سوريا، أولى العَتباَّت نحو تغيرات جيو سياسية في الإقليم..؟
بقلم العميد منذر الايوبي*
بعد نصف قرن وقليل من حكم آل الأسد سقط النظام بأركانه ورئيسه خلال ساعات معدودات بالثواني من اهل الارض وهاجريها حتى الشهداء والضحايا .. تناسى الجَمعُ السؤال عن حقيقة ما يجرى او التساؤل عن خلفياتٍ واهداف..؟ اذ لم يعد من أهمية سوى عبور وادي ظل الموت (مزمور 23:4) طالما النهاية بعد يأس عميم وظلام طويل امل خلاص ..!
مما لا شك فيه ان المهندس مهني نحاَّت اتقن استخدام بيكاره تخطيطآ وتنفيذآ لتدور الدوائر المرسومة على نظام يسقط، متجاوزآ تعقيدات وتدخلات صنف هيمنة أو تقاسم نفوذ سواء في الديموغرافيا الطائفية ام الجغرافيا المفيدة او تلك المنتجة نفطآ والغنية ماءً.. كما برزت احترافية صناعة تقاطع إيجابي دولي، إقليمي ومحلي عزز قدرة صياغة مشهد جديد كمن يفكك عقد أنشوطة غليظة طوقت عنق بلاد الشام..
ثم ان انضباطية ملحوظة سجلت خلافآ للمتوقع من المجموعات المسلحة على تعدد انتماءاتها العقائدية وولاءاتها الخارجية خلفية ارتباط مع مصادر التمويل والتسليح واللوجستية، وهذا ليس بالأمر السهل حتى على مستوى الجيوش النظامية..
فيما اوحت وربما أكدت إطلالات احمد الشرع “ابو محمد الجولاني” الإعلامية وسلوكياته المدروسة ان الرجل أُعيدَ او أعادَ صياغة صورته (البروفايل) بالمقطعين الشخصي والنفسي، مؤهلآ قيادة عملية إسقاط النظام ضمن هندسة بالبعدين الروسي-التركي مع بند “الاطلاع وأخذ العلم” سواءً مباشرةً او استشفافآ ممنوحآ إمتيازآ لبعض دول الاقليم المؤثرة…
في السياق، كان الانهيار السريع مؤشر عِلمِ رأس النظام بما حُضِر ليتوجب التنفيذ، ترك المنصب ومغادرة البلاد، على إثباتِ ان الإمساك بالمواقع العسكرية وادارات الدولة أتى بسلاسة الى حد ما، خلاف مشاهد رسخت في الأذهان عن اداء دموي من هذه المجموعات المتطرفة او الاصولية مدى سنوات..
من جهة اخرى، تسارعت عودة الحياة الطبيعية في المدن السورية بالتوازي مع تسليم وتسلُم بين رئيس الحكومة محمد الجلالي والمُكَلف محمد البشير لتولي إدارة شؤون الدولة والمؤسسات خدميآ واجتماعيآ، في مرحلة مؤقتة انتقالية تأخذ سوريا الى وضع سياسي جديد بالحد الادنى امل ان يحمل من الديمقراطية والحرية الكثير، “إلا إذا”طرأت احداث تخريبية صنف تفجيرات دموية او اغتيالات على خلفية خروقات استخباراتية قد تفرض انحرافآ سياسيآ وميدانيآ مرتبطآ بالأيديولوجيا الدينية تلبي او تخدم استراتيجيات اقليمية متناقضة او متضررة ترى ان آوان تنفيذها حانَ..
يبقى السؤال عن مآل مأمول يعيد سوريا إلى الخارطة العربية نهائيآ يحفظ وحدتها وكينونتها التاريخية، ليتبدى الاحتضان العربي أمر هام ضروري دافع تحرك رئيس دول الجامعة العربية مفوضآ اجراء اتصالات وتواصل منعآ لما يحاك او يشاع حول تقسيم سوريا او فدرلتها، خطورة اشعال اشتباك عند كل مفترق حاملآ ارتدادات سلبية على الدول العربية في اقلها تغييرات ديموغرافية لطالما رغب وحضر لها الكيان العبري..
