سلسلة من الرواية إلى السينما(1) فيلم “المال” للسينمائي مارسيل ليربييه Marcel L’Herbier

 

 

خاص الدنيا نيوز – دانيا يوسف*

انجذب الروائي الفرنسي إميل زولا المولود عام 1840 للأفكار الاشتراكية التي كانت سائدة في عصره فاهتمّ بالطبقات المعدومة وانكبّ على كتابة عمل استغرق فيه أقل من عامين
فظهرت روايته “المال” أواخر العام 1891 بشخصية رئيسية هي شخصية الشاب سيغموند بوش.
وبحسب الرواية كان لهذا الشاب مراسلات متواصلة مع عالم الاجتماع الألماني كارل ماركس. ويمكننا القول ان قراءة زولا لماركس أنتجت المناخ العام لرواية “المال”.
واعتبرت “المال” أول رواية جدية في تاريخ الادب تجعل من عالم البورصة والمضاربات المالية الرأسمالية موضوعا لها.
رحبّ الكتّاب والنقّاد برواية إميل زولا فور صدورها إلا أن ترحيبا أقوى كان بالفيلم الذي حقّقه السينمائي مارسيل ليربييه إنطلاقا من هذه الرواية.
كان فيلم ليربييه منتميا إلى السينما الصامتة التي كانت سائدة أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، أي انه كان عاجزا بسبب غياب الحوار عن أن يرسم حقا عمل البورصة والرأسمالية المرتبطة بها.
لكنه في الوقت نفسه عرف كيف يرسم الأجواء اللاإنسانية التي كانت تهيمن على المجتمع في ذلك الوقت.
ولعلّ ما ساعد ليربييه في جعل فيلمه مقبولا من المفكرين والنقّاد، انه نقل أجواء فضائح البورصة التي هيمنت خلال ما سمي ب”سنوات الجنون”.
واللافت هنا ان يكون فيلم “المال” لليربييه قد عرض في وقت اندلعت فيه كارثة البورصة في نيويورك وفي العالم كله، كاشفة نمطاً من الممارسة الرأسمالية عبر واحدة من أصعب مراحلها.
لكن المؤسف كان أن الفيلم لم يلق الإقبال الجماهيري، فقط لأن السينما الناطقة كانت قد بدأت تنتشر، ما جعل السينما الصامتة ضئيلة الأهمية.
تبقى الأهمية الفائقة لهذا الفيلم، أهمية تاريخية، وأهمية فنية أخرى تنبع من كونه كان، في ذلك الحين، واحداً من خيرة الأفلام التي اهتمت بنقل أدب اميل زولا الى الشاشة الكبيرة.
فيلم “المال” لم يتمكن بحسب النقّاد من أن ينقل سوى جزء يسير من أحداث وأجواء رواية زولا، على رغم فترة عرضه التي كانت في ذلك الحين تعتبر استثنائية وهي ثلاث ساعات وربع ساعة.
في ما يلي إطلالة على أحداث الفيلم:
هذا الفيلم تدور أحداثه، كما هي الحال في الرواية، حول شخصين يتنازعان في ما بينهما السيطرة على الأسواق المالية العالمية.
هذان الشخصان هما ساكار، المضارب الذي لا يتسم بأي ضمير أو إيمان، وغوندرمان، الرأسمالي الذي يقدَّم الينا في الفيلم رجلاً نزيهاً يحقق ربحه وحياته من دون ان يسعى الى إلحاق أضرار بالآخرين.
وذات مرة، وبسبب أوضاع متراكمة، يجد ساكار نفسه على شفا الافلاس فلا يكون أمامه إلا أن يراهن مراهنته الأخيرة على طيار جريء كان يستعد في ذلك الحين للقيام بمغامرة طيرانية شديدة الخطورة.
وكان هذا الطيار في الأصل يمتلك كمية لا بأس بها من أسهم شركات النفط العاملة في منطقة غويان المستعمرة من جانب فرنسا.
وينجح ساكار في مراهنته، لأن الأسهم التي كان اشتراها مراهناً عليها قفزت أسعارها صعوداً، ما جعله يحقق أرباحاً طائلة. فهل يكتفي بهذا؟ أبداً لأن الطمع المتجذر لديه يقوده الى محاولات أخرى وعند ذلك تنكشف للسلطات المالية ضروب الغش والرشوة التي لجأ اليها، وكانت هي في الأصل سبب نجاح رهانه الأول، فيُسجن.
وينتهى الفيلم بمشهد البطل قابعا فى الزنزانة يخطط كيف سيراهن فور خروجه على أسهم جديدة لكي يلبّي نهمه المَرضي للمضاربة.
وهكذا، بين نص اميل زولا وبين فيلم ليربييه، عرفت السينما باكراً بعد الأدب، كيف تخوض في واحدة من أعقد المعضلات التي كانت ذات علاقة بالمجتمع من دون أن يسبق للمجتمع هذا أن تنبه اليها حقاً: المال والبورصة.

 

——————-

رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”