سيمون بوليفار صوت أميركا الجنوبية الصادق ولسانها المعبر وبطل الحرية
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
قائد استقلال أميركا اللاتينية…سيمون بوليـﭭـار
بوليـﭭـار:«إن الحرية هي الهدف الوحيد الذي يستحق التضحية بالحياة ».
وُصف بأنه من أبطال أمريكا الجنوبية، وبأنّه كان صوتها الصادق ولسانها المعبّر، وهو أحد أبطال الحرية في العالم. إنه سيمون بوليـﭭـار أحد أبطال الإستقلال في أميركا الجنوبية.
الميلاد والنشأة:
ولد سيمون بوليـﭭـار في مدينة كاركاس في الرابع والعشرين من تموز عام ألف وسبع مئة وثلاثة وثمانين، في عائلة ميسورة الحال، وبرغم وفاة والده وهو طفل، فقد تلقّى تعليماً مرموقاً. وخلال ذلك، تأثر بالفلسفة وعلم الاجتماع حيث اطلع على مؤلفات جان جاك روسو، وتركت أفكاره أثراً عميقاً في شخصيته. سافر بوليـﭭـار في مطلع شبابه إلى فرنسا حيث التقى هناك بعض العلماء وأهل الفكر، ومنهم من أنبأه بأن المستعمرات الاسبانية يمكنها أن تستقل، لما تعانيه المملكة الإسبانية من ضعف ووهن. فلاقت هذه الأفكار اهتمام بوليـﭭـار وأخذ يطمح إلى تحرير بلاده.
عصر بوليـﭭـار والخبرات التي مرّ بها:
في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، كان جزء كبير من أراضي أميركا الجنوبية لا يزال خاضعاً للسيطرة الإسبانية عبر نظام المندوبية، ومن ضمنها مندوبية غرانادا الجديدة حيث كانت ﭬـِنزويلا جزءاً منها. وبرغم الثقافة الإسبانية السائدة فيها، فإن سكانها وهم خليط من ذوي الأصول الإسبانية وهنود أميركا الجنوبية، باتوا يشكّلون نسيجاً اجتماعياً جديداً، يطمح للتحرر والانفصال عن السلطة الإسبانية. وقد كان سيمون بوليـﭭـار واحداً من كثيرين يطمحون لهذا الاستقلال، بعدما ضاق ذرعاً بالظلم الذي مارسه ممثلو التاج الإسباني على عامة الناس، وبعدما لمس هو بنفسه تذمّر طبقة النبلاء في غراندا الجديدة عندما تزوج واحدة من تلك الطبقة، وهو ما أكسبه خبرة للتعامل مع النبلاء وفي الوقت نفسه استفاد من زوجته في هذا المجال.
وفي تلك الفترة، باتت مملكة إسبانيا تابعة بشكل شبه تام لسلطة نابوليون بونابرت، الذي سرعان ما نصب شقيقه ملكاً عليها، لتعمها الاضطرابات وهو ما أضعف قبضتها على مستعمراتها، ومنها مستعمرات أميركا الجنوبية.
بداية الإستقلال:
ومنذ عام ألف وثماني مئة وسبعة اشترك سيمون بوليـﭭـار مع جماعات وطنية في التخطيط للإطاحة بالسلطة الحاكمة في مندوبية غرانادا الجديدة، ونجحوا بذلك في نيسان عام ألف وثماني مئة وعشرة وقامت سلطة عسكرية بقيادة فرانشيسكو ميراندا. وفي عام ألف وثماني مئة واحد عشر أعلن المجلس الوطني استقلال ﭬـِنزويلا فانخرط بوليـﭭـار في الجيش وترقّى الى رتبة عقيد ثم عميد. ومن ثم كلف بالسفر إلى انكلترا طلبا لمساعدة حكومتها. وبرغم فشل مهمته، فقد حصل بوليـﭭـار على مكاسب أخرى عبر اطلاعه على أنظمة مؤسسات الحكم الدستوري هناك. وبعد عودته إلى ﭬـِنزويلا تابع بوليـﭭـار المشاركة في قيادة الثورة. لكن فرانشيسكو دي ميراندا قرر الرضوخ لهجوم إسبانيا المضاد على ﭬـِنزويلا، فعقد الهدنة معها عام ألف وثماني مئة واحد واثني عشر ، وهو أمر أثار سخط بوليـﭭـار، فانتقل إلى إقليم كارتاجينا إحدى مقاطعات غرناطة الجديدة، وهناك رفع لواء الثورة بوجه السيطرة الإسبانية، بعدما تأكد له وجود جماعات كبيرة معارضة للهدنة مع الإسبان.
في عام ألف وثماني مئة وثلاثة عشر انتخب بوليـﭭـار قائداً لحملة تحرير بلاده من العبودية، وبعد عدة معارك مظفّرة، دخل كاراكاس منتصرا وقد اعتبر منقذا للبلاد، فاستولى على الحكم، ولقّب بـ (الـمُحرر). ومنحه المجلس الوطني فيها صلاحيات دكتاتورية عام ألف وثماني مئة واربعة عشر. وقد وجد بوليـﭭـار أن إرساء الاستقرار يقتضي القيام بممارسات قاسية وحاسمة وخصوصاً بحق معارضي الاستقلال. هذه الممارسات أدّت إلى تنامي المعارضة له، وأسفرت عن اندلاع حرب أهلية، وهو ما سهّل الأمر على القوات الإسبانية لإعادة السيطرة على ﭬـِنزويلا وعاصمتها كراكاس. عندها التجأ بوليـﭭـار إلى كارتاجينا من جديد، حيث عاش مرحلة من إعادة تقييم الوضع، وكتب رسالته الشهيرة La Carta de Jamaica وفيها حلّل الأوضاع السياسية في أمريكا اللاتينية. وقال جملته الشهيرة: “إسبانيا ستنهزم لا محالة، لكن من الضروري أن يتحقق ذلك بأسرع وقت وبأقل الضحايا والأضرار”.