كما سيبرز الى السطح رهان توطيد قدرة تعايش بين المكونات الاجتماعية المتعددة، كذلك بين تنظيمات ومجموعات اصولية تتربص ببعضها على خلفية طموحات إعتلاء السلطة، ليصبح استقرار الحكم اكثر تعقيدآ واصعب أداءً. من هنا يأتي الحراك الديبلوماسي الاميركي استطلاعي في قراءاته الاولى التركيبة السياسية الداخلية لسوريا الجديدة وانعكاسها على موازين الاقليم، سيما بعد فرض انحسار النفوذ الايراني ليملأه الحضور التركي وربما الاسرائيلي..
في هذا الاطار وصل وزير الخارجية الاميركي الى الاردن ثم التقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هدف بحث وتحديد دور سوريا المستقبلي في ظل سلطة مسؤولة تمثيلية جامعة مانعة تسلل المجموعات الارهابية، وفي آن حريصة على احترام وحماية حقوق الاقليات الطائفية والعرقية..! كما ان ضبط التوسع الاسرائيلي على الارض السورية بند من الاولويات تلافي ارتدادات مستقبلية غير محمودة العواقب..!
تزامنآ، استبق الرئيس اردوغان زيارة انطوني بلينكن ليؤكد ان سوريا يجب ان يحكمها شعبها، وأن «تركيا ستبذل قصارى جهدها للإسهام في بناء سوريا خالية من الإرهاب» مضيفآ أن «بلاده دافعت عن سلامة الأراضي السورية واستقرارها منذ اليوم الأول للحرب الأهلية التي بدأت عام 2011»..! ما يعني ان “بذل قُصارى الجهد” التركي و”الدفاع عن سلامة الأراضي السورية” يجب ان يُقَرَش في حفظ مصالح انقرة مع تأكيد هيمنتها او (الرعاية لياقةً) على قرار دمشق السياسي والاقتصادي، اقله بصورة غير مباشرة وعلى المدى المتوسط..!
سوريا اليوم على خط الزلازل الاقليمي، الهزات الارتدادية توجب تلافي مؤثراتها بدءآ من حرب غزة، اتفاق وقف اطلاق النار المهتز مع لبنان الى استيلاء الجيش الاسرائيلي على المنطقة العازلة المنزوعة السلاح بعد السيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية في انتهاك صارخ لإتفاق فض الإشتباك لعام 1974؛ فيما اعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي ان الضربات الجوية هادفة منع حصول المسلحين على أسلحة النظام الكيمائية والاستراتيجية. اما الدور الايراني فلن يتوقف عند انحساره المرحلي في الاقليم سيما بعد انسحاب قواها العسكرية من الميدان السوري، اذ ان برنامجها النووي ورقة مساومة باتت مهددة في مهب عصف الكيان العبري الى اشعار آخر..!
في السؤال عن مستقبل سوريا السياسي مشروعيةٌ..؟ الجواب وان استند الى دستور جديد وفق القرار الأممي 2254 يبقى مبهمآ لجملة صعوبات يفترض القفز فوقها، منها قدرة احمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل الموالية على ايجاد توليفة مقبولة للحكم مع اعادة تشكيل الجيش والاجهزة الامنية؛ كذلك ايجاد حيوية دافعة لبناء تماسك اجتماعي في صلبها مصالحة وطنية تعبر الى اعتدال لا تطرف .. اضافة الى معالجة قضايا الانهيار الاقتصادي، النزوح، المفقودين ومحاكمة اركان النظام السابق المتورطة في جرائم حرب وابادة.الخ..!
دون اهمال تداعيات التنافس الاميركي-الروسي على المردود السوري بالمقياس الاستراتيجي، الغير مستبعد وليس ببعيدٍ عن محاولة واشنطن الحث على الغاء اتفاقية عام 2017 الموقعة بين دمشق وموسكو المانحة الاخيرة حق استخدام القاعدتين العسكريتين في اللاذقية وطرطوس لمدة 49 عامآ مع امكانية التجديد التلقائي؛ علمآ ان موقف الفصائل المعارضة في هذه المسألة غير واضح حتى الآن..!
طرابلس في 12.12.2024
*عميد متقاعد، كاتب وباحث