رماد لا يذرى … نصوص أدبية قصيرة
المؤلف : عباس صالح
اسم الكتاب : رمادٌ لا يُذرَى…
الدلالة : ظلال خيال .. وترنيمات وجد.. وأوجاع حنين …
0
الاهداء
إلى من ضاع مني وضيَّعني في زحمة العمر وضوضائه …
… من يومها وأنا لم أستكن…
من يومها وأنا أبحث عنك … وما أزال…
من يومها وأنا أخبيء لك كلاماً كبيراً.. لأبوح به في زهو اللقاء الموعود…
لا أخفيك…
كنت رأيت بعضاً من ملامحك في وجوه بشر …
لكنك كنت تؤكد لي كل مرة … أنك مذ غادرتَ هذا الوجود، قررتَ ألاَّ تعودَ إليه، بأي وجه آخر …
إليك … أهدى هذا الكتاب
عباس
4
للقارىء تحية احترام
أمامكم ..تنحني الورود إحتراماً….
أمامكم تذوي المفردات الساحرة… وتضمحل الكلمات الطيبات، وتنطق القلوب بنبضها حروف السلام.
5
الراعي الدهري (1)
رجعت أُلَملمُ الماضي بصور ومشاهد أفكفكها…
عدت يوقظني الحنين لأتوغل في صورة محفورة في مخيلتي…
هي صورة عودة القطعان في الخريف…..
كان كل شيء عارياً تماماً مثل نايات الرعيان ..
لم يكن ثمة شيء سوى بخار….
بخار، يتصاعد من فم ذلك الراعي الدهري…
كانت قسمات وجهه حادة…
حادة حد البشاعة…
وكان يتمتم كآلهة الوجد…
يقول كلاماً غريباً عنا…
يحكي عن مرعفليوس، وبعيث، وحامات الله…وبرد الشمال.
كان يتحدث عن موت الكرَّاز كإنقلاب كوني يؤدي إلى حتمية الفناء…
وكنا حوله متحملقين، لا نفهم منه وعنه سوى انه العدو – الصديق…الذي سيكون يوماً ما، مخلِّص هذا الكون ومحرقه في آن معاً….
والآن هلموا يا أصدقاء الصبا لنعود صغارا نرتع عند بيادر القمح والعدس والتين …. فها هي القطعان عادت من جديد زاحفة إلينا لتقضم معمورتنا…
يبدو أن موت الكرَّاز تحقق…
وها هو الغريب يعود ليتمتم بكلمات لا يفهمها الإنسان …
6
الراعي الدهري (2)
ذلك الغريب الدهري الذي خطّت الازمنة تجاويفها على محياه .. وعلى جبهته يمكن قراءة أكوام من السنين والعقود …والتجارب والمحن.
ذلك الغريب الذي يتغنَّى بكرَّازِهِ الأجدب، ويجعله محطة كلام بين فكرة وأخرى، بما يجعل سامعيه يفهمون أنه المحور الذي تدور حوله الأحداث الكونية… من أجله يتقاتل أبناء البشر.. لمقامه يتذابحون.. ولإسعاده تحرَق الاجساد والمكتسبات والارزاق والانجازات الانسانية الكبرى.. وله يقدِّمُ الإنسان أخيه قرباناً.. وكرمى له يعرِّض البشر وجودهم للفناء…
يحكي الغريب عن الكراز أكثر فيقول إن بشراً من كوكبنا وطينتنا لا يقتلون شعوباً بكاملها فحسب، من أجل إرضائه، بل ينتحرون بقتل أنفسهم من أجله!!!
تخايل ..أي كرازٍ عندي، يقولها وهو يقهقه بضحكة يابسة!!!
في ذلك الزمن العتيق، كنت، مع كل صغار الأحياء نطيل التحملق حول الغريب لنستمتع بسماع كلماته المدهشة، وتدغدغنا ضحكاته المفعمة بالشماتة والاشمئزاز كلما عاد للحديث عن كرَّازه الكوني معتدَّاً .. كان ثمة إشارة ثابتة تحدث فتزيد الغموض غموضاً وتدخلنا في عالم الأحجية من جديد.. وتلف المكان برهبة سحر مرعبة… فكلما كنا منجذبين بسحر حديث الغريب، كانت تغطي سماءنا أسراب كثيرة من السنونو وهي تعزف لحن الرحيل….فنلتفت جميعاً نحو السماء لاستشراف أسباب هجرة الطيور المبكرة … وما هي الا هنيهات حتى يشيح واحدنا بعد الآخر بنظره عن السماء، بعد شعور عميم بالخيبة، وعدم قدرة أي منا على إقناع طيور السلام بالعودة عن قرارها، والبقاء في سماواتنا لحماية أرضنا من الدمار المقبل تماشياً مع القواعد التاريخية القائلة بأن مغادرة الطيور فأل شؤم على البلاد والعباد…
آنئذ كان كل منا ينسحب من الصور السوداء ويعود ليشغل تفكيره بمحاكاة الغريب … فنُفاجَأ بانه اختفى من بيننا مع قطيعه والكراز….
7
الراعي الدهري (3)
كنا حين تكفهر الفصول.. وتبسط الارض زراعيها للمطر … ننتهز فرص الصحو بين الشتوة وأختها لنخرج إلى مراتعنا الخريفية المعتادة، حيث ينتهي بنا المطاف عند كل غروب في تلك المحطة.. عند جلول التينات المعمرة.. نتجمع فيها من دون موعد .. لننتظر عودة ذلك الراعي الدهري، ذو الملامح الحادة، فنتحملق حوله، على طريق إيابه نحو موئله الملاصق لمراح قطيعه…
كنا نطرب لتلك النغمة الأزلية الساحرة التي يصدرها حفيف سير القطيع، على ايقاع دقات الجرس المعلق في عنق الكرَّاز وهو يلوح يمنة ويساراً…
كانت موسيقى مرتصفة في غاية الجمال .. تحاكي هيام ارواحنا التواقة لكل أشكال فنون الخلود …
كانت أيما موسيقى.. تجعلنا ننصت كنسَّاكٍ في صومعة عبادة.. ونحن نحدق في قسمات وجه الراعي الدهري، كما بحركة أصابعه، وهو يراقصها على فتحات الناي او ما يسميه المنجيرة بين يديه، فيتمكن عبر موسيقاها الشجية من ايقاف القطيع وكرازه… لتنصت بمهابة الى جلال ألحانه الشجية .. مثلما يأخذنا نحن الفتية في رحلة وجد أخرى، نكتشف من خلالها سحر الوجود وأبهته…
شعور غريب كان يخالج كل منا ونحن ننظر الى خفة أصابع ذلك الراعي الدهري …
كنا نحدق في اصابعه تلك كما لو انها أصابع إله عظيم ..تحرك السحاب .. وتبدل الغيوم .. وتسكب المطر….
8
الراعي الدهري (4 )
كلما توغلت في المدى الأبعد.. تتبدى أمامي صورة ذلك الراعي الدهري بكل تفاصيله .. وتقفز الى مخيلتي تلك التعرجات التي طبعها تراكم الأزمنة على محياه العتيق…
كان يتمتم بكلمات ثقيلة لا نفهمها إلا في السياق … كان يتحدث مثلما يعزف على نايه المعتق الذي احتزه منذ سنين .. من غصن لزَّابةٍ وارفة جردية معمرة في رأس الجبل، قبل ان يحفره بمسمار مقنزح .. أوصى العمة بشرائه من سوق المدينة عندما تحضر لتبيع الحليب…
كان الراعي الدهري يتفوه ببضع جمل غريبة تتضمن مفردات، يُستَوحَى منها أنه سيعزف لنا بعضا من مقطوعاته الشجية، ثم يحمل نايه المتعب كما يحمله كبار العازفين، ويبدأ بالعزف الشجي ليس وفقاً لقواعد موسيقية ممنهجة … لكنه يؤديها بسليقية تفوق كل مدارس النوتا….
وعندما يشعر انه نقلنا كما نقل قطيعه على جناح معزوفته الشجية الى عالم السحر والابهار… كان ينهي العزف قطعاً تنفطر معه أفئدتنا نحن الصغار المتحملقين حوله عند بيادر التين ….بما يجعلنا نبدأ في عد الثواني للقائه مجددا عند مغيب يوم آخر….
9
مهلاً يا رحيل
مهلاً يا رحيل …
يا مدى الشوق المسافر في دمي …
كنت عمراً عائماً تعدو ..بلا بوصلة ولا منارة…
وصرت جعبة تفيض بحكاياتٍ وعِبَرٍ لولبية…
وقصص حادة تجرح في معظم الاحيان…
تمهل قليلاً… فليس من يسابق الريح مثلك بلا قصيد…
وليس في الماء سواك يغازل الاعاصير، ويتحدى الانواء …. وتيارات البحر القاتلة..
ليس سواك من يداعب الريح ويلاعب الضباب…
ليس سواك من يغازل الهواء وهو يحلم بالماء… ثم الماء …ثم الماء….
10
يا شمعة الروح
أتعلمين حقاً يا شمعة الروح.. أنني ضيعتُ عمري لاهثاً أعدو وراءكِ؟ بل أفنيت ما مضى من حياتي في البحث عنكِ؟
أتصدقين أنني كنت أمتطي الليالي لأسترق لحظات الغفوة علني أحظى برمشة حلُم تجمعنا ولو على صهوة رؤيا؟
أتدركين أنني كنت أنتظر لحظات اللقاء بكِ بأقسى من عقوبة تعداد الثواني وترقُّب تتاليها؟
هلَّا علمتِ بأنني كنت أنبض تماهياً مع نبضاتك التي أتخيلها، وأنني كنت ألهج باسمائكِ الحرَّى، وأنني كنت أتنفسكِ حدَّ الذوبان فيكِ، وأنني كنت مسحوراً برمشاتكِ قبل أوان السِّحْر، وبأنني كنت أمنِّي الروح برؤيتكِ، ولو من خلال رمقة خجل تعتصرني وتعيدني إنساناً من جديد؟
هل تعرفين بأنني كنت طفلاً يتلاشى عند ذكراكِ… يتغشاه الحلم.. أنسحب لتوِّي من واقعي، وأسرح في عالم الخيال… أحلِّق بعيداً، أتخايلك امرأة ندية.. على شكل حورية… أعيش معها كل طقوس العشق وأشكال الغرام… كنت أعيد تكرار المشاهد في مخيلتي مرات ومرات.. حتى أطيل التوهان في سكرات اللذة، وفرحة الاحلام…
كنتِ يا شمعة الروح … علَّة وجودي.. بل كنتِ الوجود…
وصرتِ الآن أيقونة حُب .. تشبه السراب.
11
نقطة
تلك الدمعة التي تجمدت دهراً في عين الزمان، سالت بعد حين …وصارت انهاراً فاضت بها الارض، وضاقت عليها بما رحبت، وها هي تبحث الان عن ثقوب تتسلل عبرها نحو اللامكان… |
12
أرصد قحطاً
أحدق في المدى الأرحب … فأرصد أرضاً جدباء لا زرعٌ فيها .. ولا نخيل ولا ورود…
أشهد قحطاً خالياً .. سوى من بعض سنابل .. هي لزوم استمرار وجوه الحياة … وتجددها مع الفصول ..
حتى الزهور …ذبلت على أمها .. ما عاد من يسقيها…
وحواشي العمر الجميل إنقرضت … مذ دخلنا في عتم الحداثة … ومنذ أن نهشت أفئدتنا نيران الغيرة والتماثل .. ومنذ بهرتنا الآلة .. وسحقتنا معادلات الإثراء السريع تحت عجلاتها المدمرة …
أحدق في المدى والارض جدباء … لا كلأ فيها ولا حب ولا وفاء .. ولا حتى صور حياة.. سوى الصخب والصخب عقيم …
أحدق في هذا المدى القاحل باحثاً عن أسباب جمود الحياة عليه.. فأرصد أوبئة فتاكة تطيح بالنفوس الحية متى لامستها…
رأيت حقداً وكراهية وبغضاء استوطنت نفوس البشر … وقتلت كل وجوه الحب والحياة على هذه المعمورة …
13
أبحث عنه
أبحث في ذُرى الماضي التليد عن عينين شاخصتين نحو السماء ، ويدين مرفوعتين إلى العلى، وكفين مبسوطتين ترجوان رحمة الخالق وبعض عطياته….
أكثِّف البحث في ملفات الذاكرة المثقلة بتراكم السنين وصدأ الأيام ..عن صورة ذلك العجوز الوقور ذو اللحية الخفيفة المخضبة بشيب الورع، وهو يتمتم بكلمات ذات شجن.. هي عبارات لكن لها وقع موسيقي قد يضاهي معزوفات بيتهوفن وموزار …. جُمَلٌ تشنَّف لها الآذان، وتطرب لها الأسماع وتتفاعل معها الروح إلى حد النشوة….
في سكرة المشهد كانت جموع الناس تترى وتلتف حول ذلك العجوز، لتستمتع بصوته وكلماته والشجن …..
إذذاك أسكرنا الحنين ونحن نحدق في أبعاد الصورة.. والرجل يكمل تمتماته وكلماته غير آبهٍ بالعبيد من حوله….
بل كان كلما تكاثرت الجموع من حوله إزداد ترنيماً وصدحاً، وازداد انقطاعا عمن حوله …
14
لوحة في مقهى عتيق
لوحة في ذلك المقهى العتقي … تواعدني !!
مجرد لوحة تراودني .. تستفز مخيلتي … تحاكيني… تخاطبني بالمباشر وتشير إليَّ بالبنان.. لتخبرني عن ردح من العز في أزمان البراءة ….
لكأنها تهمس لروحي في وجل ؛ كانت الخليقة طاهرة بطهر الكلم وكانت البداية كلمة …
مع تقادم السنين وتراكم عثرات البشر.. صارت الطهارة براءة … بعد أن تلوثت بماء فاسد إختلط بينبوع الحياة …
وبعد عقود البراءة يا بني … أدى فساد الماء إلى استفحال أمراض الانسان على اختلافاتها فصار الزمن مريضاً … وبعد المرض استفحلت الشرور فاستحال الشر عنوانا للحقبة الزمنية…
والشرور كما تدري، ايها المحدق في جبلة الغيوم وما تحجب خلفها، لا تستجر سوى الحروب والويلات، ودمار الأرواح قبل دمار المعمورة…
وزمن الشر إياه إستخلف الظلم … والظلم أسس للظلام وزيَّنه..
والظلام إستباح الانسان ومقدساته… وبات القتل هو الزمن … وهو العنوان وهو أحجية القضية….
في هذا الزمن …. قُتِلَ الانسانُ ما أكفَرَه ….
