شرق المتوسط … أولوية فرنسية بمقدمات “لبنانية
بقلم نمر أبي ديب*
أكَّدَت “المبادرة الفرنسية” على مركزية الدور الإستثنائي الذي يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه لبنان ونجاحه في بلورة إطار سياسي شبه جامع حول الملف الحكومي وتحديداً في ما يتعلق بتكليف السفير “د.مصطفى أديب” لتشكيل الحكومة الجديدة ضمن خطوات متقدمة ساهمت بتأمين عودة “أوروبية” فاعلة إلى المنطقة بهيكلية ” فرنسية ” وحضورين ” سياسي ودبلوماسي” بعد التجربة العسكرية في “ليبيا” المُتَمثلة بقوات التحالف، وأيضاً في وضع لبنان الدولة ” بمؤسساته الداخلية وإداراته الرسمية ” على منصة الإنتظار السياسي لما هو متوقع أو منتظر من دعم صحي إقتصادي مشروط بالإصلاح إضافة لجهود يمكن أن يُقدمها المجتمع الدولي تجاه “لبنان” لمواجهة أزمتة الإقتصادية من جهة وإعادة الإعمار من جهة ثانية بعد تفجير مرفأ بيروت، في مشهد بات أقرب اليوم إلى تدويل الأزمة اللبنانية من خلال عقد سياسي جديد قائم على سياسة ” الدمج الفرنسي ” بين مشروعين “التغيير والتطوير” من طرح مشاريع تأسيسية كُبرى تُعيد البحث بتركيبة النظام اللبناني إلى نقطة الصفر وهنا يُدرك الجميع ومن ضمنهم فرنسا حجم التكلفة “الإقليمية الدولية” وأيضاً اللبنانية الداخلية التي يتطلبها نجاح هكذا مشاريع في بلد تحكمه الطوائف تُسيطر عليه الأعراف ويسوده إنقسام عامودي تاريخي حول الهوية السياسية للدولة والإنتماء.
بالرغم من إستثنائية “الدور الفرنسي” في لبنان ومركزية “الإنجاز اللبناني في مسار العودة الأوروبية إلى المنطقة” تبحث “الإدارة الفرنسية” اليوم عن “ركائز شرق أوسطية” لتثبيت حضورها السياسي والإنتقال من مرحلة الروابط التاريخية الجامعة مع لبنان إلى ممارسة الدور الفاعل لا بل المؤثر في مُجمَل الملفات السياسية والأمنية العالقة على الساحة الإقليمية وهنا بيت القصيد والجزء الواضح أو المكشوف من إستراتيجية الوجود الفرنسي في معركة التصادم النفطي مع “تركيا” “شرق المتوسط”، حيث تجدر الإشارة إلى “مفصلية هذه المواجهة” ودورها المتقدم في بلورة الإطار العام للأدوار السياسية في المنطقة إبتداءً من “الزعامة السنية” مروراً “بتوازنات المحاور الإقليمية” خصوصاً بعد الإنكفاءالسعودي عن المشهد اللبناني وتبعات “حرب اليمن”، وصولاً إلى مساحات الإنتشار السياسي في المنطقة وأولويات التموضع العسكري في المراحل المقبلة على ساحل المتوسط.
كشفت أحداث “4 آب” حجم التهديد الأمني الذي شكله تفجير مرفأ بيروت لدول المتوسط، وكشفت أيضاً حجم الحاجة الدولية وأيضاً الإقليمية إلى ورقة إستثمار رابحة في ” ساحل المتوسط ” لفرض شروط التوازن السياسي والعسكري مع روسيا والشروع في حياكة مرحلة جديدة من الحضور الدولي الإستثنائي في المنطقة على قاعدة المثالثة الدولية في القرار الإقليمي روسي أميركي فرنسي إنطلاقاً من “لبنان” مروراً بحدود “الجرف القاري التركي” شرق المتوسط وصولاً إلى تأكيد العودة الأوروبية الفاعلة في المنطقة من خلال الدور الفرنسي وأيضاً التأكيد على ثنائية إقليمية وازنة إيران تركيا مع واجهة عربية ورعاية عالمية.
السؤال اليوم هل باتت ورقة “الأستثمار اللبناني” ضرورة فرنسية لحسم التصادم النفطي شرق المتوسط؟ هل بات التغيير اللبناني الذي يُنادي به الرئيس “ماكرون” “ركيزة أساسية” و”ضمانة وجودية” للدور الفرنسي المُستقبلي الفاعل والمؤثر في سياسات المنطقة؟ أم ما يجري اليوم لا يتعدى في إيطاره السياسي حدود الإستثمار الفرنسي في فراغ الموقف الأميركي الغائب عن المشهد الإقليمي بفعل الإنتخابات الرئاسية؟
مما لا شك فيه أن الروابط التاريخية الجامعة بين “لبنان وفرنسا” عامل مُكمِّل وأساس في مسار الجدية السياسية التي أنتهجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع لبنان، وجزء لا يتجزأ من منظومة الوعي الفرنسي القادر على توفير كافة أشكال الدعم والمساندة السياسية الإقتصادية والصحية في أخطر مرحلة وجودية عرفها لبنان الحديث، وهنا يجدر التساؤل عن “إعادة إعمار بيروت” وهل تمنح إعادة الإعمار الجهات المانحة أو المُنَفِّذة أحقية التموضع السياسي وحتى العسكري على ساحل المتوسط في مرفأ بيروت تحديداً؟
إنطلاقاً من ما تقدَّم يعيش الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” اليوم كما “لبنان” تجربة الدخول الإلزامي في مرحلة جديدة من السياسة الدولية شرق المتوسط يدرك الفرنسيون جيداً “أبعادها السياسية” و”نتائجها الوجودية” على المشهد الإقليمي برمته في ظل السياسة التوسُّعية التي تنتهجها أنقرة في سورية وتنامي المواد الخلافية مع مصر/ اليونان/ والمملكة العربية السعودية.
يسعى الرئيس “الفرنسي” اليوم إلى تحقيق خرق سياسي “شرق المتوسط” إنطلاقاً من لبنان الذي بات يُمَثِّل على مستوى دول المتوسط محطة إستراتيجية وقاعدة بحرية قد تساوي في حسابات البعض مستقبلاً قاعدة طرطوس الروسية.
——————–
*كاتب وناشط سياسي