيرة بأعمال تخريب بِإستخدام عبوات ناسفة ضئيلة الضرر“مدروسة بدقة“! ليست اجهزة الاستخبارات لدول تسعى إلى تفجير الوضع ببعيدة عنها.
تبعها قيام 7 طائرات مفخخة مُسَيَرة دون طيار تابعة لميليشيات ألحوثي اليمنية بإستهداف العمق ألسعودي عبر تفجير محطات الضخ العائدة لخط ألأنابيب الاستراتيجي ألحيوي الناقل للنفط من منطقة ألقَطيف إلى مدينة يُنبع على ساحل البحر الأحمر ذو طاقة سبعة ملايين برميل يوميآ والمعروف باسم “خط انابيب شرق–غرب“، مما أدى إلى إشتعال النيران فيها إضافة إلى تَدمير جزئي وتوقف ألسيل النفطي لفترة محدودة .
في حين أعلن الناطق باسم أمن الدولة في المملكة العربية السعودية : “أنالهجوم الإرهابي يستهدف إمدادات الطاقة العالمية، متهمآ الجماعة الحوثية في اليمن المدعومة من إيران بهذا الهجوم“.
في غضون ذلك تصاعدت لهجة التوتر بعد أن سَرَبَت صحيفة “نيويورك تايمز” NY Times معلومات نقلآ عن مسؤولي “البنتاغون” وزارة الدفاع الاميركية عن جهوز عملياتي لسيناريو خطة عسكرية دفاعية وضعها القائم بأعمال وزيرالدفاع “باتريك شاناهان” Patrick M. Shanahan على مكتب الرئيس ترامب تتضمن إرسال 120.000 جندي إلى منطقة التوتر في حال تعرضت القوات الاميركية لأي إعتداء او هجوم إيراني كذلك في حال عاودت طهران تخصيب اليورانيوم وانتاج أسلحة نووية.
هذه الخطة ليس من السهل تنفيذها أو ألإقدام عليها فهي خارج نظرية “الضربة الخاطفة” كما أنها تستلزم لوجستيات معقدة وعديد ضخم ، ستكون أثناءها القوات الاميركية تحت مرمى نيران لا تقارن أين منها “ألنورماندي” الفرنسية ؟؟ بألمقابل ستُمطَر ايران بِمظلة رمادية من قذائف ال B 52 وصواريخ كروز الجوالة الهائلة التدمير ..! إذن لا حدود للدمار الشامل والخطورة في النووي Game Over ..!
من المرجح تنفيس الوضع بضربة تكتية “مدروسة ايضآ” مُنتقاة و مُرمَزة غيرمؤلمة، و هذا ما تكهن أو نصح به أيضآ قائد القوات الاميركية الوسطى السابق الجنرال المتقاعد جون أبي زيد John Abizaid السفير الاميركي الحالي لدى الرياض، ومن ضمن ألموجة ألعاتية نفسها لافتآ لا مُستَغرَبَآ جاء تصريح ألرئيس الاميركي دونالد ترامب وتحذيره ايران من أن اي عمل عدائي ترتكبه سيكون “خطأ فادحآ“.
بألتزامن ، دعوة إلى تهدئة الوضع المتوتر في منطقة الخليج عبر الحوار، هذا ما تضمنه بألمختصر بيان صادر عن “ألكَي دورسيه” Quai d’Orsay وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية .
بدوره عَلَق المبعوث الأميركي لشؤون إيران “براين هوك” Bryan Huck : “إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير قلقة من احتمال نشوب حرب مع إيران، نريد صفقة جديدة، إن الإجراءات الاميركية دفاعية بوجه إيران الدولة الراعية للأرهاب في المنطقة“.
إستكمالآ للمحادثة الهاتفية الأخيرة والمُطَولَة بين الرئيسين ترامب وبوتين، وإثْرَ إجتماعه مع الرئيس الروسي في مدينة “سوتشي” Sochi أول من أمس ألثلاثاء أكتفى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بألقول: “ان المحادثات بناءة للغاية، سنمضي قُدُمآ نحو حل سياسي في سوريا يكسر الجمود وِفقآ لقرار مجلس الأمن 2254 بما يضمن مجموعة المصالح المشتركة“، مؤكدآ إن واشنطن وموسكو تدعمان الخطوة الأساسية المتمثلة بِ إنشاء لجنة صياغة الدستور الجديد لسوريا. بألمقابل لم يتطرق “بومبيو” لأي من الملفات الأخرى التي تم البحث بها لا سيما الملفين الإيراني والفنزويلي .
على الضفة الأخرى من الخليج الفارسي حيث موانيء بوشهر و بندر عباس وغيرها، تعتبر طهران ان مرحلة المراوحة و عض الأصابع طويلة الأمد، إذ لا مكان لمفاوضات بلغة USS Lincoln ألأميركية ومدمرات “جماران“JamaranFrigates ألإيرانية، وبالرغم من ان الوضع الإيراني الاقتصادي المالي والمعيشي يعاني من تشديد العقوبات المفروضة إلا ان الجبهة الداخلية على ما يبدو ما زالت متماسكة وقادرة على الصمود طويلآ، ومن هذا المنطلق سمع الوزير بومبيو من الوزراء الأوروبيين ما مفاده: هل ستكون إيران تحت عقوبات ألمئة عام ؟؟
من نافِل القول خِتامَآ، أن طهران تعتبر الخليج جزءآ من أمنها القومي هي في استراتيجيتها وسياستها البراغماتية لا تستسيغ أسلوب “القوة الصَارِمَة” سياسة العصا والجزرة Carrot and stick التي تعتمدها واشنطن لكن ما يجمع ألدولتان هو نظرية “هانس مورغانثو” H.Morgenthau : “إن المرجع الرئيسي للواقعية في السياسة الدولية هو المصلحة المحددة بِناءً على القوة“.
بيروت 16.05.2019
*عميد متقاعد ، كاتب و باحث.