15
ماء النار
لم أتحدث، سوى عن تلك الدمعة التي تجمدت دهراً في حدقة عين إله الظلم، قبل ان تتدحرج على خد الزمان، وتصبح ماء نار ، أحرقت حتى الآن ما يوازي نصف كوكبنا وأكثر، ومن يدري ؟؟؟ ربما تذيب البقية الباقية، ما لم نفتح لها كوة في الجدار المؤدي الى العدم….ونسهل أمامها طرق الخروج….
16
عبودية أزلية
منذ فجر الوجود، وحتى يومنا هذا، ما زال الانسان يدور في فلك عبادة الاصنام، وما زال أبو جهل يصنع إلهه بيديه، ويأكله عندما يجوع.
واهِمٌ من يزعم أننا خرجنا إلى النور، أو تحررنا من الظلام..
17
بئر السنونو
في بئر السنونو كتابان ومحبرة … وقارورة عطر .. وزيت للقناديل ….
في بئر السنونو كثيرٌ من الاحزان … والكثير الكثير من الحكايات العتيقة …
في بئر السنونو هياكل كثيرة بوضعيات مختلفة …
في بئر السنونو أزمنةٌ مطحونة …
في بئر السنونو موتٌ وأفراح .. وليالٍ عامرة بقصص التائهين والمقهورين والحيارى …
في بئر السنونو .. بقايا زفرات وأثرٌ لهمساتِ عشاق… ظنوا أن باطن الارض تحفظ أسرارهم والخبايا.. فإذا بها تنساب في مساربها بين الطبقات الجوفية وتتسرب من جدران هذا البئر الدهري إلى قاعِهِ…
في بئر السنونو ركنٌ للصلاة … تلاصقه زوايا تشبه الحانات القديمة… تفوح منها روائح ثمالة متلبدة…
في بئر السنونو مقاعد جدل …عليها هياكل متجادلين ، أماتهم الجدل …
في بئر السنونو حياة…
في بئر السنونو أمل .. يحدوني لأستغيث بالسَيَّارَة وأستصرخهم : أما آن لكم أن تنتشلونني من هذا الجُبِّ … كما انتشلتم يوسف من ذي قبل؟
18
إضمحلال الانسان
قال: لماذا تتركين العير تمشي على هديها، من دون حادي؟
قالت: سؤالك يؤكد على أنك بُعِثتٓ لتوِّكٓ من غفوة شبيهة بنومة أهل الكهف….ولذا سأخبرك بما يوجعني: لقد أفل زمن تلك الفنون والابداعات، التي كانت تسقي عطش الارواح الهائمة وتنعشها…
فرد عليها قبل أن يعاود إقتراف الغياب: مع ذلك تراكم تسألون عن سبب اضمحلال الإنسان فيكم؟
19
نحن رماد … للعدم
لا تحزن يا صديقي … فكلنا أوراق على شجرة الحياة.. سيجففها زمن الخريف ويرميها، ثم تذروها عواصف الطبيعة، قبل ان تحيلها رماداً للعدم.
صديقي، لا تبتئس ..فكل أرواحنا ماضية إلى أقاصي رحلة الشتاء …. وهنيئاً لمن كانت روحه مطمئنة…
20
يا إزميل الحياة
أحفر يا إزميل الحياة … في جداريات أعمارنا الضائعة ….
أنقُشْ عميقاً .. ولا ترحم حتى هشاشة أرواحنا العطشى لترياق الآتي المجهول ….
إضرب كفأس تمارس فعل الانتقام، منذ أن سلخت عن أمها التي وهبتها الحياة ….
فتِّتْ زوايا العمر يا إزميل الحياة … لعلك تدوِّر حدتها … أو تفلح في تحطيم قساوتها..
أُحرُث في لوحات أعمارنا …كسِّرها اذا شئت…
إعبث وارتع على هواك… فلعمري وُجِدْنا بالخطأ … وفي الزمان الغلط والمكان الظالم… وعيشنا بلا جدوى…
سدِّد ضرباتك بقوة … على المتبقي من عمر الدنيا يا إزميل الحياة … فمن ضرباتك ينبلج أمل مشرق بغدٍ مفعمٍ بالحب….يضج بالسعادة والحبور…
21
يا حبة الرمل
ماذا أخبرك يا حبة الرمل عن بلدي….
في بلدي عصفٌ مجنونٌ بات راسخاً كأعتى القيم الدهرية…
في بلدي يُهان الفِكرُ وتُنتعل المباديء .. وتُداس القيم.. وتُمتَهَنُ الفضائل .. وتُخرَسُ أصوات الحق بقوة الضجيج والتأثير .. وتُعرَضُ الكرامات في سوق النخاسة..
في بلدي إنطفأ الحب .. وسادت الكراهية.. وتحول الناس الى وحوش مفترسة.. وانفلشت شرائع الاقوياء …
في بلدي تسيل دماءٌ كثيرة على الطرقات.. حيث باتت تذبَّحُ المخلوقات الآدمية كما تذبَّح الأنعام…
في بلدي إستبيحت كل المقدسات التي إئتُمِنَ عليها الانسان…
في بلدي يُحتقر الشرفاء.. يُهان الكرماء.. يُذل النبلاء.. يُسحقُ الطيبون.. ويُذمُ الكبار .. ويُشتَمُ المبدعون.. ويُسخَرُ من الاوفياء .. ويُشهَّر بالمستورين .. ويُفضَحُ البسطاء .. ويُنَكَّلُ بالضعفاء.. وتؤكل حقوق السُذَّج.. والكثير الكثير مما لا يُحكى بعد…
كل القيم مهانة في بلدي يا حبة الرمل .. وكل المُثُل باتت سفلية المعنى…
في بلدي يا حبة الرمل يبجلُ السارقون، ويُكَرَّمُ العملاء، ويُهلَّلُ للمجرمين، وتُسيَّر المواكب للقتلة…
في بلدي يُسبِّح الناس بحمد تجار الأرواح، وسماسرة الدم، وباعة الذمم والضمائر.. لمثل هؤلاء فقط تُطأطأ الرؤوس، وتنحني الهامات، وتُرفَعُ التحايا.. ويتم تكريسهم كما يُكرَّسُ آلهة الفردوس والخلود…
22
كل ما في بلدي أُخضع لمقاربة العبيد والسادة يا حبة الرمل .. حتى الأديان التي أوجدت لتطفيء الفاحشة، وتشيع العدالة والمساواة بين أبناء البشر وأعراقهم، ارتدَّت الى تكريس مباديء الطبقية والتمييز الوقح بين مخلوق وآخر بما هو أكثر نفوراً…
إذا كنتِ تتباهين يا حبة الرمل بما تحتوين من أسرار البحر .. فإن على اليابسة ظلماً وغدراً وكفراً ونكراناً وجهلاً وتخلفاً…أكثر بشاعة من أي عالم آخر….
ولكنك يا حبة الرمل معذورة .. إذ لا تعلمين …
23
لوحات جمال متدفقة
تعالَ نحدِّق معاً في ما وراء الغيم يا صديقي
هل ترى ما أراه؟
أرى لوحات متدفقة من جمال، وكمال، وأماكن سعادة، وراحة بال…
أي لوحة فردوسية متكاملة تلك التي أبصرها…
دياجير من نورٍ ودفء ونسمات باردة .. أضواء ليلية خافتة تسحب خيوطا مترامية على عالمنا المظلم فتضيئ منه جوانب محددة ..
أرى شلالات ضوء يخرج من داخل أنفَس الأحجار الكريمة …
أرى لآليء من فضة خالصة…
أرى سهولاً غنّاء مفروشة بالاخضر تزينها كل ألوان الزهور … أرى تلالاً وهضاب ساحرة الجمال لم يعرفها اليباس، وأسمع أنغام سحر متدفقة تحاكي أرواح التائهين والمتعبين فتؤنسها وتريحها …
أشاهد أنهاراً من الأُنس المتبوتق ضمن أصوات خرير موسيقي الصدى…
أرصد قرىً كونية نموذجية ساحرة تنام فيها لمسات الخالق العظيم…
ثمة أيضاً شواهد حب وحراك يتبدى من داخل سيمفونية ذات لحن شجي جميل .. لم يسمعه إنسي من ذي قبل…
أرى جداول نقاء وينابيع متفجرة من معين الماء الصافي الرقراق .. ينساب الى حقول غناء تحاكي أرقى أهراءات الجمال الربّاني العتيق …
أرى كائنة على شكل امرأة من أجمل وأنقى ما صنع الخلاق العظيم، ينساب من ثدييها عسلٌ وحبٌ وشفاء…
هل ترى ما أراه يا صديقي؟
إن كنت رأيتَ ما رأيتُ فأنت محظوظ مثلي… وقدرنا أن نبصر معاً …
وإن كنت لم تشاهد ما شاهدتُ .. فذلك هو قدرنا أيضاً…أن أُبصر وأنت لا.
24
مزهرية ماض سحيق
أنتِ … يا التي تدلت السنين من أطراف جدائلها… وغزلت ألحاناً للأزمنة…
أنتِ .. يا التي طافت في بحور الكون وجداوله… وقهرت جبابرة العصور في كل الميادين.. ورجرجت بحروفها الذاتية عروشاً لطالما أرعبت سكان المعمورة…
انت … يا التي لك، وحدكِ دون سواكِ ، عَنَتْ وجوه .. وانحنت ممالك جبروت … واستسلم طغاة .. وارتعشت فرائص مقاتلين أشاوس ورجال أشداء …
انتِ … يا التي غاصت في وحول التجارب الفظة .. وعاقرت حمم الشقاوة ..
أنتِ .. يا التي وطأت أرض المهابة بتوغلها الى غابات الذئاب .. حيث راقصت الدببة.. ولاعبت النمور .. واختالت مع الفهود.. وداعبت الأسود .. وأفلتت من بين أنياب حمير الغاب.. لتخرج الى بر السلام من جديد…ناجية من غدر المخلوقات الشريرة…
أنتِ .. التي ما زلتِ متعجرفة متكبرة كصاحبة جلالة حقة .. رغم أنك تعرفين أنك لم تعودي انت ِ… وتدركين ملياً أنك تهدلتِ وأنك ذبلتِ وأنك صرتِ من مزهريات الماضي السحيق ..لكنك ماضية في غيِّكِ تكابرين .. تتعجرفين … متناسية بأنك معبود من ورق…وأن الزمن الذي كنتِ فيه معشوقة الكبار قد ولَّى …
اليوم أعيش فرحة انتصاري عليكِ.. وأشمت بهزيمتكِ … يا من صرتِ أضحوكة للعباد… في كل البلاد..
فقد صار للعشاق عناوين أخرى يتسامرون فيها…
25
ما ظلمونا
لم يظلمونا يا بهية…
نحن من كبلنا أيدينا بالأصفاد وأرجلنا بالأغلال ثم تقدمنا بخطوات وئيدة نحو مذابحهم… قبل ان نعرض رقابنا على جزاريهم الذين لا يعرفون الرحمة….
نحن الذين زودناهم الخناجر المسمومة …
نحن مَن نعطيهم آلات وآليات جرائمهم المتمادية بحق إنساننا…
نحن من أصرينا على جعلهم قتلة وسفاحين ومجرمين يا بهية
أتعلمين لماذا؟
ربما لأننا كذلك..مفطورين على الحرام يا بهية…
فلا يقبل بالغدر سوى غدار، ولا بالجريمة سوى مجرم، ولا بالظلم سوى ظالم، ولا بالمهانة سوى مُهان، ولا بالإذلال سوى ذليل ، ولا بالإفتراء سوى مفترٍ، ولا يوافق على أكل حقوق الناس وأموالهم إلا سارق ونصاب…
بأيدينا ألبسناهم أثواب العفاف… ونحن من نعمل اليوم جاهدين على خلعها…
مشكلتنا يا بهية أننا نبالغ في تقديس المتصدرين .. وندفعهم نحو الوثنية .. فننصبهم آلهة مضمرين .. ثم نكتشف متأخرين أنهم ليسوا سوى لصوص الهيكل وسُراقه…
لا تلومي أحدٌ سوانا يا بهية… فنحن الذين نجني على أنفسنا وعليهم وعلى كوكبنا الانساني عموماً…نحن المرتمسون بأخطائنا وخطايانا … ونحن من يدرأ عنه الاتهام بتحميل أوزاره للمتصدرين…
26
خيانة الموتى
جدلٌ في بيزنطيا
حول ثمرة محرمة.. يلتهمونها كما يخونون موتاهم!!..
في بيزنطيا شعب يخون موتاه.. ويسخر من آلهته…
في بيزنطيا شعب ابتلاه الله بالجدل العقيم .. وبإزدواجية خطاب غبية فاقعة .. ومفضوحة …
في بيزنطيا سادت الأحقاد، وإنتشرت الكراهية، وأصيب شعبها بشتى لعنات الحياة إلى أن بات أبناؤها يتناولون جيف بعضهم بما تأنفه الحيوانات الكاسرة…
في بيزنطيا لم تعد الحياة قابلة للإستمرار، وبات الناس يقدمون أولادهم قرابين على مذابح آلهة صنعوها بأيديهم ..من طين وماء … على طريق الإفناء الذاتي….
بات العيش في بيزنطيا أشبه بالحياة في الجحيم…
هل قال أحدهم يوماً أن جهنم عقاباً دنيوياً للمذنبين ؟؟؟!!! ….
27
بالحب عرفنا الله…وذواتنا
لأن الحب هو ذلك الإنصهار .. والذوبان .. والتلاشي في الآخر… وربما في الآخرين!
ولأن الحب هو الدمغة التي تؤصِّل إنسانيتنا… وتميزنا عن كل المخلوقات الضارية …
ولأن الحب هو ذلك الإحساس الراقي الذي يوقظ فينا مشاعر ترتقي بنا الى العوالم السامية…
ولأن الحب وحده هو ما يحول البشر من مخلوقات عدوانية .. الى مخلوقات أليفة…
ولأننا بالحب وحده عرفنا ذواتنا … وبه عرفنا الله…
ولأن الحب هو بداية كل جمال … ولم تُعرف له نهاية …
ولأن الحب هو ذلك النبض الموسيقي الناظم للعلاقات الانسانية في بوتقة ساحرة الجمال …
ولأن الكلام عن الحب معزوفة خلود لا تتوقف …
أتمنى أن تنعم البشرية بأجمعها بالحب والأحباب وبالمحبة …
28
… وانا أضناني السفر
بحثت عنك في كل معالم الزمن؛ حتى في خبايا المستحى؛ ولم أجدك….
كل مرة أُتعِبُ فيها طيات الذاكرة، وأُرهقها إلحاحاً .. أرحل في المدى الأوسع.. أحدق في كل وجوه العابرين من دون أن أنظر فيها…علَّ وجهاً واحداً يعيدني إليك.. لكنني عبثاً أحاول…
أضناني السفر..وأنا أفتش حتى عن صداك .. من دون جدوى.
حقيقة واحدة توصلت إليها؛ العمر غفلة وهمية…ونحن نلهث خلف سراب..
