شبعا إبنة حرمون مجلوة كعروس طالعة من أكمام الندى .. تنبت فيها الحكايا حيث ينبت الدحنون
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
ولهذا الجبل قدسية ، ومما يؤكد ذلك وجود العديد من الأماكن الأثرية كانتشار المزارات وأماكن العبادة سواء على الذرى ورؤوس التلال أو في الحنايا والأودية والهضاب والكثير منها قائما حتى اليوم منها ما تعرض للتدمير والخراب بسبب الحروب والزلازل ومنها ما تهدم ومنها مابقيت أثاره واضحة. ان كثافة الثلوج في فصل الشتاء تسمح لهذا الجبل بإختزان كميات كبيرة من المياه تتفجر ينابيع على جوانبه وفي أوديته منها ينابيع عرنا في بيت جن إحدى روافد نهر الأردن وفي سوريا ونبع اللدان في فلسطين، الحاصباني والوزاني وينابيع شبعا التي تعتبر من أهم الأماكن والمنتزهات السياحية كنبع عين الجوز ونبع المغارة التي يكثر حولها مطاحن أثرية تقوم البلدية بالمحافظة عليها وصيانتها باعتبارها ذات طابع أثري وتراثي.
تشكّل بلدة شبعا مع مزارعها الزاوية الجنوبية الشرقية من لبنان كما شكّلت أيضا صلة وصل بين فلسطين وسوريا ولبنان ولا سيما في المجال التجاري واستيراد وتصدير المنتوجات الزراعية والمواشي والبضائع من دولة الى دولة. وعلى الرغم من التحرير الذي شهده جنوب لبنان في الخامس والعشرين من أيار/مايو لعام ألفين، الا أن اسرائيل استمرت في احتلال المزارع التي كانت مصدر الرزق الأساسي لأبناء شبعا.
نعود الى شبعا والى جبل الشيخ بالتحديد… هذا الجبل الذي ينام في حضنه القمر ويعتمر الغمام قبعة له… تعددت أسماؤه: فهو جبل الثلج، الجبل المقدس، جبل حرمون وجبل الشيخ…
يشكل هذا الجبل القسم الأكبر والأهم والأعلى من سلسلة جبال لبنان الشرقية. وهذه شبعا التي يطل عليها الجبل الشامخ بعمامته البيضاء وكأنه وجد هناك ليقوم على حراستها. هذا الكنز الطبيعي المتمثل بالجبل والماء والمناخ يشكّل عاملا أساسيا في تعزيز السياحة.
نتابع جولتنا في بلدة شبعا… غلالة ضبابية تلف المكان وتنقشع بين الحين والآخر فتبدو شبعا مجلوة كعروس، طالعة من أكمام الندى.
وأكثر ما يلفت النظر فيها بيوتها المبنية على منحدرات صخرية وكأنها مغاور محفورة في الجبل.
نمر بالعديد من الأحياء ونقرأ على امتداد الطريق لافتات لمجموعة حارات في البلدة: الحارة الشرقية-حارة السنديانة-حارة القاطع-حارة الواسطاني…
لا بد من القول أيضا أن موقع شبعا المرتفع يجعل موسم السياحة ينقسم فيها الى نوعين: سياحة الاصطياف وسياحة الاشتاء.
وهذا ما يجعل البلدة ملكة الفصول بلا منازع… ففي فصل الشتاء يكسوها الثلج ويعيش أهلها أيام الشتاء كما الحكايات القديمة مع الموقد، الكستناء، السهرات الدافئة…
وفي أواخر شهر آذار تستقبل عريس الفصول: الربيع، فتتفتح الأزهار وتزدان البساتين بأبهى حلة من الألوان والعبير الأخاذ.
يأتي فصل الصيف فترتدي شبعا ثوبها الأخضر ويبدأ قطف الثمار من فاكهة وخضار الصيف…
وبعد انتهاء موسم الاصطياف يأتي شيخ الفصول الخريف ليهديها ثوبا جديدا أصفر اللون يلبسه لأشجارها.
بعد هذه الجولة الجميلة، نتوجه نحو نبع عين الجوز لتناول طعام الغداء. تداهمنا أشجار الجوز كزنار عريض أخضر يلتف حول النبع ويظلله بكثرة خوفا عليه من تسلل أشعة الشمس… تبتسم ثمار الجوز بفرح على أمهاتها وتتمايل الأغصان بدلال على أنغام خرير مياه النبع…
ما أجمل هذا المشهد!
قبل أن نغادر النبع، قدم لنا أحدهم ابريق ماء باردا قائلا لنا “اشربوا من مية شبعا!”
ما أعذب هذه المياه! شبعا بلدة الأعين حيث يعتقد أن أصل اسمها آرامي ومعناه فيض الماء وتدفقه. وقد يكون الاسم معناه الشبع والوفر والخير أو مشتق من سبعة أي وجود سبع أعين فيها.
من نبع عين الجوز، انتقلنا الى عين الضيعة وهناك توجد مطاحن قديمة كانت تعمل على الماء…
تنتهي الرحلة وتكاد تدمن النظر الى هذه الربوع الخضراء. تغيب الشمس، يتبدى القمر بدرا من خلال السحب المنتشرة في أعالي جبل الشيخ، يرسل أنواره ببطئ على الصخور فتلقي ظلالها القاتمة وتؤلف أشكالا غريبة تكبر وتصغر، تنفرج وتضيق تبعا لمرور السحب أمام ضوء القمر.
ابنة الجبل، سيدة الفصول، أميرة الألوان، ملكة المياه تفتح ذراعيها بحنان قائلة للزائر الكريم: أهلا بك في شبعا، ادخلها بأمان وسلام…