عزل ترامب من منصبه قاب قوسين أو أدنى والديمقراطيون يحسبون المدة لنهاية ولايته
نشرت صحيفة ال “غارديان البريطانية، تحقيقاً مطولاً عن الاجرءات المتوقعة بشأن عزل الرئيس الاميركي دونالد ترامب من منصبه، ذكرت فيه بداية ان رئيسة مجلس النواب الاميركي الديمقراطية نانسي بيلوسي حثَّت على توخِّي الحذر بشأن العزل، وشجَّعت رؤساء اللجان الديمقراطيين على استخدام تقرير مولر باعتباره «خارطة طريق» لمواصلة التحقيق بشأن الرئيس ورؤية إلى أين ستقود الحقائق. اتفق قيادات الحزب إلى حدٍّ كبير على الخطة، على الرغم من دعوة العديد من الليبراليين البارزين، والمُشرِّعين من ذوي «البشرة الملونة»، وبعضٍ من مُرشَّحي انتخابات 2020 الديمقراطيين للذهاب أبعد.
ونقلت الصحيفة عن عضو الكونغرس جامي راسكين، وهو ديمقراطي ممثل عن ولاية ميريلاند وأستاذ في القانون الدستوري قوله “ان العزل هو آخر أداة دستورية لدى الشعب للدفاع عن النفس في مواجهة رئيسٍ يُمرِّغ سيادة القانون ويتصرف كما لو كان ملكاً”.
وقال راسكين إنَّ قرار اللجوء إلى مواد العزل ضد الرئيس هو “لا محالة مسألة تتعلَّق بالقانون والسياسة”. مُشيراً إلى أنَّ الآباء المؤسسين كانوا قد نظروا فيما إن كان ينبغي أن تتولَّى المحكمة العليا التعامل مع تلك العملية، لكنَّهم قرَّروا في نهاية المطاف أنَّ التعامل معها مهمة أنسب للكونغرس”.
واضاف: “علينا أن نسأل أولاً إن كانت هناك جرائم كبرى ومخالفات ضد رمز حكومتنا. ثُمَّ أن نسأل ثانياً ما إن كان هذا في مصلحة الشعب الأمريكي أم لا”.
وذكرت الغارديان، ان “الكثير من الديمقراطيين، حتى أولئك الذين لم يُصرِّحوا علناً، يعتقدون أنَّ سلوك ترامب يستوفي متطلبات العزل. لكنَّ هناك تبايناً حاداً في الآراء إن كان هذا هو أفضل مسار عمل يمكن سلوكه قبل 18 شهراً من الانتخابات الرئاسية القادمة”.
واشارت الى احتجاجات سابقة في لوس أنجلوس تطالب بمساءلة وعزل ترامب”.
كما نقل عن بيلوسي قولها خلال كلمة لها في نيويورك الأسبوع الماضي: “ان العزل هو واحدٌ من أكثر المسارات المثيرة للشِّقاق التي يمكننا سلوكها في بلدنا. إن قادنا مسار البحث عن الحقائق إلى هناك، فلن يكون لدينا خيار آخر. لكنَّنا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد”.
غير ان العديد من الديمقراطيين وصلوا إلى تلك المرحلة فعلاً. ففي مقابلةٍ مع شبكة CNN الأمريكية الأسبوع الماضي، قالت إليزابيث وارن، أول مرشحة لانتخابات 2020 انها تؤيد العزل، وإنَّ “الكونغرس لديه واجب دستوري لمحاسبة الرئيس”. وقالت وارن إنَّه “بعد كل الانتهاكات وسوء السلوك الواردة في تقرير مولر، ينبغي على كل أعضاء الكونغرس اتخاذ موقف علني”. وأضافت: “إن كان هناك أشخاص في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ يريدون القول إنَّ هذا ما يمكن لأي رئيسٍ عمله حين يخضع للتحقيق في مخالفاته، أو حين تهاجم حكومة أجنبية بلدنا، فينبغي أن يتعيَّن عليهم الإدلاء بصوتهم في هذا التصويت والتعايش معه لبقية حياتهم”.
مع ذلك، يشعر بيرني ساندرز، الذي يشاطر وارن سياستها اليسارية وينافسها في سباق العشرين مرشح من أجل نيْل ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالقلق من “أنَّ العزل قد يُعزِّز فرص ترامب الانتخابية”.
فقال، مُتحدِّثاً بعد وارن في مقابلة CNN: “إن كان كل ما يتكلم عنه الكونغرس هو عزل ترامب وترامب ترامب ترامب ومولر مولر مولر، ولا نتكلم عن الرعاية الصحية، ولا نتكلم عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى حد الكفاف، ولا نتكلم عن محاربة التغيُّر المناخي، ولا نتكلم عن التمييز على أساس الجنس والعنصرية ورُهاب المثلية الجنسية.ما يقلقني هو أن يصب ذلك في صالح ترامب”.
وعقب تقرير مولر كانت عضوة الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو كورتيز اعلنت دعمها لمشروع قانون للعزل قدَّمته زميلتها عضوة الكونغرس الجديدة رشيدة طليب، التي بَنَت حملتها الانتخابية للكونغرس على أساس عزل ترامب من منصبه.