29
النور
عندما يسدل الليل ستائره السوداء…
ويطبق الظلام كل نوافذ النور في هذا الكون الفسيح،
تبحر بنا تلقائياً أشرعة الخيال،
نحو حكايا المستقبل المطموس المعالم،
وتحدثنا بأسئلة وجودية تتمحور حول فكرة واحدة ووحيدة؛ متى ينبلج الصبح…وندرك النور من جديد؟
وحده النور سؤلنا جميعاً، وغاية المبتغى …
30
أفتش فيك عن الله
أبحث عن ذاتي فيكِ أيتها البهية…
وأبحث فيكِ عنكِ.. وعن كل ما يكسر القيود ويطوي المسافات بين الارض والسماء بما يشبه رمشة من حُلُمْ….
أفتش فيك عن الله ؟ ربما… وقد ابحث عن القداسة، وعن اغوار الوجود، وعن الفضيلة المنصهرة في قالب الرزيلة، وعن العوالم المحجوبة، وعن اسرار التناقض في معادلة السمو والسفلية.. وعن كل أسرار الروح والجسد، واللذة المقدسة، وعن معارج الذات النورانية، وعن الطريق الى خالقنا…
ولأنك تشبهينني تماماً .. تماهينا معاً وانصهرت أرواحنا في الاعالي وصرنا نرفرف على اجنحة النسيم … ونبحث في بعضنا عن بعضنا … وعن بعض من اليقين….
31
كأس المزاج الاعظم
إلى عصفورة جميلة..فاض بها الحب فأغرقها، وتاهت في بحره الرحب، تسبح هائمة على وجهها تبحث عن وجهة واضحة لدفء الشاطيء ورماله الحنونة…
سيدتي العصفورة، يا ذات التغريدات المشعة شجناً ووجعاً وفرحاً وسحراً ونوراً وجمالاً أخاذاً…
اعذريني أيتها الغالية ،
لا…ليس الشوق كافرا .. ولا العشق معصية …
كل الرؤى الفلسفية العميقة لا ترى في الحب سوى واحد من طقوس العبادة…
أما انت …فتكوري، تماهي، تغلغلي، وتنشقي الاكسير، ضِيعي، بل توهي في اللحاق بخطوط الطلاسم، وتفنني في مماشاة الغواية ما شئتِ، تلمسي العناقيد واعصريها خمراً يسكرك حد الثمالة… ولا تستفيقي من تلك الاحلام… فلعمري انك تحتسين كأس المزاج الاعظم عند حوافي انهار الفردوس … ويخيَّل إليك أنه قمر من شدة الثمالة…. فهنيئاً…
32
أنت كل شيء في شيء
لكأنَّكِ الصباح على وجه أعمارنا.
أو كأنكِ الزمن.. بكل أبَّهته وسحر طبيعته الخلاب …
وكأنكِ دهراً تغوص فيه الامنيات .. بلا قرار…
بل كأنكِ ميزة الحياة … وجوهرتها …
حتى كأنكِ الرمز الملازِم لهناءة العيش .. وللفرح.. وللسعادة..
كأنكِ الدنيا الجميلة .. بكل صخبها.. وكل حيويتها.. وكل فرحِها .. وكل تجاربِها السحرية..
وكأنك الحب بكل أبعاده .. وكل غزارته.. وكل إيثاره .. وكل دفئهِ.. وكل حنوِّه .. وكل لذائذه ..
أأختصرك بكلمات؟؟؟
أنت شيء من كل شيء… وأنت كل شيء في شيء…
33
أنشدُ للحبِ
منذ تكاثر الكُرْه … واعشوشبت الاحقاد، ونمت الشرور، وساد التباغض وانتشر التنابذ بين ابناء البشر، وتضاءل الانسان الى حد التلاشي…
مذذاك صرتِ قضيتي….وصرتُ أنشد للحب وللنور وللانسان….
فالمحبة يا ذاتي … هي نبض الحياة، وترياق العمر، ونشوة الروح في عليائها…..
والمحبة في كل أبعادها ومعانيها هي خلاصة الايمان ….
والحقد والكرهُ هما خميرة الكفر والإلحاد …..
34
في مضارب قحطان
الإبداع في القتل لا يتوقف، في مضارب عرب بني قحطان ….
خلاَّقون هم، منذ قريش، وما زالوا، في رسم وابتكار صور جديدة لأبشع جرائم العصر، وأكثرها إستفزازاً وتحدياً للذات الإلهية…
لا يبدو أن قتل الإنسان ذبحاً، أشبع نهم غرائزهم الإجرامية، وأرضى عقولهم، الماضية في تحدي إله الرحمة، فابتكروا آليات جديدة تمثلت بداية في قتل الانسان غيلة وتم التمثيل بجسده وتشريحه ثم استئصال كبده وبعض اعضائه الحية وتم تناولها نيئة، كما فعلت هند مع عم نبي الإسلام الحمزة بن عبد المطلب، ثم بعد ذلك مضى العقل العربي الجهنمي في إبتكار وسائل جديدة من قبيل القتل تعطيشاً وتقطيعاً، من خلال قطع المياه عن أبناء بنت النبي محمد في كربلاء…
على أن رحلة الإبتكار والخلق في أساليب القتل لم تتوقف عبر التاريخ، ووصولا الى يومنا هذا، حيث خبرنا أنواعا جديدة من أساليب القتل تعذيباً وتعذيراً للذات الالهية من جديد، فرأينا كيف حكم مرضى أعراب بني قحطان بالموت سحلاً، على رؤوس الاشهاد، وبالطرق المصورة مباشرة، وكيف قضوا بالقتل حرقاً، والقتل إغراقاً، والقتل تفجيراً ، والقتل رمياً من أعالى الجبال، والقتل إغتصاباً حتى الموت، والقتل رجماً، والقتل صلباً، والقتل صلياً، والقتل سحقاً، والقتل تذويباً بالأسيد، و، و، و، وها هم اليوم يقضون بالقتل دهساً ودوساً بأقدام العبيد….
تباً لهذا الفكر الشنيع… وتباً لهؤلاء القوم الذين لم يتنافسوا في كل مراحل حياتهم..سوى على إختراع أساليب جديدة للقتل الحرام!…
35
ما كنتَ كما شئتُكَ
بحبر فؤادي كتبتك حرفاً حرفاً.. ونظمتك قصيدةً من رائعات البيوت.. وشدوتك لحناً سرمدياً غريباً، بقي معلقاً عند أسماع الزمن العتيق…
بماء المآقي جبلتك برقٍ .. كمن يعجن تِبراً مبللاً بندى الروح الخالص ..
لكنك ما كنتَ أنت .. كما شئتُكَ أنا.. يا كل الأنا….
36
… وتبقين
لكِ وحدكِ أكتبُ .. يا كينونة سحرٍ لم تَلِدْها إنسية..
لكٍ وحدك أكتب يا ترنيمة عشق لم تخرج من حنجرة بشرية..
لك وحدك أكتب، وأنتقي مفردات حسّية،
لأنك وحدَكِ أشبه برسالة نبوية.
تمرِّين بخُلدي هُنَيهة … فتستفيق كل حواسي ترقبك، وأنت تمارسين طقوسٍاً نَدِيهْ… تبقيك قدراً مستحيلاً … وتبقيك في برجك العالي لُبَّ القضية….
37
في كنه النور
حين تسللتُ إلى أعماق روحك … أحسست بسحرك الطاغي، وشعرت ان الارض ضاقت علي بما رحبت، وأن الكون انطلق في رحلة دوران على متن مسبار فضائي ..
تلك الطاحونة الكونية، علمتني ان للحياة طعماً آخر… ووظيفة أخرى…
ومذذاك بدأتُ أحدِّق في ذلك الإشعاع المنبعث من أقاصي الكون… الى عقلي ووجداني…
وعندما أدركت كُنهْ النور، اكتشفت كياني وذاتي والانسان …. ولكنني ضيعت هوياتي ولوني وقضيتي الاولى !!!
38
موبقات.. وجرائم سود
في الارض فسادٌ كبيرْ
في الارض كُفْرٌ كثيرْ
في الارض ظُلمٌ عميمْ
في الارض قتلٌ، وسحلٌ، وسحقٌ، وحرقٌ، وبقْرُ بطون، وسفك دماء!!!
في الارض ذبحٌ، وسلخٌ، وشويٌ، وتعذيب، وانتزاع أكباد، والتهامُ أعضاء…
في الارض شِركٌ، ووثنيةٌ، وعبادة أصنام وأشخاص وآلهة من لحمٍ وعشبٍ وتمرٍ وماء…
في الارض طوفان فتنة عمياء، يجرف الأحياء الى بحور من الدم تُملَأ لسقاية المساحات الانسانية العطشى…
الارض ملأى بموبقات الجرائم السود … وحبلى بالمزيد…فأين الخلاص؟ ومتى تحلُّ العدالة؟
متى؟ يا أيها العدل، المسافر في مجرات بعيدة؟؟؟
39
عبيد
…وكم إكتوينا بجمرات ذواتنا، وكم أحترقنا بنيران أحبائِنا يا ابن أُمٍّ….
نحن من صنع الطاغية وعبدَهُ …
ونحن من شيدنا آلهتنا فوق تلال من الجماجم البشرية، ثم قدمنا فلذات أرواحنا على مذابحها، كطقوس تكريس للطاعة العمياء….
ولكن لا تبتئس يا ابن أُمِّ ، فلسنا وحدنا…
نحن وهم وهؤلاء وأولئك وكل الذين …. كلنا في الهمِّ … عبيد.
40
ديدنها عدل وخصوبة
لا تقنطي من بسمة الزمن ايتها الوردة … فعدالة الرحمٰن تأبى إلا أن تحييكِ … ولو بعد الذبول والتلاشي…
لا تقنطي…فديدنُ الحياة عدلٌ وخصوبة… ولا بد للعمر من ان يقهقه ذات ربيع…
41
مسرح وفنون
ما الحروب إلا تسالي ولُعَب … فصَّلتها آلهة الزمن العتيق، على مقاسات عقول أجيال كل الازمنة المتعاقبة، لتتفرج على مشاهد قتل حية ، وجرائم إبادات مباشرة، وفظائع وأهوال، قبل ان تتبادل في نهاياتها نوبات من الضحك الهستيري الممزوج بالشماتة والتشفي، كما تتبادل أنخاب دم ابناء الطبقات المسحوقة والفقيرة والمعدمة، والتي دائما ما تكون وقوداً لتسعير المعارك …..
بعد آلاف السنين، ما زالت البشرية، تدور حول الاقتتال والقتل، وتعبدهما كصنمين أزليين… وستبقى الى الابد…
42
اللؤلؤة السمراء
ما زالت تلك اللؤلؤة السمراء تحاكيني …
ما زالت تطاردني في اليقظة والحلم…
ما زالت تدغدغ خيالي، تناغيني، تحدثني عن نزوات جهنمية، وعن كثير من الناس عبروا … وعن آخرين امتطوا احلامهم ثم عاثوا… وعبثوا، وشربوا ملذات الحياة حتى الثمالة… وعن أناس ولجوا الى جحيم الدنيا… ولكنهم لم يخرجوا منه سوى مكرهين…
ما زالت تلك اللئيمة تربض بين طيات دماغي.. وعند مفترق الخيال … تتجلى بين الحلم والحلم… تبدو متألقة متأنقة… لكأنها الحلم…
لقد أثقلت عليَّ الدنيا بمفاتنها والمغريات …
وصرت أنا، أشبه بمقاتل أعزل، يجهد كي يدرأ عن نفسه شرور الغواية، في لجة حرب قاسية لا رحمة فيها ولا عدل ….
43
الدمعة الغبية
تلكم الدمعة التي لفظتها حدقة عين الزمن .. في لحظة غضب قاسية .. برَدَتْ.
باتت متجمدة كصقيع أيامها الحزينة…
صارت كقطرة ماء تبتسم من شدة الوجع… بدلاً من أن تكون بلسماً يداوي الجروح كما قيض لها ان تكون…
كان كلانا يدرك، تلك النقطة المائية الباهتة وأنا، أنها لو حافظت على حرارة مسارها في الانحدار المتهدج، لما سقطت ذلك السقوط المريع، في لجة المستحيل … وداخل أتون الخيبات المتتالية…
كم كانت غبية تلك الدمعة، فلقد كان مقدراً لها ان تتدحرج وتتحدرج بتؤدة واتزان … الى ان تبلل أقصى أطراف الانسانية وتبلسم عذاباتها، قبل ان تعود فتتبخر في رحلة إفناء الذات التي تفضي بها الى السماء من جديد … حيث تشكل غمامة مطر ينهمر عدلاً ومحبة على أرض البشر…
كم هي غبية تلك الدمعة…ضلَّت طريقها وتنكرت لدورها والمهمة …وحولت نفسها الى دمعة شمعة…أحرقت كل ما ومَن حولها بدلاً من ان تضيء….
44
كنتِ …وكنتُ
كنتِ لي حكايَة شَغَف..
عليها تتدوزَنُ نبضات قلبي ..
تدغدغ ألحان فؤادي ..
تتماهى مع تعبيرات عقلي ..
تناغي وهس روحي ..
كنتِ قُدساً من الأقداس ..
لم أنظر اليه يوماً الا بانحناءة وجَلْ ..
بل كنت أذوب .. أذوب فرحاً عندما أتخايل أنك مثلي.. على ظهر الوجود..
ومثلي تعيشين في فيء الأمكنة…
كنتِ قضية، وكنتُ ثائر..
كنتِ دنيا وكنتُ مسافر..
كنتِ فضاءً .. وكنتُ طائر ..
كنتِ عشيقةً.. وكنتُ المتيَّم ..
كنتِ بحراً ..وكنتُ الغريق..
بل كنتِ ناراً .. وكم حاولت ان أكون الوقود.. شئتِ وتمنيتُ .. لكن مشيئة الله لم تكن..
45
هرمنا
منذ سلَّعَ الإنسان ذاته … جفَّت جداول الحب في صحراء البشر… وشاخت الروح .. وهرمنا.
من يومها هَرِمْنَا يا ابن أمِّ…
وما عاد للوفاء نصيرٌ …
ولا للصدق موطيء..
ولا للعقل مكان..
من يومها ضاقت الامكنة..
وما عاد هذا الكون فسيحاً …
ولا عادت الدنيا برَّاقة غَرورة …
ومنذ حينه سقطت من عيون الإله دمعة حَرَّى..
ما زالت تخرق وتحرق طبقات أرض البشر .. وتلتهم قيمهم .. والجمال .
46
نتهاوى كأوراق الخريف
تتغرب الحياة يا بهجة العمر الوثير… وتمضي السنين نحو صقيع غربتها في أقاصي صحراء الوحشة….