شرع بوليـﭭـار في تأليف جيش جديد للتحرير, حيث انضم إليه ثوار السهول كما انضم إليه كثيرون جاءوا من أوروبا ورأوا فيه بطلا من أبطال الحرية. وفي صيف عام ألف وثماني مئة وتسعة عشر ، قاد بوليـﭭـار جيشاً صغيراً قوامه ألفان وخمس مئة مقاتل، في واحدة من أكثر الحملات العسكرية جرأة، حيث سار بجيشه خلال طقس ماطر، وسلك طريقاً شديد الوعورة، في حين كان أعداؤه الإسبان يعتبرون المرور فيه مستحيلاً. فحقق بوليـﭭـار المفاجأة، وانقض على أعدائه الإسبان منزلاً فيهم هزيمة حاسمة في معركة بوياكا. وبعد استسلام القوات الملكية الإسبانية، أعلن بوليـﭭـار قيام جمهورية كولومبيا الكبرى عام ألف وثماني مئة وواحد وعشرين وانتخب رئيسا ودكتاتورا عسكريا.
تأسيس جمهورية كولومبيا الكبرى:
اتخذ سيمون بوليـﭭـار مدينة بوغوتا عاصمة لجمهورية كولومبيا الكبرى، أو كما أسميت رسمياً ولايات كولومبيا المتحدة. ولكن هذه الجمهورية كانت حتى ذلك الحين حبراً على ورق، حيث إن ﭬـِنزويلا وكييتو كانتا لا تزلان تحت السيطرة الاسبانية. وهكذا، وفي عام ألف وثماني مئة وواحد وعشرين بدأ بوليـﭭـار حملته لتحرير كولومبيا الكبرى من السيطرة الإسبانية، فدخل كراكاس، فحرّر ﭬـِنزويلا ثم الإكوادور، وأصبحت الدولة الفتية تضم ﭬـِنزويلا وكييتو والإكوادور وغرناطة الجديدة أو كولومبيا حاليا. وهناك جرى لقاء تاريخي بين بوليـﭭـار وبين خوسيه سان مارتين، بطل تحرير الأرجنتين والتشيلي، ولكنهما أخفقا في التوفيق بين خططهما لتحرير أمريكا الجنوبية وتوحيدها.
تابع بوليـﭭـار بعد ذلك مسيرته العسكرية المظفرة، فحرر البيرو ودخل عاصمتها ليما عام عام ألف وثماني مئة وثلاثة وعشرين. وبذلك انتهت السيادة الإسبانية على أمريكة الجنوبية. وفي عام ألف وثماني مئة وستة عشرين عُيِّن بوليـﭭـار رئيساً للبيرو العليا (التي سميت فيما بعد باسمه بوليفيا) وقرر ضمها إلى جمهورية كولومبيا الكبرى.
حلم الجنرال:
لقد كان الجنرال بوليـﭭـار يحلم بتوحيد دول أمريكا الجنوبية، فربط الاستقلال بالوحدة، وكان يصر عليها. فعندما قال لـه أحدهم: “ها نحن أولاء قد نلنا الاستقلال أيها الجنرال، فقل لنا الآن ماذا نفعل به”. فرد بوليـﭭـار قائلاً: ” إن الاستقلال هو مجرد مسألة كسب حرب. أما التضحيات الكبيرة فتأتي فيما بعد لأجل جعل هذه الشعوب وطناً واحداً، إننا بحاجة إلى المزيد من التضحية، فالوحدة لا تقدر بثمن”.
ولكن الطبقة السياسية في كولومبيا الكبرى لم تقدّم المزيد من التضحية والتنازلات، فقد دب الخلاف بين ولايات جمهورية كولومبيا، وبدا أن انفصالها ليس سوى مسألة وقت. وأصيب بوليـﭭـار بالخيبة والمرارة وهو يرى حلم الوحدة الكولومبية يتهاوى، فاستقال من مهامه السياسيّة ومن الحياة العامة، وعاش عزلة إرادية، قبل أن يتوفّى في السابع عشر من كانون الأول عام ألف وثماني مئة وثلاثين ، بعد حياة قصيرة لم تجاوز سبعة وأربعين عاما، لكنها كانت حافلة بالانتصارت العسكرية ومتوجة بالاستقلال الوطني.
شخصية بوليـﭭـار:
الى جانب مواهبه السياسية والإدارية والعسكرية، امتلك سيمون بوليـﭭـار مقدرة خطابية وأدبية تظهر في خطبه ورسائله. جمعت شخصيته بين القوة والضعف والقسوة والطيبة، وكان مولعاً بالشهرة والمجد.
الصفحة الأخيرة:
ما زال سيمون بوليـﭭـار يجسّد رمزاً للسعي نحو الحرية ورفع الظلم في أميركا الجنوبية، وقد أعيد إحياء أفكاره في العصر الحديث، بل إن كل ممارسات الإصلاح الاجتماعي ذات المنحى اليساري في أميركا الجنوبية بات يطلق عليها الإصلاحات البوليـﭭـارية، يذكر أن بوليـﭭـار هو اسم العملة الرسمية أيضا في ﭬـِنزويلا.