سوق الاسمنت دليل آخر على احتقار المنتجين والتجار للقانون وللدولة
“الدنيا نيوز” – محمد هاني شقير*
منذ أشهر عدة يتخبط السوق اللبناني ولا سيما سوق البناء جراء فقدان مادة الاسمنت، وارتفاع اسعارها، إذا وجدت، بشكل جنوني. الأمر الذي يرتب على اللبنانيين المزيد من الأثمان غير المحتسبة ويعرقل عمل هذا القطاع، أو ما تبقى منه، ويرفع التكاليف وبالتالي يعمق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها البلد.
وفي هذا السياق تبذل وزارة الصناعة جهدًا كبيرًا في محاولة منها لحلحلة أزمة مادة الإسمنت، حيث عقدت لهذه الغاية عدة اجتماعات مع أصحاب الشركات الثلاث المنتجة لها ومع وزارة البيئة ولجنة الرقابة التشاركية، للوصول الى حلول تريح السوق اللبناني من وزر هذه القضية.
وقد فتحت الوزارة الباب أمام الشركات الخاصة لاستيراد الإسمنت، غير أنه لم تتقدم أي شركة للحصول على ترخيص يخولها ذلك بسبب الشروط الموضوعة، والتي تجعلها في موقع الخاسر من هذه التجارة. امام هذا الواقع تجري نقاشات مستفيضة مع الشركات المعنية ومع وزارة البيئة واللجنة المذكورة بغية اعطاء تلك الشركات رخص لمباشرة عملها، غير أن خيطًا رفيعًا لا زال مفقودًا في هذه القضية. إذ أن لجنة الرقابة تمتنع عن منح التراخيص لتلك الشركات متذرعةً برفضها من قبل جمعيات بيئية، على الرغم من تأكيد مصادر موثوقة ل”الدنيا نيوز” أن عدد الجمعيات التي ترفض هي اثنتين من أصل سبعة، والرضوخ لها ليس أمرًا عادلاً، بل تسهيل تلك التراخيص هو المطلوب وبإلحاح أيضًا. وتضيف المصادر أن رفض تلك التسهيلات لا تستند الى معطيات علمية ولا سيما وأن المسؤولية المجتمعية المتعلقة على سبيل المثال وليس الحصر بالبلديات ذات الصلة، لم تمانع في استمرار عمل المقالع والكسارات المعنية بانتاج مادة الاسمنت. ورأت انه من الممكن وضع شروط صارمة تلتزم فيها الشركات وتراقبها الادارات المعنية وتسمح بها لمدة ستة أشهر، على ان يصار في نهايتها الى الكشف الدقيق على مدى إلتزام الشركات بالشروط التي وضعت بغية السماح باستمرار عملها. وحينها، يبنى على الشيء مقتضاه.
في هذا الوقت، اعتبرت مصادر أخرى متابعة لهذه القضية، أن هناك قطبةً مخفية تربط المعنيين بعضهم بعضًا؛ إذ ان مستودعات الشركات تحتوي على كميات كبيرة من الإسمنت، لكنها تدعي غير ذلك، وبانتظار أن تعطي الوزارة المعنية تراخيص العمل، فإنها ستقوم بعملية احتيالية كبيرة، تحقق من خلالها تلك الشركات ارباحًا طائلة، حيث ستعمد الى بيع مخزونها بطريقة غير شفافة وبأسعار خيالية للطن الواحد وعندما تنتهي من ذلك تصدر تراخيص متابعة العمل! وهنا يسأل متابعون لماذا لا تجري معاملة الشركات المنتجة للإسمنت كما يجري التعامل مع مَن يخزن مواد غذائية؟ وأن تقوم القوى الامنية بمؤازرة الادارات الرسمية المعنية وبإشراف القضاء المختص بمداهمة المستودعات، التي يدعي اصحاب الشركات أنها أصبحت شبه فارغة من الاسمنت، ويصار الى وضع ضوابط عادلة وصارمة لعملية بيع المخزون بما يحفظ عدم التلاعب بالأسعار وعدالة بيع الكميات، على أن يواكب ذلك تسريع الخطوات الاجرائية والضغط على وزارة البيئة ولجنة الرقابة التشاركية بغية وضع حل مستدام لهذه المعضلة.
في هذا الوقت أصدر الناشط في ثورة ١٧ تشرين المحامي حسن بزي بيانًا جاء فيه:
فتح وزير الصناعة عماد حب الله باب الاستيراد للتخفيف عن الناس ومنع الاحتكار من قبل الشركات اللبنانية الثلاثة المرخصة في لبنان، ولكن المشكلة أن أية شركة لم تتقدم حتى الساعة بطلب لاستيراد الترابة كون سعر الطن المستورد يبلغ 400 الف ليرة فيما كلفة انتاجه في لبنان هي 240 الف ليرة.
قدم وزير الصناعة بعد ذلك خطة تقوم على اعادة السماح للشركات اللبنانية بالانتاج مجدداً ضمن ضوابط بيئية وبإشراف جمعيات المجتمع المدني وبالتنسيق مع وزارة البيئة ولجنة الرقابة التشاركية برئاسة الياس سكاف، إلا أن وزير البيئة دميانوس قطار والسيد الياس سكاف يرفضان كل الاقتراحات لحل الأزمة دون تقديم بديل وهذا سيعني التالي:
1- الشركات اللبنانية ممنوعة من العمل.
2- لم تتقدم أية شركة من وزارة الصناعة بطلب للإستيراد.
3- لم تقدم وزارة البيئة أية حلول.
4- لم يقدم رئيس لجنة الرقابة التشاركية أية مقترحات.
النتيجة : فقدان الترابة من السوق قريباً وارتفاع سعر البضاعة المخزنة بشكل جنوني.
ويبقى السؤال: من يعرقل خطة وزير الصناعة؟ ومن المستفيد من ارتفاع سعر طن الترابة؟
فهل تبادر وزارة البيئة ولجنة الرقابة التشاركية على اتخاذ قرار من شأنه تخفيض الفواتير التي ترهق كاهل اللبنانيين؟ أم ستكون شريكة، عن قصد أو بغير قصد، في عملية بيع مادة الإسمنت بأسعار جنونية تكون نتيجتها قاسية على اللبنانيين ومربحة للشركات المنتجة لهذه المادة الحيوية؟
*صحافي لبناني