تتراكم الايام باردة ..ككتل من ثلج يذوب .. وتذوب معه سني العمر كما ساعات الفرح الوميضة…
تتلاشى أعمارنا يا رفيقة الشجن…. لكأنها وريقات صفراء استبد بها الخريف، فأسقطها كما تساقطت من قبلها صفحات العز عن أشجار أمجاد تليدة …
تتهاوى بيارق العنفوان يا العزيزة.. مثلما تهاوت من قبلها أغصان الورد الكثيفة عن حوض معلق أسفل نافذة عتيقة في منازل الورى…
تمضي بنا منارات الحياة نحو عالم مزخرف بألوانه الجديدة .. لكنه، رغم كل بهرجته وأضوائه الساطعة … عالَم هجين وغريب … يشبه عصفاً وسط الأنواء مزمجراً بالحنين ..الى دفء اليابسة…
47
لوحة
يتهادى الحنين الى الآتي.. بمسار معكوس..
يعاند طبيعة المسلَّمات الكونية…
أيّما معاندة..
يصارع القدريات المحتومة …
ليرنو الى وهسٍ موسيقي ساحرٍ غريب ..
إستُلهمت مقاماته العظيمة من نحيب الثكالى ..وآهات المعذَّبين.. وزفرات المقهورين ..وأنّات وجع المسحوقين على وجه البسيطة…
ومن تغريدات الطيور المهاجرة وزقزقة عصافير الصباح …
نايات تشدو بما يفجر القهر الانساني المكبوت
تصحبها طبول تُصدِر رنات طبول الحرب وخبطاتها..
مزيج من موسيقى غريبة لم يسمع بها إنسيِّ من ذي قبل …
في ذلك الافق البعيد رؤيا متناغمة مع سحر الصوت…
دنيا مخضوضرة بألوانها الزاهية…
خلابة بمشاهدها السحرية ..
متوشحة بشلالات من خيوط الفجر..
تكرس الحب بين ابناء الخليقة..
وتوزع عليهم خيراتها بالعدل والقسطاس ..
وتبعث الراحة والطمأنينة في نفوس البشر ..
ورغم سحر الصوت الموسيقي المتواصل…
ثمة صوتٌ حدْسيٌ بقوة زلزال
يتهادى بدفء الحنين هامساً : سترحل كل هذه الغربان السود عن عالمكم ..وسيمحى كل هذا الركام ..وسيكون الغد الآتي محشواً بالفرح والسعادة والطمأنينة…
48
جوهرة الدهور
تتكاثرين أنتِ كشذرة من ثلج نفناف …
تلتف حوله الحياة ..
وتودعه سرُّ الخلق والخصوبة والاستنساخ …
جوهرة الدهور انتِ …
يا التي صارت عنوان الحياة ولغزها الازلي…
غالية انتِ …
يا من صرتِ اقحوانة الصبح..
وعصارة البيلسان…
ورمز الحب والإيثار …
انتِ … يا عبق الوجود بلا حدود..
ورونق الأعمار ..
وألق السعادة..
وبلسم الروح..
بكِ وحدكِ يزهو النغم..
ولك وحدك تتجمل العصور.. وما بعدها…
انت الوعد الاجمل .. في الآخرة كما الدنيا…
وانت موسيقى الجمال…
لك الصخب.. وأنت السكينة..
برسمك إختُصِرَ الوجود …
أمامك انحنت كل الهامات ..
وعليكِ وحدكِ، وحدكِ …تتناحر البشرية منذ وجودها الاول….
49
مسحة ساحرة
حين تلعثمت وانا أحادثك …
كنت إكتشفت لتوّي مزاياك الاضافية…
كنت حينها ما أزال أحدِّقُ في تقاسيم وجهك، وأنا مندهش بآفاق فكرك الواسعة، أحاول النفاذ الى مسامات عقلك الرحب…
عندها لمعت في قعر حدقتي عينيك تلك المسحة الساحرة من جمال الخالق فيك …
كان جمالاً وارف الظلال … قوي السطوة .. فيه من بهاء السحر.. وعظمة الخلق، ما يجعل جبابرة البشر يلوذون منه بانحناءة تعظيم وتقدير…
كان جمالاً أقوى من ان يقاوَم .. بل يفوق كل حروب الإنسان…
كان سحراً حقيقياً … حين طوانا معاً، مثلما يطوي ساحر دميته البشرية بخفة.. ويمضي بها نحو الكواليس… قبل ان يعودا بإبداع مدهش وعرض جديد…
50
الحكواتية السمراء
أيتها الحكواتية السمراء ..
يا فراشة التيه الرابضة عند الهضاب المنبسطة على كتف الوادي الاخضر…
انتِ جمالٌ يحاكي عظمة الخلق…وأُبَّهة الوجود..
وأنت آلة وجد وخلود …
انتِ دنيا لذيذة .. وغناؤك أعذب لحنٍ عزفته أنامل الرب الاعظم…
أنت لوحة مترفة بشتى الفنون وأغناها… منكِ وفيكِ ولكِ كل ألوان الطيف .. ورسوم الحياة…
أنتِ الطيب وأنت العطر … وأرق من عبق البخور
أنتِ الروعة والرقة والاحساس والوجد الصافي والدفء الوثير… أنت المخلوقة من حُبٍ وحنان وعاطفة … وبعض إنسان …
أنتِ الأرقُّ من النسيم … والاعذب من الكلمة… والأروى من قطرة ماء…
أنت نبع الأحاسيس ..
انت نبض الحياة..
وانت نهر دافق دوما بالمشاعر
لكنك مع كل ذلك… فأنت بالذات .. طاحونة شقاء… بل أنت عُمْراً من العذابات المتلاحقة!!!
51
شلالات أحمر
حالات قهر تعترينا يا نهى …
ظُلاَّمٌ يستبدون بنا…
وشذاذ آفاق .. يُحكِمون قبضتهم على معمورتنا، ويشدون الوثاق على مصائرنا يوماً بعد آخر ويفتكون بإنساننا من خلال تفليت الخنازير البرية الشاردة …
في المدى سواد وألوان عابقة يا نهى …
والآفاق صائرة نحو تأزم آخر … ومضاف… ليس من بصيص أمل في هذا المسار…
وحده المنجنيق .. يتبدى جلياً من قلب عاصفة غبار كثيفة في صحراء العرب …
والبقية أكوام من الركام… وضباب يحجب الرؤيا… وشلالات حمراء قانية… تسيل في أرض النبوة والخلافة والإمامة …
أشد فظاعات جرائم الأرض تُقترف بإسم إله النور والسكينة والسلام…
في أرضنا جحيم ونيران تفوق جهنم …
في عالمنا تلذذ بتعذيب البشر.. ووأدٌ الأطفال .. وإحراق النساء والفتيات حيَّات..
في دنيانا نشوة سُكْرٍ وثمالة بتذويب الانسان لأخيه بماء النار السائلة…
بلغ سيل الكفر الزبى يا نهى … ولم يعد بيننا دعاة الى الحق والعدالة والضمير…
52
صرنا كأننا العار
في حاضرنا يا نهى، جرائم أفظع مما في تاريخنا الاسود…
فإذا كان في تاريخنا المطبوع بالعار والقتل والخيانات على انواعها، والجرائم المشينة، أنهار من الدم، فإن حاضرنا ايضاً لا يقل شيناً وزهق أرواح وحصد رؤوس، ولا كفراً وجحوداً وطغياناً وفظاعات وإساءات لخالقنا….
صرنا يا نهى، وكأننا العار لشدة تلازمنا معه… يرافقنا منذ وجودنا، ويطبعنا مدى الدهر بلا هوادة…
في تاريخنا يا نهى، جرائم هزَّت عرش الله.. واستجلبت غضبه العميم..
فهل رأيتِ قوماً إصطادوا عم نبيهم، وأكلوا كبده قبلنا؟!
وهل سمعتِ عن قوم ذبحوا حفيد رسولهم وقطعوا عياله إرباً إرباً؟ قبل ان يحملوا رأسه على أسنَّة الرماح ويجوبون به بلاد الشام متباهين ؟؟؟
اذا لم تكوني قد سمعت بذلك بعد،
فتلك هي عيِّنة صغرى لا تكاد تذكر من حجم جرائمنا التاريخية المهولة…
أما في حاضرنا يا نهى فقومٌ لا يستسيغون العيش بعيداً عن جزمة المستعمر والمحتل والمغتصب لأرضنا ولقدس اقداسنا ومسرى نبينا…
بل نستميت ونستقتل دفاعاً عنه وعن ديمومته سيداً علينا… والويل ثم الويل لمن يحاول مواجهة عدو أمتنا بالقتال والعدة او يرفع شعار الحرب عليه…
سنتطوع جميعنا بتجريد حرب كونية عليه..
53
سنستخدم فيها كل القوى العظمى وآلاتها العملاقة لمحقه بأي ثمن…
سنجنِّد الكون لقتاله وإلهائه عن مهمته المقدسة ..
وسنحوض عليه قتالا ضارياً تستعيب منه الوحوش بذاتها لشدة فظاعته…
سنستعير كل مفردات التحريض والفتنة وكل التمايزات معه لإبقاءالحرب المقدسة عليه …
وسنخوضها حرب وجود معولمة من طبيعة الحروب التي تزيل عدو أُمتنا الوجودي وعدو ديننا وكتابنا ونبينا وكل مقدساتنا بأيام أو بالكاد شهور، فيما لو وجهنا بوصلتها شطره…
في حربنا على من اعلن العداء لعدونا، سنستخدم كل المحرمات الانسانية والدولية والدينية والأممية، وسنقترف المجازر وكل البشاعات والفظاعات بل سنرتكب أبشع انواع جرائم الحرب ضد إنسانية الانسان كإنسان قبل اي شيء آخر.. سنجعل كل البشر أهدافاً لنا عبر قتلهم تفجيراً في كل الاماكن العامة والخاصة نكاية بعدو أعدائنا.. سنحرقهم، سنذيبهم بالأسيد، سنرميهم من الأعلى، سنعدمهم بأبشع انواع الاعدامات اغراقاً او احراقاً وهم أحياء .. سنفترع انسانيتهم، سنقطعهم إرباً وقطعاً صغيرة، سنرميهم أحياء للوحوش الضارية تتلذذ بالتهامهم قطعة قطعة، سنربط بعضهم بحبال ونجرهم خلف السيارات المسرعة سنرميهم احياء تحت جنازير الدبابات والمدرعات حتى لا يبقى لهم أثر، وستسبى الحريم وتقترف بحقهن فظاعات لم يسبق لك ان سمعت بمثلها في التاريخ، ستغتصب إنسانيتهن ويجبرن على ممارسة الرذيلة مع كل المخلوقات السود.. قبل أن يرمين للبيع في أسواق النخاسة.. ثم يتم وأدهن وقتلهن بعد تعذيبهن بأبشع آلات القتل وطرقه ايضاً …
54
أما الاطفال والرضع فأولئك وليمة تقدم نيئةً لوحوش الارض البشرية الشاردة…
ان كنت يا نهى لا تدرين ما في حاضر أمتنا … فذلك ايضاً عينة صغيرة من عينات حالنا الاسود، والكلام عن المثلبات طويل… طويل، يملأ صفحات تاريخنا وحاضرنا .. ومستقبلنا.
55
كنت أظنك الشذى
لم تكوني سوى رفيقة ذكريات، ولم أكن سوى محطة عبور من محطات أخرى في مدى العمر الجميل …
كنت تختالين وكأنك أميرة في البلاد، وسيدة على العباد…
كنت تتغطرسين كطاغية تستبد بضعفاء الارض..
كنت تمشين على الارض مرحاً وكأنك أنثى طاووس خارجة من عريكة …
كنت تسيرين كلبوؤة خاضت لتوها اشرس معارك الدفاع عن ملكها المسجى… من دون ان تكلفه عناء الصحو او الزئير….
كنتِ ثقة بالذات عمياء… وكنتُ اخجل من نفسي حينما أُفكر فيكِ، وألجأ للنجوى والشكوى والتذمر …
كنتُ حينها أذبل كوردة بلهاء.. لا تدرك انها عطشى…
وأتلاشى كرذاذة من قطرة ماء، كلما خطرتِ ببالي…
وأناقش مع ذاتي سبل الرحيل والتواري كلما تخايلتك … كأهون السبل للهروب من طاحونة العذاب…
وأهيم مع كل انبلاج فجر…
وارحل ارحل عند كل مساء على نسائم الذكريات….
أيان زرعتِ الشوق … كنت أظنك ذلك الشذى المتضوع من وردة يعبق عطرها في المحلة…
وكنتُ أذوب خجلاً وطيباً …
وما كنت أدرك حينها انني سأحصد في الثريا عمراً ضيعته على طريق الأماني…
56
عوارض لا شفاء منها
أترع الزمان كأسي ..
وأنا مللت الانتظار
فارحم أيها الساقي .. وتمهل .
رويدك .. رويدك …فلقد أثملت روحي بالآلام…
*****
أُترِع َ كأسي … وفاض عمري بالعذاب ..
ولم أعثر بعد على عنوان للفرح في هذا الكون…
صرتُ أقهقه من شدة الوجع .. واضحك لابلسم جراح الروح…
*****
لكأن قدري العيش على هوامش الإنتظار ؟…
أو قضاء العمر على حوافي الأماني؟ …أو على أمل فرحة؟ …
تبدو لي الحياة.. ومضة حُلُمْ .. أو أقل أو أكثر… لا يعنيني … لكن ما يهمني أن ما بعدها هو الحقيقة المطلقة؟؟؟ ربما.
حتى كؤوس الفرح بِتُّ لا أحتسيها الا كمن يعاقر مُداماً في منام…
****
أترع الزمان كأسي…ولم أعد أرى فيه سوى الوحشة والسوداوية والفراغ …مع علمي المسبق، وموافقتي، على أن ما أقاسيه عوارض ليس منها شفاء.
57
إلى روح صديق – زميل
ما نسيتُكَ.. ولا غيبَتْكَ من مخيلتي السنين …
فهل لي أن أعاتبك ولو بعد حين؟؟؟
تمرَّ ببالي بين الفينة والاخرى كأنك صورة من خيال جميل… أو كأنك قصيدة وفاء خالدة … أو كأنك ما زلت عمراً جميلاً مزهواً بفرح الليالي الحالمات …
أنكسِرْ حينما أتذكرك … واتذكر عباراتك المشبَّعة بآداب الكبار…
ماذا دهاك .. حتى رحت تطرق بعنف على أبواب جهنم؟؟؟
أأصابك مَسٌّ ؟ أم بُلِيتَ بوسواسٍ شرِّير؟؟
لم تستشرني .. ولا أسرَّيت لي كعادتك … ولا لأحد من أقرب أصدقائك المقربين بما يجول في خاطرك من افكار سوداء !!!
