ضياع وطن.. مؤتمر باريس آخر فرص الاهتمام الدولي بلبنان..!
بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
بين ثلاث تتموضع الجمهورية التعيسة كيانآ ومكونات بكل مآسيها والمعاناة.. في الفكاهة Humour “شر البلية ما يضحك”، كوميديا تهريجية تعرضها الشاشات تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي وتمارسها شخصيات سياسية دون استحياء او خفر.. برامج “التوك شو” كما التغريدات على تنافس حصد نسب مشاهدة مرتفعة، لها نجاح إن استضافت طريفاً مُذَخراً كم معلومات صنف تسريبات مُلقمات، إن أسْمَنت فلا تغنِ من جوع، وإن أُسنِدت للقاءات خاصة فمشربها ميل وهوى او تنصت على سرية كولسات من صنف مؤامرة، نصب افخاخ خلف ستارة اجتماعية..
اما اصحاب الخبرات المعرفية المتعمقة في عوالم التحليل السياسي والبحث الاستراتيجي فيشاركهم ألآراء احبار رصد وتنجيم، حد انتفاخ تسويق نظريات تتجاوز المحلي الى الاقليمي؛ ربط بِنِسب مع اطراف مثلث استراتيجي متساوي الضلعين في قمته الولايات المتحدة وطرفي القاعدة “فرنسا والمملكة العربية السعودية” من جهة وايران الاسلامية من اخرى، مطبقٌ على خناق الوطن دون خلاص او مناص..
في التَفَكه Bantering نوع من استمتاع او تلذذ سببية طعام او كلام، كما تأتي الكلمة في معرض التندم او الاغتياب..! روح الدعابة فيها من الذوق واللياقة الكثير عروة وثقى بين ثقافة نضج وذكاء كما السياق، تنعدم لدى بعض ساسة النظام لتنقلب تصريحاتهم كما سلوكياتهم نوع من الاعيب الخفة حد الاستخفاف، يتعذر احتواءها او اعتبارها من بداهة حس النكتة إزاء يوميات شعب يتألم.. وضوح لا ارتياب في انجراف المسار عمدآ عن الوجهة الوطنية الحقة وحقوق الناس دون تفسير، بعدٌ عن منطق وبون شاسع عن عقل…!
في الازدراء Péjorative، يعتبر بحق الاديان صنو تجديف يصنف في خانة التجريم رغم جدلية تحديد المفهوم، لأهل البلد والشرائح الاجتماعية حَطٌ من قيمة، هتكُ حُرمة، اهانة او امتهان، مصطلح احتقاري قد يكون تلميحآ او مباشرة، ما يدور في قاعات السلطات الثلاث يُظهر السياقات غالبآ..
ثُم ان بين ثلاث يُساس البلد؛
-في التناقض Inconsistency اختلاف او ازدواجية، شبه فرق بين الفجور والتقوى، ظاهرة نفسية سلبية اصيب بها معظمهم، اذ قالوا كذبآ فيما هو مرئي ساطع، استحالة جمع طرفي النقيض إن المصلحة الوطنية اقتضت، لجوء الى اعتناق الخديعة قولآ وفعلآ واسلوب حياة مع قلق نفسي تراكمي دائم..!
-في التفوق Superiority مفهوم علو او ارتفاع، تميز قد يدفع الى السيطرة الا ان الاخيرة لا تؤهل للتفوق، مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية صنف لبنان في المرتبة 154 من اصل 180 دولة. (تفوق في الفساد).! للملاكم Mike Tyson عبارة غير مدرجة عبرة في ارشيفنا الوطني: (أُفضل ان اكون الاول مع جيوب فارغة من ان اكون غنيآ في المركز الثاني).!
-في التنفيس Abréaction نوع من تطهير Cleansing، ازالة العُقد بالتحليل النفسي عبر استرجاع تجارب (الهندسات المالية) على سبيل المثال ثم تفريغها بالصدمة؛ مفهوم اعتمده سيغموند فرويد لعلاج اعراض “التحويل الهستيري” Hysterical Conversion البادية على الوجوه المتجذرة في وضاعة الانفس بعد حضور البعثة القضائية الامنية الاوروبية..!
