طبقة سياسية منبثقة من ميليشياوية مافيوية على جوانبها طحالب اوليغارشية !!
بِقَلَم العميد منذر الايوبي*
مرحلة تغيرات تعصف ولا تزال بدول إقليمية ودولية تلوح تتبدى وتترجم روتينيآ وديمقراطيآ انتخابات نيابية او رئاسية إن مبكرة ام في آوانها المستحق؛ سواء ضمن مهل دستورية محددة ملزمة او لطارىء ما فرض إجراءها ..!
-في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نظام سياسي معقد، جامع بين حكومة دينية “ثيوقراطية” وحكم ديمقراطي توأم. أدواته شبكة من مؤسسات الحكم والسلطة بدءآ من المرشد الأعلى إلى رئاسة الجمهورية والحكومة على صعيد السلطة التنفيذية او الإجرائية. مجلس تشخيص مصلحة النظام، مجلس صيانة الدستور، مجلس البرلمان أو مجلس الشورى على صعيد السلطة التشريعية. وبعيدآ عن اي تشابك او تضارب في الصلاحيات، اجريت انتخابات رئاسية قبل آوانها، أدت إلى وصول الاصلاحي د.مسعود بزشكيان إلى رئاسة الجمهورية، خلال مهلة دستورية لم تتجاوز 40 يومآ من حادث تحطم الطوافة العسكرية التي اودت بحياة رئيس الجمهورية في حينه إبراهيم رئيسي ومرافقيه ..
-في بريطانيا 48 ساعة كانت كافية لتشكيل حكومة جديدة بعد ان حقق حزب العمال فوزا ساحقا في الانتخابات العامة، منهيآ 14 عاما من سيطرة حزب المحافظين على السلطة. تبعها مباشرة تعيين “كير ستارمر” رئيسًا للوزراء الجمعة الماضي ، متسلمآ مهام منصبه في 10 داونينغ ستريت من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حكمآ “ريشي سوناك”..
-في فرنسا لم يكن مفاجئًا أن يحرز حزب “التجمع الوطني” الذي يمثل تيار اليمين المتطرف بقيادة “مارين لوبان” الأغلبية في الدورة الاولى من انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان) الفرنسية، تلتها الاحد الماضي الدورة الثانية التي خلطت الأوراق مجددآ ليتقدم اليمين شعبيآ بحجم الناخبين رغم تقلص عدد نوابه عن الدورة الاولى، كذلك وصول خليط متشابك من احزاب اليسار المشرذم والوسط “الماكروني”.. وبصرف النظر عن تحالف مستوجب بات ضرورة لحكم سوي متناغم مع رئيس الجمهورية فان السمة الاساسية كانت التزام الدستور ومبادئ الجمهورية الفرنسية الخامسة..
-خلال الاسبوع الاول مِن شهر حزيران الماضي اجريت انتخابات البرلمان الاوروبي لعام 2024 لملء 736 مقعدآ يمثلون 27 دولة عضو في الاتحاد، اسفرت عن صعود اليمين المتطرف الذي استثمر بذكاء التحولات السياسية والمشكلات ألإقتصادية الأوروبية كما الحرب الاوكرانية-الروسية …
هذا المقتطف من سردية سياسية – انتخابية لا بد ان تُطرح تساؤلات حول طبقة سياسية عارية مِن حياء بعيدة عن عقول راجحة تجذرت أصلآ من بيئة ميليشياوية مافيوية نمت عَلى جوانبها طحالب عفنة لاوليغارشية كامنة كدهون سنام البَعي ملتصقة في حشايا الدولة الضحلة تمتص دماء اللبنانيين دون هوادة او ندم.. متفلتة مِن مصلحة وطنية ترفع شعارات كاذبة دافع سخرية، تدعو لمزيد مِن اليأس والأسف بعد ان سقط في بلاهة متاهة البلد الديمقراطي الاول في هذا الشرق العربي.. وما يزيد الوضع تعقيدآ مشهد مرعب يتزامن مع عجز عن اجراء اي استحقاق انتخابي سيَما انتخاب رئيس للجمهورية مع ترويج تمديد للمجلس النيابي الحالي إن استمر الحال وتمادى في المآل..
تاليآ؛ امام انسداد مؤسساتي مستمر اصبحت الاستحقاقات الدستورية ازمة نظام مشكلة وليست حلآ.. اضحى الوعي السياسي السيكولوجي (التلقائي بداهة) خارج عن عقلانية في غربة عن ادراك حسي لخطورة وجودية الكَيان الوطني.. واذ بَقي نمط الخطاب اجترارآ لطروحات بعيدة عن عمق التراجيديا اللبنانية فإن المَسار الزمني للفراغ الرئاسي والحراك النيابي والديبلوماسي لكتل ولجان أمر مثير للقلق (دون مسايرة او التزام نظرية المؤامرة) فإن اللجنة الخماسية الدولية-العربية بصورة خاصة تمارس وإن أنكرت لعبة المماطلة ايضآ سواء قصدآ او عن غير قصد وفي كلا الحالين تناغم مؤسف جلي مع عَتَاهيَة اطراف المعضلة السياسية..
ثم ان الترويج لتقارب ولوج حلول اقليمية تلوح في الافق، ما يستوجب تسريع المفاعل السياسي يتخطى انتظارآ هدف إتمام الاستحقاق الاول، وبالتالي ضَمان جلوس الحكومة اللبنانية عَلى مقعد طاولة التسويات الاقليمية لَيسَ اكثر مِن فرمان همايوني كتب بحبر واه ومضمون فارغ، اذ ان كل ما يحاك ويطرح لا يتعلق سِوى بحزب الله في نفوذه الداخلي وقدراته العسكرية هدف ضَمان امن اسرائيل وحدودها الشمالية لا اكثر ولا اقل..!
ختامآ، الحالة الراهنة تَجلٍ لابعاد لا عقلانية في الحياة السياسية الراهنة، اذ نجحت في انعكاساتها تعميق هوة الانقسامات، لَم تعد الشروخ الشعبية الطائفية والمناطقية شروخآ، نحن قوم ارتددنا وارتضينا ان نجتر آلامنا والاحلام، اعتدنا تكاذبآ عن تعايش ورسالة حضارية، ثم تأقلمنا مع فراغ وفساد.. ولنا عبرة في الآية الكريمة” -“إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”.
طرابلس في 09.07.2024
*عميد متقاعد، كاتِب وباحث