وقالت أوكاسيو كورتيز: “الكثيرون يعلمون أنّني لا أسعد بنقاشات العزل. لم أبنِ حملتي الانتخابية عليها، ونادراً ما أتحدث عنها من تلقاء نفسي. كلنا نُفضِّل العمل على أولوياتنا: الدفع ببرنامج رعاية صحية للجميع، ومعالجة مشكلة القروض الطلابية، والعمل على (الصفقة الخضراء الجديدة). لكنَّ تقرير (مولر) يضع هذا الأمر (العزل) مباشرةً على عتبة بابنا».
وانضمَّت طليب إلى أعضاء “كتلة النواب السُود” و “الكتلة التقدُّمية بالكونغرس” في دعوتهم إلى عزل ترامب. ومن هؤلاء عضوة الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا ماكسين ووترز، وهي رئيسة لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأمريكي والقيادية البارزة بحركة مقاومة ترامب.
وكتبت ووترز: “90% من الدعوات ورسائل البريد الإلكترونية التي أتلقاها في مكتبي تدعم عزل ترامب، وأنا أيضاً أدعم هذا. لا بد أن يبدأ مشروع قانون العزل باللجنة القضائية وتوافق عليه اللجنة”.
عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا براد شيرمان، وهو أحد ثلاثة أعضاء في الكونغرس قدَّم بنوداً لعزل ترامب، أصرَّ على أنَّ ناخبيه مهتمون بالقضايا المحلية أكثر من العزل. وقدَّر أنَّ “5 % فقط من الأسئلة التي تلقَّاها خلال العطلة البرلمانية كانت متعلقة بالعزل”.
يؤمن شيرمان الآن، كما كان يؤمن في تموز 2017 حين قدَّم أول بنود لعزل ترامب، أنَّ الرئيس عرقل العدالة. لكنَّه يؤيد منهجية بيلوسي (منهج التحقيقات أولاً).
وقال: “لا يمكنك عزل رئيس دون تصويت أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ. ولا يمكنك الحصول على تصويت أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ دون تغيير الرأي العام، ولا يمكنك تغيير الرأي العام دون وضع كل الحقائق أمام الشعب الأمريكي”.
وخلص استطلاع رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية بالشراكة مع شبكة ABC News الأسبوع الماضي أنَّ 37 بالمئة فقط من الأمريكيين يوافقون على أنَّ الكونغرس ينبغي أن يبدأ أجراءات عزل الرئيس، في حين يعارض 56 بالمئة الفكرة. وعموماً، تراجع الدعم للعزل بصورة طفيفة عما كان موجوداً قبل شهر، على الرغم من تراجع شعبية ترامب عقب صدور تقرير مولر.
ويدعم الشباب الأمريكيون العزل بنسبة أكبر من نظرائهم من كبار السن، في حين يدعم 69 بالمئة من الأمريكيين من أصلٍ إفريقي الفكرة، وهو المعدل الأعلى لأي مجموعة في الاستطلاع.
وقال شيرمان: “من الناحية القانونية، أود أن أضع حداً للأمر. لكن أعتقد أنَّه إذا بدأت إجراءات عزل الرئيس ولم يُعزَل، ثُمَّ أحرز نصراً سياسياً نتيجة هذه المحاولة (عن طريق فوزه بالانتخابات مجدداً)، فإنَّنا ربما سنكون بصدد إرسال الرسالة الخاطئة نفسها.
وينادي ستاير بـ “جلسات استماع عامة متلفزة بأسرع وقتٍ ممكن”. وقال إنَّه من الظلم توقع أن يقرأ الأمريكيون وثيقة قانونية من 448 صفحة لفهم النتائج. لكنَّ مشاهدة الفاعلين الرئيسيين يدلون بشهاداتهم أمام الكونغرس ستُظهِر نتائج التقرير بصيغة أسهل في الاستيعاب”.
ويعتقد ستاير أنَّ شهادة محامي البيت الأبيض السابق دون ماكغان، الذي كان شاهداً رئيسياً على أكثر وقائع عرقلة العدالة المحتملة الواردة في تقرير مولر، يمكن أن تساعد في التأثير على الرأي العام كما حدث عندما أدلى جون دين، محامي البيت الأبيض السابق في إدارة نيكسون، بشهادته عام 1973 أثناء تحقيقات “ووترغيت”. وحين بدأ المُشرِّعون الجمهوريون يتخلون عن نيكسون (وهو رئيس من الحزب الجمهوري)، استقال قبل أن يُعزَل.
لكنَّ الديمقراطيين في مجلس النواب يواجهون مقاومة شاملة من البيت الأبيض بعدما وجَّه ترامب أوامره للموظفين الفيدراليين السابقين والحاليين، بمَن فيهم ماكغان، برفض طلبات محققي الكونغرس.
فقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي: “إنَّنا نقاوم كل طلبات الاستدعاء”. ويُقوِّض هذا النهج بشدة قدرة الكونغرس على ممارسة الرقابة على رئيسٍ لا يرى قيوداً تُذكَر على سلطته التنفيذية، وربما يضيف ضغطاً على الديمقراطيين لضغط زر الأمان التشريعي النهائي.
قال راسكين: “علينا التزام لصون العهد مع واضعي الدستور، وأيضاً لدينا واجب محوري تجاه مَن هم أحياءٌ اليوم وتجاه الأجيال المستقبلية لوضع معيارٍ للسلوك الرئاسي”. وأضاف: “بعد حديثي مع زملائي، أعتقد أنَّ العبء الثقيل لمسؤوليتنا الدستورية بدأ يقع على كاهل أعضاء الكونغرس”.