وحيداً اتخذت القرار .. وسريعاً مشيت … وسرعان ما رحلت بروحك الى طاحونة الازل وأدخلتها في دوامة الالغاز…
لم تنسَ .. ولا تناسيت موتاً زُيِّنَ إليك على عتبات الجحيم؟
ما حقيقة ما جرى؟ هل مللت عمرك؟ أو سئمت البشر؟
او انك استشرفت مرحلتنا مبكراً، ففضلت الرحيل على ان تبقى وتشهد على عهد التوحش البشري؟ وترى كواسر البشر ممن فاقوا الوحوش ضراوةً في التوحش، بيننا ومن حولنا ؟؟
لم أفهم بعد مغزى عبثيتك بأثمن ما في الوجود …
58
أين تباع الاحقاد؟
لم أنشُد قصيدة حبي بعدُ أيا نهال …
ما زلتُ أترنَّح من الضربة … وأُبلسمُ جروحي الغائرة …
هي إبنة جبالٍ من لؤم وأحقاد … تلك التي طعنتني …
غرزت سكينها في إنسانيتي وأعمَلَتْها..
ثم قلَّبَتْها وراحت تسدد لي طعنات متمرسة في الإجرام الأسود…
أظهرت حقداً دفيناً، لم أعهده، ولا سمعت بمثله من ذي قبل …
لقد نالت سكاكينها السوداء من روحي، كما جسدي وعقلي وإنسانيتي وبراءتي …
وما زلت حتى اليوم مذهولاً بأسئلتي والدهشة : أنَّى لها أن تأتي بهذا الكمِّ من الأحقاد والكراهية والضغينة؟
هل يُشترى الحقد؟ وأين يباع؟
والأهم..ما حاجة الناس اليه؟؟؟
تلك عينة من أسئلتي التي شغلتني عن قصيدة حبي .. وما تزال …أيا نهال.
59
لحظات العبث هي الحقيقة
ولقد علمني الحب أيا نهى… أن الازمنة محطات مهجورة..مسكونة بالاوهام …عُلِّقَ على جدرانها صورٌ غنية بمشاهد خصبة تجسد الافراح … صور ٌ مظللة بسوادٍ كئيب.. وصورٌ مزدانة بالكثير من الخناجر والسكاكين والطعنات .. والصفعات…
وتعلمت في مدرسة الحب … ان لحظات العبث … هي الحقيقة الوحيدة… المعلقة على جدران اعمارنا…
60
أجبن من القطط
سيُحكى ذات مستقبل .. أننا ابناء جيل صنع التوحش، وشهد الوحوش وهم ينحرون الاديان .. ويدوسون العقل .. ويسحقون الانسان.. ويلوثون بنجاساتهم كل القيم البشرية … ونحن صامتون.
سيُحكى أننا كنا أجبن من القطط، أمام ما رأيناها ذئاباً كاسرة…ليس ذلك فحسب… بل سيُحكى أننا غدرنا بأبطالنا الذين انبروا يواجهون الذئاب الشاردة وشذاذ الافاق، باللحم الحي … ورحنا نطعنهم في الظهور..
61
بالحب وحده
بالإلفة والحب والتفاعل والوفاء والصدق والإيثار نبني معمورتنا ونزين دنيانا بالقيم النظيفة…
ذلك هو الطريق، لهدم المنظومات السوداء، وكل ترُّهات التوحش والظلام…
62
…ولم تطهركم النار
لم يردعكم المنجنيق يا بني أمي …
ولا النار طهّرت نفوسكم أو أبعدتها عن الشر.
منذ فجر التاريخ وانتم تقتلون الفرح والعدالة والسلام والمحبة في أرض البشر…
لم تصدَّكم الحياة عن الشرور، ولم تردعكم الاديان عن الصيد…
تصطادون بعضكم ومخلوقات مثلكم طرائد تشوى ويؤكل لحمها بلا أي وازع…
يوم كنتم أبناء الارض وسدَنتها البسطاء … كان عيشكم حلالاً طاهراً ومنزَّهاً وجميلاً…
لكنكم أبيتم الا ان تكونوا ابناءها الحرام… وقتلة السلام فيها ….
جنيتم حراماً وعجنتموه وخبزتموه وأكلتموه… ثم أطعمتموه لابنائكم، ومعهم كل أبناء الحياة …
ونسجتم حراماً ولبستموه مع أولادكم …
وتجرعتم، ومن معكم كل كؤوس الحرام …
صرتم أبناء الارض الحرام …
بعنجهيتكم دنَّسْتُم طهارة الارض وبراءتها…
وصار اولادكم قتلة ومحترفي جرائم…
عاثوا إفساداً وقتلاً وتنكيلاً حراماً على الارض الحرام …
وانتم تصفقون وتضحكون …
أشهدُ يا بني أمي ان كل ما لديكم … حرامٌ في حرام…
وأبرأ ومن مثلي .. الى ربي .. منكم ومن حرامِكُمْ …
الى يوم نُبْعَث …. وتُبعَثون..
63
صرت أراك..ما أبهاك
ظننت انني سأراك بين جموع المصلِّين…
فرُحتُ أصدح باسمك بحثاً عنك.. لكنه خابَ ظنّي..
كم انتظرتُكَ في الوديان.. وعلى السفوح والتلال.. والفيافي وعند المنحدرات .. وفي حدائق الورد … وفي كل صومعة ومعبد …
وكم فتَّشتُ عنكَ في الامكنة العابقة بعطرٍ معتَّق من شذاكَ ..
لكنني لم أوفق يوماً بلقاء، تشوقتُ اليه طويلا…
نعم … كنتُ أرى طيفَكَ حيثُمَا حللتُ … لكنني لا أراكَ …
حدثوني عنكَ كثيراً حتى صِرتُ متيماً بالرؤيا.
قالوا إنك بهيٌّ الطلعة.. سَمِحُ المحيا..
وان فيك سراً يحوي كل بُنىَ الجمالِ وومضاتهِ… وكل عظَمة البساطة .. وأقصى مسحات السحر ولمسات الأُبَّهة .. التي حدثتنا عنها الاساطير .
قالوا.. لذكركَ يرتجف الوجود.. وقالوا.. لا تحدُّكَ ملامح، ولا تعكسكَ صور..
قالوا إن وجهك يقطِّرُ نوراً يُبهِرُ الناظرين إليك…
ويرسل ضوءاً يزيغ الابصار… لكنه يسطع دفئاً دائماً، ويرسم خيوط محبة وأمان في كل الأمكنة..
كنت انتظرت ذلك النور الوهاج يدركني أيام الصقيع والظلام .. وكنت أطمح لومضة صغيرة تضيء لي معارج الدروب المعتمة…لكنني حين ادركت النور..علمت أن ما أبطأته عني كان فيه كل الخير لي…وتيقنت بعد حين … أن القرب منك دونه دأب وتعبٌ ومشاقٌ كثيرة.. وحروب قاسية مع الذات..
وبعد حين من صفاء..صرت أراك..ما أبهاك..وصرت حين تضمحل الروح ويهجرني الفرح..ويزمجر الحزن والشقاء..ألجأ لفيء نورك البعيد..
هو نورٌ بعيدٌ عن كل أشكال الجموع وألوانها..لكنه قريب إلينا جميعاً.. نورٌ.. يبرِّدُ الصدور الولهى..ويبعث السكينة في النفوس المتعبة..ويرشد الافئدة الحائرة..الى الصراط القويم..
صرت أراك … ما أبهاك..
صرت أراك .. ما أبهاك ..
64
أرض الموت
خرابة…
لن تراها سوى خرابة…
ليس فيها سوى الموت ..والموت ..والموت..
لن تسمع بين أفيائها سوى قهقهات الموتى…
لن تعثر في أرضها سوى على الجماجم … وكثير من الوحوش السمينة .. وبعض حشرات توحشت بدورها لكثرة ما اقتاته من لحوم الجثث…
…….
إياكَ أن تعود …
فلن يكون لك فيها موطيء قدم يا صاح…
ما لم تتوحش وتماثل قاطنيها….
إبقَ حيث أنت… لتحافظ على إنسانيك ..
لأن إنسانيتك أغلى من كل التجارب وأثمن ما في وجودك الوميض …
لا تغامر..
دعك منهم..
مزِّق كل مشاهد الماضي..
وتنكَّر للتمسكن والخجل …
لكي لا تموت حياً …
أو تلتحق بركب قافلة المنتظرين لموتهم عند طابور الانتظار الطويل..
65
يخيفني السفر
لا تلمني .. فأنا أخشى السَفَر ..
السفر …يعني محطات وداع تتكرر…
وأنا يرعبني الوداع…
لا تلمني..
هي حرَّى دموع الوداع التي تنهمر من الروح.. وتذرفها العيون.. وأنا لا اقوى على نار حرقتها
أعتصر وجعاً .. تذيبني حرارتها وأتلاشى … عندما أضمُّكَ مودعاً ..
أغيب عن ظهر الوجود هنيهات…
اختنق… يتوقف الزمن … ويغدو النبض مجرد صدى يشبه تكَّات ساعة معلقة على حائط مهجور.. تحدث دوياً بل طنيناً يزيد في جرعات تعذيبي أكثر فأكثر …
أغيب عن ظهر الوجود هنيهات … ألج فيها الى جلبة كوابيس مرعبة أكثر … تتقاذفني فيها خواطر الذكريات وآلام الوداع وعذابات الاشواق وأوجاع الحنين …
في حفلة الوداع أصير إنسانا يتنقل بين رعب ورعب … وحينها فقط يمكنني الاحساس بشعور قطعة من اللحم تشوى على نار هادئة….
لا تلمني …
إنني أخشى السفر…
إنني أخشى السفر…
66
فراغات قاتلة
في لجة هذا الضجيج والعجيج … أشعر بفراغ مدوٍ !
يكاد يقتلني الفراغ…
يا إلهي..أليس في هذه الجهة من الكون حياة؟؟
أسير في شوارع تضج بناسها مختنقة بالازدحام .. لكنني أحدق بالوجوه.. فإخالها محنطة… تجمدت عند حافة الزمن الجميل…
زمن الجين.. حيث يستولد الانسان من شعرته ليعود ثانية الى الحياة….
انه زمن الاكتشافات المذهلة.. زمن “تفريز” الاجساد البشرية في ثلاجات الموت المؤقت، لمئات السنين….
ترى… أليس عقاباً آخر ان يعيش الانسان زمناً غير زمنه؟؟؟
***
يكاد يقتلني الفراغ وسط الضجيج … فأخرج الى الشوارع المكتظة لأشهد الناس سكارى.. وما هم بسكارى…
أراهم مخدرين بالاوهام … يسبحون بأحلامهم كمن يقطف عسلا من الجنة في المنام …
باتوا مربوطين بالآلة ومرتهنين لها كمجانين يعيشون في عصفورية مفتوحة…
صار الناس عبيداً للآلة… لا يلبسون ولا يأكلون سوى مما تنتجه لهم الآلة…
تحركهم الآلة وتوجههم وتتحكم بأدنى تفاصيل عيشتهم، وحتى حياتهم الاجتماعية وتزرع فيهم قيمها …
ولذلك ربما …صرنا نرى الناس آلات …
آلات تسير على هديها ….وصار الضجيج كثيفاً والفراغ قاتلاً…
67
طريق الى النهايات
يوشك الحب على النفاذ … أيا ليلى
إنه الدليل الطاغي على نهاية الدنيا .. واندثار الحياة …
أتعرفين معنى اضمحلال الحب على هذا الكوكب؟!
أظنك تدركين ملياً يا صغيرة .. أن ينابيع الماء صائرة الى الجفاف، وأن الكون يسير نحو التصحر واليباس .. وتعرفين تالياً ان العطش سيميت آخر سنبلة من سنابل الخير في أرض البشر.. وسيتعاظم الجوع الى الشر، وتتكدس المصائب والرزايا، وتتوحش المخلوقات، ويتفشى الموت، وتتكاثر المومياءات … وتصبح الاجساد حراكاً بلا روح…
الحب يا ليلى ماء الحياة …وعندما يجف الحب، يموت الزرع .. وتصاب كل الكائنات باليباب … وتنطوي الاعمار بلا ضجيج .. ويتحول الكون الى مرسح مهجور تنعق فيه كل غربان الخراب…
68
طنين الحنين موجع…
لو كان لك ان تعبري أحجية الوجدان يا صغيرة السنين .. لعرفتِ أن للحنين طنينأ موجعاً .. ودوياً مستداماً يحفر عميقاً في ثنايا الروح فيعذبها… …. الحنين .. الحنين …يكاد يخنقني الحنين . |
69
حكايات الشتاء الحزينة
حين يتراءى لي طيفك في الخيال مجدداً… سأنحني…
وسأطبع قُبلاً خجولة على جنبات الاثير… لعلّ قُربنا يوصلها الى حيث المبتغى …
سأفتش عن وردة طالعة من الصخر وأقطفها …
وقبل ان أهديها لعينيك الغائرتين في مدى الازمنة .. سأبثها أشواقي .. وسأحمِّلها كل آهاتي وعذاباتي .. وصرخاتي الصامتة في ليالي المحن.
سأستودعها كل حكايات الشتاء الحزينة .. وكل أنَّات الحنين.. وسأشكو قهر السنين .. ثم أرميها في اتجاه عينيك ….
وعندما تمسكها… فستتلقفها وردة جميلة المحيّا.. غريبة الألوان، ساحرة الجمال … لكنها محملة بدهرٍ من الاشواق… وبأثقالٍ من قصص الدهور الغريبة…
سترى أنها وردة تشبهك … وانها صنوٌ للزمن … تحوي كل أسراره وحكاياه … كما أسرار الليالي الدافئة.. وصقيع الغربة في الوطن … وحكايا الاعدامات الجماعية للمشاعر النبيلة.. وعن دفق الحنين الى النقاء …
عندما نلتقي … ولو في الخيال … سأقص عليك من انباء عالمنا .. ولو عبر وردة.. ما لم تكن تتوقع حدوثه في اي عالم من العوالم السفلى….
70
لك
لكِ … يا ذات الاسوار المرصَّعة بأبّهة العطايا الربانية..
لكِ … أيتها المتوَّجَة بتيجان براقة ..
لكِ … يا المدموغة بأمجاد الكَلِمْ .. وسحر الجمال .. وبهاء الروح .. ونقاء السريرة … وصفاء الفِكَرْ .. وطيب الحديث…
معكِ أنتِ .. تحلو الحوارات .. وتزهو العقول .. ويطيبُ الجدل … وتتهامس الارواح الندية فيما بينها بلغاتها المشتركة …
وعلى أنغامك المفضلة.. يطيب الهيام في عالم الوجد الساحر …
لكأنك تنتمين الى زمن الحنين الاول ..والنقاء العتيق …
أو كأنك أيقونة زاهية… علَّقتها السنين على جدار الحياة …لتزيِّن الايام الآتية…
إطمئِني أيتها الساحرة … لست عتيقة الى هذا المدى … بل أنت شعلة نور … وديدنك الاضاءة في الهوامش المظلمة… وفوق معارج الحياة
71
مزيج
منذ أدركني المساء وأنا لا أراك … لكنني أسمع وهس روحك تنبض في آذاني بانتظام رهيب … لكأنها دقات قلبٍ لوَّعَهُ هجران الذات…
مُنْذُها… وأنا لا أراك بغير فؤادي… لكنني شهدتك في روعة الحلم… طيفاً أخاطبه بين جموع التائهين : يا كل الكل وبعض البعض … ويا ذلك الجزيئ المجزء من الجزء …
انت مزيج غريب بين قاع الخوف وذروة الامان.