من جهة اخرى؛ المنطقة والاقليم على منحنى تغيير المعادلات الجيوسياسية والاولويات الاستراتيجية. من عناصره:
-ان الأفق مزكوم الى أَمد بما تنفثه المنظومات الصاروخية في الفضاء الاوكراني الملتهب.
-ان القطع البحرية الحربية الاميركية والصينية تتواجه حتى الان في المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي بعدسات مناظير الليزر التلسكوبية ورادارات “صفيف المسح الالكتروني النشط” AESA.
-ان سلسلة تصنيع المسيرات الكاميكازية الايرانية لا تتوقف ودورنات « شاهد 136 » تتوالد في تسارع يؤمن حاجة القوات الروسية على الجبهة الاوروبية. -إن إشهار اليابان عقيدتها العسكرية الجديدة: “حق القوات اليابانية بشن “ضربة مضادة” ضد دول معادية حين تكون اليابان عرضة لتهديد وشيك، أو في حال تعرضت دولة صديقة لهذا التهديد” مع تخصيص 320 مليار دولار لتعزيز قدراتها العسكرية، رسالة بالمغلف الاميركي للصين التي تمثل تحديآ استراتيجيآ ولروسيا التي تعتبر مصدر قلق للأمن القومي الياباني.
-اعلان المستشار الالماني اولاف شولتس رفع مستوى الجيش الالماني ليصبح اكبر جيش في حلف شمال الاطلسي وستخصص الحكومة 100 مليار يورو لهذا الهدف. الخ…
من هذه المنطلقات الساخنة العصية على المعالجات يمثل اجتماع باريس الشهر الحالي آخر فرص الاهتمام الدولي بالازمة اللبنانية، وسيضم الى طاولته كلآ من الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر، دون استبعاد دعوة إيران اليه، اذ يمثل حضور الاخيرة استثناءً عن المؤتمرات السابقة مؤشر عبور الى اتفاق “الصفقة الكاملة” Full Package بدءآ بانتخاب رئيس للجمهورية المأزومة الى وضع خطة الانقاذ الشاملة والتزام تنفيذها بكامل بنودها؛ مما يعني فرضها (خطة الانقاذ المالي والاجتماعي الاقتصادي) بالرضى المعيوب من خلال جملة حوافز، اذ ان توافد البعثات القضائية والامنية الاوروبية الى بيروت لاستكمال تحقيقاتها في جرائم مالية وشبهات غسيل اموال تطال حاكم المصرف المركزي ومصارف لبنانية تجارية، نوع من هز جدي للعصا الاوروبية بعد اولى غليظة تمثلت في العقوبات الاميركية المتزامنة مع منع المدد من “الغاز المصري والتيار الكهربائي الاردني”، اما ترسيم الحدود البحرية ففاتورة مستحقة للكيان العدو وجزرة قابلة للهضم محليآ مؤجلة مرحليآ قد تقرش لاحقآ نموذجا مقبولا لترسيم الحدود البرية، يبقى ان تأخير فتح الابار وتريث الشركات في بدء التنقيب والاستخراج سيكون ثالث الأثافي لا بل حافز الإذعان النهائي..!
اخيرآ، من الحكمة والبصيرة قد يكفي قليل ينقذ ما تبقى من أشلاء وطن وهيكل مواطن؛ اذ ان سقوط مؤتمر باريس سيشكل الضربة القاضية نعي الاهتمام الدولي بلبنان الكيان والصيغة، ما يعني استمرار الامور في انحدارها الى المجهول، وبالتالي فإن فرص عودة الوطن الى سابق عهده تتقلص او تنعدم، وجذوره التطورية المشتركة كما تراثه الانساني الاستثنائي سيضيع الى الابد..
بيروت في 18.01.2023