ربما كان قدرنا ألَّا نلتقي …
وربما استمطر نبض حكايتنا الصامت ألطاف إله الرحمة فهطلت ثلجاً ابيض يطهر الارض من أدرانها.. وكل النفايات.
ربما يشرق يوم جديد ..
ونرتقي بالحكاية الى مصاف النقاء … والطهارة.
72
ترومين القرار… والامارة
ستمتطيني حلماً أحمر…
فارساً على صهوة حصان أبيض..
ساحراً يحضر من خلف جدران الغيم..
ينتشلك من أرض الضيق والغم والخيبات..
وينتقل بك الى قصر الامارة …
المدجج بسبعة وسبعين بابا
تحرسها الاف الحراس
حيث تأمرين فتطاعين..
من يدري كيف سترتشفين مني الرحيق؟
من يدري كيف ستبددين أيامي
ومن يدري كيف ستحكمين قبضتك على قصر الامارة؟
من يدري كيف ستقيديني شيئا فشيئا قبل ان تتسلمي الناصية؟
ثم تبعثريني الى أشياء صغيرة ..
ستحولينني بعد ذلك الى صورة حاكم …لا قدرة له على الحكم
حتى القرار …ستسلبيني القرار
لن اعود ذلك الجبار كما كنت من ذي قبل
سأستحيل صورة قبل ان تقتلعينها حتى من على الجدار …
وترمينها كما ترمى المهملات ..
أواه.. ما أدهاك من امرأة
تروم التحكم بالقرار …. وبالإمارة .
73
أرض لا أمان فيها
لا أمان في أرض التنابذ والاحقاد والضغائن ..
ولا سلام …
ولا دفء يؤنس ارواح الحيارى…
تلك أرضُ صقيع ..
لا شمس تسطع فيها … ولا ناراً تصطلى … ولا شعلة تتوقد…
لا تسطع شمس الله الا حيث الحب ..
وأنى تكون الحكايات ساخنة يتمدد الدفء …
والحرارة تستجر بعضها ..
وتنطلق قوافل النور في سعيها الابدي نحو الديمومة وقطاف الفرح …
*******
لا ينمو الحب في السهول الباردة…
وتموت كل الكائنات الرقيقة في مواسم الصقيع ..
وتندثر كل وجوه الحياة …
والمخلوقات التي تؤلف عصب الكون وضجيج الاعمار .. تخبو ..
ويختفي الرونق ..
حتى الورود يذبل زهوها…
وموسيقى الخلود تغيب عن ظهر الوجود …
ولا تُسمَع سوى دندنة الرياح ومعزوفاتها المتوعدة بالمزيد والمزيد ..
وصولا الى رعونة الرعد الذي يأبى ان يتزاوج مع البرق الا متغطرساً على رؤوس الاشهاد.
******
لا حب بلا دفء… ولا دفء بلا حب … على ارض البشر ..
74
ما أقسى التنين
ما أظلم تنين الحياة … أيا ليلى .. وما أكثر غدره…
يطعن بي بلا رحمة ..
يطعنني بجسدي ..
يطعن روحي وفؤادي .. بلا وازع ولا روادع
كللت من تلقي ضرباته .. وما كلَّ…
خارت قواي .. وما رحم ..
اعلنت استسلامي لجبروته… ولم يأبه.
أواه ما اقسى تنين العمر …
لا يتعب من الطعن والصفعات …
وأنا … لم أعد أقوى على معاتبة ألاقدار ..
مللت الشكاية والتذمر والعتاب …أيا ليلى…
لم يعد لي حيل على القول …
سوى أن الظلم عميم .. الظلم سيد … الظلم أقوى … الظلم بطَّاش … والظلام يلف الكون الى اقصاه … وأنا والحلٌم ضعيفين تائهين في بلاد غريبة…
75
وليمة للضباع
في ذلك الاخدود بكت ليلى.. تلك الجبارة القاسية …المخلوقة من صخر ونار غالبتها الدموع ..وانفجرت في نوبة بكاء جنوني …
ربما هي المرة الاولى يتسلل فيها الرعب الى قلب ليلى يوم قصدت ذلك المكان المقفر ، وتسلقت الى قلب الاخدود الجبلي الوعر لتصطاد غزالاً من غزلان المها البيضاء..عساه يكون غزالها الشارد خلف غيوم الحلم …
كان يتحتم على ليلى ان تعبر غابة وحوش وحيوانات غالبيتها من الكواسر .. لكنها للمفارقة تتعايش مع بعضها بعهود سلام …
لم تأبه ليلى للتحدي فداست الافاعي بقدميها ولم تخف.. ركلت الذئاب برجليها بلا وجل .. امتطت النمور .. داعبت لبوؤات الاسود وبنات آوى .. ولم تندهش من وجود الثعالب، جنبا الى جنب ولا أرعبها التلاكم مع الدببة ومناكفة الوحوش …
كانت ليلى تختال بين كل تلك المخلوقات المتوحشة مطمئنة الى انها في أمان مطلق….
كادت ان تغني من شدة الفرح والرخاء والتسليم … لكنها ما ان لمحت إنسياً من بعيد … حتى انقلبت على عقبيها … دب الرعب في اوصالها وانفجرت في نوبة بكاء وعويل …
كما لو أنها خلقت في الغابات ولم تدرك الانسان الا في مخيلتها … باتت كمن شعر باقتراب أجله واستسلم لقدره المحتوم…
استبد بها الرعب اكثر وكان يعلو صراخها أكثر كلما اقترب منها هذا المخلوق الغريب … وكأنها تدرك ان هذا الكائن لن يصدر منه سوى السوء والشر والجريمة…
76
وصل الرجل اليها وهدَّأ من روعها وأخذ يملس شعرها بيديه عله يشعرها بالامان …
سألها ما الخطب؟ وماذا حل بك ايتها المخلوقة الباهرة ؟ فردت بصوت متهدج : يتملكني خوف مقيم في اعماقي من الانسان !
-أيعقل ان جبارة مثلك، تقطع هذه الغابة وتختال بين الوحوش باطمئنان وأمان .. ان تخاف إنسياً مثلها؟
– هذه الوحوش ليست عاقلة بمجملها ورغم ذلك فإنها تتعايش بمجملها بسلام على هذه البقعة الخام، وكل مخلوق منها يسعى الى رزقه ولا يؤذي الاخر. أما الانسان فديدنه ايذاء أخيه الانسان…
سألها: كيف اجترحت اجتياز هذه الغابة بكل ما فيها وانت على هذا القدر من الطمأنينة والسلام الداخلي؟
-انظر يا هذا…تلك المخلوقات لا تطلب سوى الطعام.. ولا يمكن ان تقتل او تؤذي .. الا اذا كانت جائعة.. وانا اعلم ذلك مسبقاً …ولذا احضرت معي طعاما كافيا لهذه الوحوش وبعد ان اطعمتها صرت حكماً صديقة محبوبة سيدافعون عني بغريزتهم فيما لو تعرض لي أحد بسوء…أما الانسان فإنه غالباً ما يؤذي على شبع … وغالباً ما يقتل بلا سبب… ودائما ما يجرح بلا حساب ويغدر ويطعن بلا روافد .. لانه مخلوق شرير بعجنته .. لم تعلمه الاديان السماوية ولا الاخلاق الانسانية ولا المثل المقدسة ولا تعاليم الحكمة فنون السلام .. بل زاد كل ذلك من سربلته في فنون القتل العشوائي على انواعه … لمجرد إرضاء الغريزة دون سواها …
ألا تنظر الى هذه المخلوقات كيف تؤالفني لمجرد أنني اطعمتها بينما يتسابق كون البشر على امتلاك اسلحة الدمار والاحراق والاغراق الشامل في صراع الابادات الانسانية ؟
وتابعت تقول: هل سمعت بوحش من قبل يقتل من اجل القتل اذا لم يكن جائعاً؟ بالطبع لا … اما الانسان فيفعلها…
77
مسكينة ليلى … ظنت ان كلامها العميق مع ذلك الانسي سيحررها من غدره … وما ان استدارت نحو الغابة واعطته ظهرها حتى افترسها …
افترسها ولم يأكل لحمها بل تركها وليمة للضباع..
78
خراف
لسنا سوى مشاريع ضحايا يا ابن أُمِّ…
لسنا سوى صورة أخرى للخراف المنساقة الى مذابحها …
حتى معابدنا كذلك يا ابن أمِّ…
كم تشبه معابدنا المذابح … ومذابحنا المعابد … كم هي الصورة متداخلة ومتقاطعة ….
نحن مجرد خراف أضاحي … تُشحذ لها سكاكين آلهة الارض …
كلما احتاج إله لقضية… أعملها ذبحاً في رقابنا…
ورغم أننا خدَّام الارض وسدنة المعابد… ما زالت لحومنا وقودا لجحيم الحروب … ومازالت أرواحنا قرابين للطقوس … وما زالت دماؤنا خمراً مفضَّلاً ومقدساً يقدم في كؤوس مزركشة على موائد آلهة الارض … تتبادل الانخاب وتسخر من بساطتنا…
ما زالت الارض تدور يا ابن أُمِّ …
وما زال الناس يدورون في فلك عبادة الاصنام …
78
شعب الماء
لن تخذلنا عيون السماء… يا بني أمي
فنحن في عيون الله نسرح … وتسرحون ..
لن تدهمنا الزيزعة …ولن تبيدنا غمائم أهل الارض … ولا سعير آلهة النار .. فنحن شعب الماء .. في الماء خلقنا وبه جبلتنا الاولى… وإليه نحن صائرون ….
نحن الجبابرة يا بني أمي …
نحن الظلم، والعدل ، والفسق ، والتقوى ، والفجور ، ونحن الصدق والكذب معاً … ونحن أرباب الفاحشة .. ونحن الدعاة .. ونحن عُمَّارُ الارض .. ومعاول هدمها … ونحن الكفر والايمان … ونحن الشرك والتوحيد .. ونحن جبابرة الابداع والخلق المهين … ونحن آيات الرب وشياطينه السود … ونحن الاسلاف والاخلاف .. ونحن الاجداد وأحفاد الاحفاد .. نحن الماضي السحيق.. ونحن الحضارات الغابرة .. ونحن مستقبل المستقبل ….
نحن عصارة الاشياء … وروح الوجود …
نحن الذات.. ونحن المادة ..
نحن القضية ونحن المحور … نحن الكون ونحن دويه وحركته المستديمة …. ولن تخبو أصوات الضجيج والعجيج مهما حصل ….
سنبقى ويبقى الزمن … ولن تتمكن منا آلهة النار…
79
مطر
قال: تعالَيْ نرسُمُ فوقَ حُجُبِ الارضِ غُيُومْ ….
قالت : تَعالَ نُحَمِّلُ للغيومِ مطَرْ ..
مطرٌ .. يُبَلِّلُ الأرضَ .. ويسقي أهلها..
80
قوم عسس
…ونحن أيا رعاك الله.. قوم المحن …موسومون بالنكسات والهزائم والانكسارات والخيبات ..
نحن شعوب منهانة يا رعاك الله … نتجرع كؤوس المذلات على انواعها كمن يحتسي خمراً مغشوشاً في الافراح …
نحن مخلوقات هجينة .. نذبح الكثير من الخراف ومعها الشاة والإبِل في اتراحنا كما الافراح ونقيم ولائم العز على رؤوس الضحايا…
نحن يا رعاك الله قومٌ عَسَسْ .. نستسيغ النذالة والخسة مذ وجدنا وكانت الخليقة ….ونركن الى جزارينا ركون القطط الجبانة الى ذئاب الغابات …
نحن ابناء الخطايا … يا رعاك الله ..نقترف كل خطايانا باسم الرب الاعظم .. نتاجر بأدياننا .. ونبيعها سلعاً في كبريات المتاجر .. نؤجر قيمنا الخالدة .. ونتلاعب بأرقى المقدسات …نتجاذب كتبنا المقدسة لنجعل منها دعوات قتل وغزوات وابادات متبادلة !!!!
نحن قومٌ يا رعاك الله، نعبده كفراً … لا خوفاً ولا طمعاً …
81
وردة …اغتالها الاشرار
تعالي نؤلب في اوجاع الحنين ..
ونقلِّب أوراق السنين ..
ونقطف آمالاً من الذكريات …
ونحكي للزمن الآتي عِبَرْ ..
***
تعالي نعيد الاعتبار لوردة ..
اغتالتها أيادي الاشرار
82
إرحمنا
زرعت الحب في حقول الشوك … فأزهر شوكاً وجراحاً …
نثرت الكثير من الطيب في مستنقعات آسنة… فازدادت روائحها نتناً…
صنعت معروفاً في غير أهله فاستحال بغضاً وكراهية…
بذرت الخير في مجتمعات الاشرار … ولم أحصد سوى العقوق والنكران..
أبديت طهارة النفس والعفة والإيثار والتعالي والكبر مع ذوي النفوس المريضة …فقوبلت بجبال من الاحقاد والشرور وبالغ الاساءات…
…والآن ، قد يكون الندم تسلل الى نفسي في لحظات ضعف …لكنني لا أطلب من الخالق … سوى الرحمة…
إرحمنا … يا ذا العفو والغفران…
83
مع الوحوش ؟
لماذا تركتنا في هذه الارض القاحلة .. وأغربت؟؟
هل قيل لك أننا أبناء قايين .. وورثته؟؟
هل أخبروك أننا مخلوقات مجبولة بالغدر والطعنات .. لا تنتشي سوى برائحة الدم المراق والمتخثر؟؟
أعرفت بأننا شعوب تقتات الخيانات المتعددة غذاء يومياً.. ولا يُضحِكها الا الدوس على مقدساتها؟؟
أوتتركنا مع وحوش الارض لنشهد عليهم يتبارون بإبداعاتهم وتفنُّنهم بأشكال الجريمة؟؟
هل همس أحدهم في أذنيك ذات صباح أننا مخلوقات محكومة بغرائزها، تستحق عقاباً جماعياً ؟؟
هل أقنعوك بأن عليك ان ترحل عنا الى غير دنيا… قبل ان نورِّطك في مصائبنا ؟؟
ولكن ….
هل لك أن تتركنا وسط غابات الوحوش .. وبلا ظلال في هذا المدى القائظ .. وترحل ؟؟
لا لا ، لن يسعك أن تشيح بوجهك عن عالمنا المظلم ..
ولن تغادرنا في عزِّ حاجتنا إليك …
ستبقى …. لن ندعك ترحل .. لأن من اخبرك بأننا جميعاً من أصناف المخلوقات المتوحشة، قد يكون وقع في خطأ التعميم الغلط… لكنه معذور.
أما أنت.. فلا يسعك الا ان تبقى … لأنك مفطور على الرحمة.
84
الحقد كفر
الحقد يا ليلى … آفةٌ عمياء صمَّاء، ما أن تتمكن من صاحبها حتى تحيله ذئباً بهيئة إنسان.
الحقد يا ليلى … داء بلا دواء، يستوطنُ ثنايا الروح فيعذبها وينكِّل فيها شرَّ تنكيل، قبل أن يرديها…
الحقد يا ليلى … كفرٌ، وظلمٌ، وظلامٌ، وجهلٌ، وتعصُبٌ، وآلةُ هدم وتدمير…
الحقد يا ليلى … نارٌ تلتهمُ الإنسانية والعقول … وتجفف كل ينابيع الخير والصلاح في المجتمعات البشرية…
الحقد يا ليلى…شرٌ.. بل هو مصدر لكل الشرور… نسأل الله، إله الرحمة والغفران والمحبة، أن يبعده عن قلوبنا جميعاً…
85
ترهات
حين كسرتَ الاقحوانة .. لم تظهر سوى متعطش لاقتراف الشر … وارتكاب أبشع الموبقات…
يومها، قطعت كل أواصر علاقاتك الرحمانية والانسانية على السواء…
هل كنت تصدِّق حقاً ان ربك مشغول عن كل جرائمك الكبائر، بصغائر عباده الضعفاء؟ أم أقنعك جنونك الجَموح بما كنت روَّجته بنفسك من ترُّهات توحي بأنك وحدك سفيره في الارض وخليفته على العباد والبلاد؟
كيف لك ان تتماهى مع الشيطان؟ وكيف بإمكانك أن تقمع كل غرائز الخير والجمال فيك ؟ وان تبدو كداعية فرقة وتنابذ ومنظِّر صراعات؟ ولا ضير عندك في أن توسَمَ بمخلوق يقتات من لحوم البشر؟
كيف لك ان تتنكر بكل هذه السهولة للإنسان الذي فيك؟ وكيف يمكنك ان تمسح كل معالم الخير التي أودعناها لديك ذات يوم ؟ وأن تتناسى كل فضائل الحب والايمان والرحمة والايثار والتعالي؟
ما هو سرُّ كل هذا الجحود، وهذا العصيان، وهذا الجموح الى الاذية والرزائل؟
هل هو الجين المتأبط في روحك منذ ولادتك الأزلية؟ أم هي البيئة الولاَّدة لكل أنواع الشرور؟ أم أنه مجرد ترف الرغبة الى الممنوع؟
لا، لم افهمك بعد، ويا حبذا….
86
صهيل الدم
الى متى؟
الى متى هذا الصهيل الأحمر القاني، الممتد الى أقاصي بقع الارض بلا نهاية، ولا حتى بصيص؟…
الى متى سيبقى الدم يستجر الدم ؟ والعنف يستجر مثيله؟ والصراخ أيضا يستجلب الصراخ الفارغ؟ حتى التذاكي والتشاطر والاستغباء كذلك؟ الى متى؟
حتى متى تريدينني ان أبقى كائن بلا صوت؟ لا دور له سوى التصفيق والتصفيق بلا جدوى؟
أما آن لهذا الجنون الجماعي، لا بل الاجرام الجماعي، ان يتوقف؟
87
سواد
ليت في الافق أمل.. أو حتى في الافق بصيص من فرح.
السواد..السواد الذي يلطخ الجدران والشرفات والازقة والطرقات وكل الامكنة.. ليس حولنا سوى السواد .
موت وحرائق ودمار وإرهاب ..وجلادين قساة. ازدحام خانق عند طوابير الموت انه احساس مروع حقا.
ظلام ..ظلام ، يصبغ كل نوافذ النور ويجمد كل بوابات الامل حبيسة أقفالها..
والناس يعيشون على أمل أن يغير الله ما في قلوب قنطت من رحمته …
88
الديكتاتورية السوداء
أحوال منطقتنا، باتت صعبة للغاية، منذ ان صار علينا محتماً الاختيار بين ديكتاتوريتين، الاولى ملونة على شكل فسيفساء جميلة.والثانية سوداء مطلية بالظلام.
ولأننا بصدد ظلام حالك، أشد سوادا من السواد نفسه، رأيت عقلي وقد استسلم للبقاء في قبضة الديكتاتورية الاولى.الى ان تتقدم “قوى التغيير المفترضة” بالمشروع البديل
89
عبرتني كنسمة
تلك النسمة التي عبرتني ذات مساء …
تغلغلت في كينونتي .. وترسخت .. حتى في أقاصي الروح ..
وحفرت حكايتها في صميم الوجدان .. ثم تاهت في شوارع الضباب …
مذذاك وأنا أبحث عن تلك الصمَّاء الخرساء في كل مدن الضباب ..
وعند كل شاطيء ..
وعلى كل المنحدرات …
وفي فيء كل غيمة ..
وعلى كل محطة من محطات الإياب ….
أناديها بكل جوارحي …
علها تتلمس وهس روحي وتوسلاتي ..
لكنني كمن يصرخ في منام…
أو كمن يبحث عن عدم …
90
من يدري؟
تتلعثم الحروف عند حافة شفتي، بينما انا احدق في عيون سكرت من شدة الوجد.وغيب الضياع الدارج بوصلتها العتيقة، واشعاعاتها الخفية.حتى باتت واجهة امامية تخفي خلفها بحورا من الامواج المتلاطمة.
هو الضياع الماشي على رَسله، هو الضياع، هو الضياع.ضياع حتى يحين موعد الافول الاخير…. ومن يدري ماذا بعد نهاية الشفق؟؟؟
91
أنى
أنى لكِ كل هذا السِّحر ؟
وكل هذا الجمال الساطع على محياكِ؟
أنى تأتين بكل هذه الموسيقى الواشية في عينيكِ؟
وكل هذه الانغام العابرة على وجنتيكِ؟..
أنَّى تأتين بكل هذا الفرح المتراكم في روحك الندية؟
وأنى ظفرتِ ببسماتك المبلسِمة للارواح العليلة؟
أنى لروحك أن تتمتع بكل هذا الصخب؟
وأنى لقلبكِ ان يتسع لكل هذا الحب؟
92
المحبة والكراهية
بالمحبة نعمر الارض..نضئ المدن والسواحل، ونحيل الارياف الى واحات تضج غناء وحياة…
بالكراهية، نؤسس لأحقاد تدمر المعمورة، وتحيل كل بنيان الى رماد.. رماد أسود لا تذروه الرياح..
93
الامل المستولد
يتسلل الوجد من بين اصابعي ، ليرسم بالابجدية عصفا من الشوق والحنين، الى امسيات خلت، احسبها ، على قصرها، دهرا من الفرح، للابتسامات التي فيها، ثم يكتب الامل.. بفرح جديد …
94
الله محبة
بالحب تجسدت عظمة الخالق، والحب هو سر الخلق ونكهة الحياة، وميزة الانسانية ولونها، لكنه بات اليوم مغطى بطبقات من الدماء المخثرة والمتراكمة….
وللأسف، انتصرت الاحقاد والكراهية والبغضاء والعنصريات على انواعها، على الحب .. منذ ان أشاح الله بوجهه عن عوالمنا السفلية…
أوليس الله محبة؟؟؟
95
عُدْ إلينا
لك ترنيمة الصباح …
ولك وحدك ينشد هذا الكون أهازيج أمل..
لك تشدو الأُلى بتسبيح التأمل…
ولك يهدي الوجود ألحان عظمته…
لك تغنِّي الكائنات افتتاناً بمشيئتك..
ولك وحدك تتراءى آفاق وأبعاد اخرى…
ووحدك العليم بما في كُنْهِ الصدور وذات الافئدة….
تجليتَ … فاذا كل الكائنات عدم… وابتعدت عنا فاذا الدنيا في ضمور… والمعمورة في ظلام… وكل العبيد يعودون وحوشاً من جديد… واذا الخليقة تعود الى مربعها الاول …. والكل فيها قايين ….يقتل أخاه طمعاً وفجوراً…
عُدْ إلينا أيها الحليم … وتجاوز بحلمك جرائمنا …. وأعد لنا ضوء وجهك الرحيم…
لعلنا نعود فندرك النور من جديد…
96
أروع الاقدَار
أنت ماء الحياة … ونورها الدافق من قلب النور الاعظم …
أنت جمالٌ … إحتوى سرّ الجمال في كل الكائنات ..
أنت سحرٌ لا يُضاهى…
أنت عقلٌ لا يتناهى…
أنت نبع فِكَر لا ينضب…
أنت جنة…
أنت دنيا سعيدة…
أنت ماء وهواء…
أنت أروع الاقدَار… وغاية المنى أنت….
97
حوار النحلة والوردة
ذات صباح … حطت نحلة على وردة وهمست ما أشهاكِ ..ما أطيب عطركِ .. ما أبهى صباحاتك المضمخة بعبير يفوح في الارجاء .. فيجعل الحياة ندية ومعطرة وزاهية بألوان العشق والتجدد والسعادة ..
قالت الوردة للنحلة : ما أخصبك ترتشفين الرحيق .. وتنتجين الشهد .. وتمنحين العسل … وما أنشطك تغزلين على كل محاور الحياة غناءً مستديماً .. وتلقنين الخلق دروساً في أسُس الانتظام والعطاء بلا حدود…
لكن للسعاتك آثار أوجاع يحكى عنها في الاساطير …
فردت النحلة بقهقهة مدوية : وهل سمعت يوماً بنحلة تلسع وردة!!!
صباحكم أطباق ورد ندية يطوف عليها أسراب النحل الخلاق.
98
غدر المشاعر
المشاعر الانسانية أكثر هشاشة ووهناً من خيوط العنكبوت… ولكن لا جبروت امامها…
هي وحدها التي تتحكم بمصائر كل جبابرة الارض وعتاتها ..وحتى الطغاة منهم.
مهما تجبر الانسان وتكبر تبقى أحاسيسه أقوى من قوته .. وأكثر عصفاً وجذباً حتى من الأنواء البحرية، وهي التي تحول اتجاهات المرء حيث تريد وتستبد بمصيره وتبتلعه في لحظات.
حاذر من مشاعرك يا صاحِ ..فالمشاعر غدارة..
99
أمي
أمي .. يا عروة البيلسان .. وعبق الحقول …يا زهر التين .. ولحاء الصنوبر ..وورق التوت …
أمي .. يا وجدان الحنين ..
ويا أشرعة المحبة …
أمي .. يا معجن الكون الرحيب .. وخبز الحياة …
يا حنو الليالي… وصحو الألم ….
يا سني الخجل .. ويا عفة الدهر وطهره .. يا حبكة الاعمار … وأرجوحة الفرح ..
أمي.. يا بسمة دائمة على وجوه الأزمنة…
أمي .. يا دفء المطر المنهمر في ليالي الشتاء …
ويا نسمة البرد في قيظ الصيف …
أمي يا حارسة حكايات العنفوان … وروايات النصر المؤزر … يا حادية أمجادنا … ومبلسمة انكساراتنا .. ومجمِّلة خيباتنا ..
أمي .. يا وهج النور… وتسبيحة الدعوات اللطيفة .. انت زينة وجودنا .
أعاد الله العيد على كل الامهات بالخير والسعادة والفرح.
100
أهرب منك إليك
كم يؤلمني المدى وتوجعني الحياة..
وكم تحدوني المساءات اليك….
كلما توغل الليل ..وترسخ السكون واستحكم الظلام .. كلما رأيتك أكثر…
لا أدري كيف لا أراك سوى في العتمة …
لكنني حين أراك أرتبك وأحتار بماذا احادثك ….
أأعاتبك ؟ أأتذمر أمامك؟ .. أأشكو إليك وأقول كفاك ؟ أألتمس حلمك ؟ عفوك؟رحمتك ؟ صفحك؟؟ تجاوزك ؟؟؟؟؟؟
أتلعثم في حضرتك كلما رأيتك .. ولا ادري ماذا اقول …فأهرب للسكوت…لكنني أهرب منك إليك …
في محاريبك أرتجيك …
أرغب في أن أقول لك كل شيء …
أحب ان أنفجر بالبكاء … في حماك …
كنت سأعاتبك مستسلماً .. ولست تعاتَبْ..
كنت سأقول كفى …
كنت سأستودعك قهري وأحزاني وانا اجهش … لكنك لا .. ولن ترضى …
101
لحظات أمل
أسهر أنا .. والليل .. ونبض الحنين …
يمر بي طيفك …
فأركن الى الذكريات ..
أعتصر شوقاً الى الآتي … وليس الى ما مضى من الليالي المدموغة بالألم .. وبكل أوجاع السنين ..
تمر بي ذكريات ستأتي … أحسبها مرتع الخُلد الموعود…
يحاكيني الوجد…
ما يزال في الحياة ما يستحق التجارب …
وما زالت الدنيا زاهية …
وستتفتح ألوانها أكثر …
وسيأتي الربيع ..
سيكون العمر أجمل يا ولدي …
وستكون مباهجه شتى ..
وسيملأ الفرح الدنيا…
إهدأ .. لا عليك ..
ستعيش في الجنة قبل الافول …
فذلك مكتوبٌ على لوح الأزل :
لن يمت من لم يتذوق الجنة بعد …
102
طوفان
فسدت الارض .. وضاق الكون بنفاياته…
لن يطهرها سوى طوفان من النجيع
103
ظلام مشع
الظلام آتٍ…
آخر قُبَب الشمس في بلادي تستعد للغياب …
لكن ما بعد أطر الشمس .. لن يكون الظلام …
ربما سيكون عتماً نورانياً … فيه أضواء باهرة تفوق مهمة التنوير …
وستخلف الشمس شموس بلا قيود…
وستتحرر الخليقة من كثير من الرقابات المتنوعة.. والطقوس والبيروقراطيات الفارغة .. والتسلط الاعمى …
ستكون شمس دافئة … وسينعم الانسان بنور التساوي…ولكن مع كل ذلك يدلهمّ التوحش … وتزداد ضراوة الانسان مع كل جديد …
الظلام آتٍ ؟ نعم …
والظلام مؤسَّسٌ على ظلمات قائمة فوق طبقات من الظلم والقهر والاستعباد …
فيا حبذا لو تمكن النور من أن يحررنا
104
النور
..
يحدث ان تهيم على وجهك بين الجموع …
وتعيشَ الحَشْرَ قَبلَه…
يحدث ان تشعر بوحشة الوحدة وأنت في لجة الازدحام …
يحدث ان تتجمهر الخليقة يوماً في الساحات والازقة وفوق بسيطة ضاقت بمبانيها الفارهة، وان تكون بينها باحثاً عن فيئ سنبلة من سنابل الخير التي سبق وانك زرعتها في أرض البشر…
يحدث ان تصادف بين تلك الجموع مخلوقاً غير آدمي … كنتَ سقيتَه يوماً ليأتيك مزمجراً كالريح يبحث عما يسديه لك في لعبة رد الجميل…
وقد ترى بين جموع المحتشدين ذلك المسكين السائل بثيابه الرثة وقد طلب منك يوما ان تطعمه من مال الله ففعلت ..
يحدث ان يراك فيعرض المعروف ….
يحدث انك تهيم في الارض باحثاً عن النور … فلا تدركه ….
النور .. النور .. النور …. لقد خنقنا الظلام .
105
أنت ذات مقدسة
أشهد أنك وجع.. يختال عند حوافي السنين …
أشهد انك قوة خرقاء .. تمخر في عقل الحنين …
أشهد أنك ذات مقدسة .. تتراءى مع الماء في مدى الظامئين ..
أشهد انك الروح …تعتمل في أوصال الخامدين …
وأشهد انك نغماً غريباً .. تُطرَبُ لسحرِهِ أسماعُ الذائقين…
106
مللت حياة المترفين
يأخذني الحنين إليك من الغفوة…
ويسافر بي على أجنحة حب منسية…
تسافر بنا الذكريات المشتعلة الى ماض تليد لم تبرحني قساوته … وما زالت جراحه تستبد بكينونتي وتدميني …
لكنني رغم ذلك… فلقد مللت حياة المترفين ..
كما كنت مللت يوماً حياة التشرد في الازقة العتيقة …
تهيم روحي بشوق كبير اليك …
أتلمس شغفاً عارماً للقياك ..
مع أنني لم يسبق ان رأيتك قبل الحنين …
لم أشاهدك في ذروة الازدحام .. ولا قبلها.. ولا سمعت عنك شيئاً قط …
كل ما في الامر انها عواصف الشوق تجتاحني دوماً … قبل الغفوة وبعدها وترميني عند اعتاب ملكوتك ….
107
…وأنت حالة وجد
خلعت ذاكرتي عند تخوم الغيم
ونسيت اسمي معلقاً فوق النجوم
حتى روحي أستودعتها خزائن اسرارك المرصودة ..
من يومها وأنا أعدو في رياض الجنائن… أقارب أطباق الورود ولا اقطفها … لتبقى فواحة تنثر عطرها والطيب .. في أرجاء الأمكنة …
من يومها ينتابني إحساس عميق.. بأنني حالة وجدٍ تلهج بأسمائك القدسية… أو أنني مجرد روح هائمة تقتفي آثار الضائعين بين ركام الكائنات … بحثاً عن وجوه الحياة …
108
غموض
تبحثين عن الذُروة في أقاصي الروح …
ولا تدرك مراسيكِ الشواطيء…
كم أنتِ غامضة … كأعماق البحر … وكم يزيدك الغموض سحراً وبهاء …
وكم انت غنية بالحكايا الأسطورية.. ككنوزه الدفينة ..
ما تحت الماء يجثو بثقله .. وما فوقه يطفو بخفته…
أما حكاياكِ أنت .. فأثمن من الكنوز البحرية وأشدُّ لغزاً من أحاجيه…
كثيرا ما تتحدثين … لكنك لست تبوحين سوى بأسرار … وأسرار كثيرة .. ولا تكتمين سوى مشاعر كبيرة..
غريبة أنتِ .. وأحجية أنتِ .. وانتِ لغزُ الحكايات..
كنتِ وتبقين دوماً لبّ الحكاية ….
دافئة انتِ كنقطة ماء ساخنة … كلهيب في عز الصقيع
وباردة أنتِ كجبل من ثلج فوق المحيطات المتجمدة بصقيعها الازلي …
أنتِ سرٌ ؟ بل انك أعظم الأسرار …
وستبقين في عز البحث عن الذروة .. رمز الحكايات وسر الخلود.. مهما تراكم الزمن وتوالت العصور…
109
قدر…
قالت:بيننا بحور وصحاري ومسافات لا تطويها السنين….
قال: سنلتقي في نهاية المطاف.. لا بد سنلتقي….لا شك سنطوي المسافات ونجتاز الاشرعة… لكن لقاءنا سيكون بعد غروب الاشواق وانكسار الحلم… ومع ذلك سيكون اللقاء عاصفاً…حتى ولو بعد فناء العالم…….
110
مللت …
مللت العيش في ظلال صروح من ورق…
وكرهت معايشة من يعاقرون الوهم… وقرفت المبتلين بالعنجهيات الفارغة…
وسأعتزل ..
في أوج العطاء ومن على الذروة سأعلن اعتزالي مهنة البحث عن …السراب وامراض الأنا .
أرغب فعلا وما ازال راغباً لانني تعبت... والى ان يحين الفرج….
111
توهان
قالت: حين اتحدث عنك أصاب بدوار التوحد.. أشعر بأنني قطعة منك..أتماهى فيك الى درجة الذوبان والتلاشي.. وينتابني شعور غريب بنرجسية فاقعة …أحس معه بأنني ملكة متوجة على هذا الكون الفسيح….لا بل أكثر … تراودني فكرة ان بإمكاني أن أقطف النجوم وأرصفها على كتفيك… لأتوجك ملكاً على العالمين….
قاطعها قائلاً : انها عوارض شيخوخة مبكرة…..
112
سبحانك ..عدلك
سبحانك ما اعظم شأنك….
وحدك العدل، العدل….ولا سواك…
حتى حبات القمح المذروة على الارض، والفضلات المرمية عشوائياً مقدر لها لتوزع بعد ذلك بالتساوي على بيوت النمل، وكل الحشرات التي تدب سعيا وراء قوتها الشتائي…
سبحانك ما أعظم عدلك…كل ما يحدث في الارض مسير بقدرتك اللامتناهية.
إلهي .. لا اعرف كيف،وإذا لي أن احمدك…سبحانك.. سبحانك.. سبحانك.. أنت الرحمة.. فاهدنا بعفوك الى الصراط المستقيم.
113
لو
لو تسمعين صهيل الليل يسري في عروقي كل مساء….
لو تنصتين الى آهات الندم، وأنيني الدائم، حين أكون وحيدا وسط سكرات الظلام….
لو كان لك ان تدركين ذرة من حجم اشتياقي وحنيني الى ماض تليد وليالٍ خوالي….
هو تاريخ كنتِ لؤلؤته المشعة، رغم كبر عذاباته، ومآسيه، والقهر ، والظلم ، والظلام، والتخلف الذي طبعه…..
وكان عزائي يومها اني القيس ، وانك ليلاه التي لم تدركه … ولم تدرك !
114
يا التي
تسكبين عمرك في قوالب ذاكرة الوجود، لتحيا قبائل الوعد الآتي، عزيزة حرة…. يا لك من نرجسية، اغرتها الحياة، حتى تلاشت في محاكاة الخلود |
115
خيرات
عجبي …كيف لا تنحني الهامات تحية عظمى…للخير المتساقط من السماء…ليروي عطش أهل الارض، ويغسل أوساخ الدنيا…ويعيد الى هذا الكون النقاء.
116
عمر أسود
عندما يفقد المرء النقاء والصفاء تضمحل طهارة الروح.. ويُقتل الفرح، وتنطفئ كل مشاعل الحياة، ويصبح العمر صورة سوداء، تنعدم فيه الملذات، وتغدو الدنيا مجرد هياكل متداعية، ويتحول الكون الى ركام متكوَّم وحطام …. ويفقد الانسان انسانيته…
117
حقبات سوداء
تضربني نوبات حنين قاتلة، الى حقبات أمقتها.. أرذلها….أكرهها …أحتقرها ..أشتمها ..أحقد عليها… لكن أشواقاً عاصفة تخامرني ..تجتاحني في غفلة مني، وتشدني إليها كثور يُجَرُّ أو يستجر نفسه الى مذبحه …
ترى أي دوامة …تلك التي رميت نفسي طائعاً في جحيمها الابدي؟ ومتى تلفظني كوابيس ماضٍ رسمته مخيلتي لوحة سوداء، رسوماتها مبعثرة متناقضة، متنافرة مقرزة، علقت فوق أكتاف الازل؟
هل هذا هو الجحيم، الذي حدثتنا عنه الاساطير القديمة؟ أم هي الحياة تتجلى بصورها المتباينة، بحلاوتها والمرارات؟؟؟
118
لكَ …عَنَتِ الوجوه
أما أنت .. فنور يتوهج من عمق الزوايا المعتمة.. بل ينبوع متفجر يتلألأ في لظى صحراء قاحلة…
لك عنَتْ الوجوه، وخرَّت جبابرة الظلم والظلمات، وانحنى الكون بأبهته وكل آلهته ….ولكنك ما زلت تسحقني وتعذبني، وكأنني مثلك خلقت من نور… !
دعني أيها السيد.كفى.فأنت من أنت….يا انت. وأنا …من أنا؟؟؟
119
أنشودة الصباح
حين غادرت السهر …لم يعد للعمر ذلك المذاق النوعي الفريد…
مذذاك، باتت الحياة أشبه بأنشودة جميلة على ألسنة صباحات ساحرة…وصرت أحدق كل فجر بلوحة الوجود وأشهد كيف تستولد الحياة نفسها من رحم الظلام ….
120
أقدار ظالمة
أقسى أشكال العذاب النفسي، تتذوقها حين تبتلى بحب من لا يراك، الى حد التلاشي والذوبان فيه.
وتزداد طاحونة العذاب ضراوة، عندما ترذل من أحبك وآواك، وتقدِّس من اختار سواك، الى درجة قبولك بالعيش على ذكراه!
ترى .. أي جحود ونكران بشع مقيت، هذا الذي تختاره لنا أقدار الحياة الظالمة؟
وكيف تريدنا إرادة الخالق ان نتعلق بجلادينا، الى حد العبودية؟ ونشيح بوجوهنا عمَّن أحسن الينا؟ونمتهن من قدَّرونا؟
لجة من العذابات الدائمة، لا تنفك تلازم المبتلين، لا ترحم.. ولا مفر منها سوى الى دوامة أخرى من الحيرة: ترى ما هي حكمة الخالق في ذلك؟
121
طنين
سمع طنيناً خافتاً … وتمتمات غريبة تشبه الوحي .. ففهم كل ما يستبطنه خيالك الأخاذ….
هل قليل ان روحيكما إلتقتا خلف الوجود، وقبل العمر، فاقترنتا وتعانقتا طويلاً؟؟؟؟
انها الروح … وللأرواح لقاءاتها الجميلة، ولغاتها، وحوارتها، وجدلها، وعناقها اللذيذ…
122
الصدق
الصدق .. أثمن وأرقى مزايا البشر..
الصدق فرح…
الصدق تفاؤل ..
الصدق حب …
الصدق أمل بقرب الفرج …
الصدق ضحكة تعكس الهناءة والوداعة…
123
ثلج النقاء…مرحى
مرحباً بزائرنا الابيض الذي يفرش أرضنا ثلجاً يرمز للنقاء .. ويكلل جبالنا بعمامات وجد بيضاء توحي بعظمة العطايا الربانية الشاملة….
اهلاً بالثلج الذي يزود آبارنا باحتياجات الارض وأهلها من المياه الجوفيه طوال ايام العام وشهوره، وما بعده احياناً…
أهلاً بالابيض الذي يودع سرّ الحياة في الينابيع والانهار والجداول والترع…
أهلاً ومرحباً بالابيض وما يخلفه من صقيع يجوهر الابدان.. وجليد يحمي البشر من كل أنواع القوارض والزواحف والحشرات الخطرة، ويتكفل دون سواه بإبادة شتى انواع البكتيريا الضارة بالانسان …
نهلل للأبيض الذي يشيع ضباباً في مدى الرؤيا، يتولى تنقية الهواء الكوني ويعيد تشكيل غمامات المطر من جديد…
اهلاً بالثلج … رمز النقاء ومصدره الحقيقي….
أهلاً ومرحباً بالرحمات الإلهية المتعددة الوجوه …
124
أمطار .. تغسل دنيانا
امطري ..أمطري بالرحمة… علّ أمطار السماء تغسل وجه دنيانا، وتجلي مشاهد جمالها الرباني، بعدما حجبتها أوساخ البشر…
امطار تغسل عار أهل الارض.
ماء ..ماء ..ماء… والماء أثمن ما في الوجود…
125
وجع اضافي
الحياة أقصر من ان نخوض فيها كل مغامراتنا المفترضة… والمتبقي من الاعمار حواشي أيام أو سنين عجاف…
الحياة، أشبه ما يكون بحلم قصير.. ينقضي سريعاً…
وتبقى الذكريات ملازمة للأنين….
والذكريات وجع إضافي .. يحاكي حرقة الصامتين ممن ينتظرون مشدوهين على لوحة الاحلام المنسية ….
126
احد البلغاء المعبرين
قلت يوماً لصديق:
جُدْ وتعملق أيها العزيز … فلقد اختارك الوجود أحد بلغائه المعبِّرين…
جُدْ … وقدّم من الاقوات ما يكفي للارواح والعقول، وأكثر…
جُدْ وعبِّر بما شئت .. وارتع حيث شئت.. وتبختر أنى شئت ..
جُدْ ..لا عليك…فحتى وأنت في التسعين ستكون ما تزال طفلاً في دروب العطاء والترشيد…
جُدْ بما لديك … حياك من وهبك…
127
واخجلاه
أشعر بالخجل حين أتذكر أنني إبن جيل لم يقدِّم للمسار الانساني التاريخي سوى الابداع في القتل والمجازر والدمار والويلات والحروب…
أستحي من كوني أعايش زمن التباري بسفك الدماء، ووأد الارواح البشرية، وإحراق أعظم القيَم والعبث بأرقى المُثُل والدوس على كل الرسالات
اعتصر خجلاً عندما أدرك بالملموس أنني أعيش في عصر التوحش… وأعايش الوحوش!…
يؤلمني جداً عندما أتذكر أجيالاً أخرى قدمت إضاءات واكتشافات راقية ومذهلة ومميزة لعالم الانسان… فيما جيلنا لم يفلح بغير القتل!!!
128
مرتعك
أما أنا يا صديقي، فدائما ما أجدني أهرب منك إليك، لأستظل فيأك من قيظ الصيف، فتولجني الى مرتع دافيء ..لكنه سحري وساحر…
أواه .. ما أوسع حنانك، عندما يمتطي الخيال، ويلامس الخرافة…..
129
الحياة بذُلٍ …أقصى عقوبة
حياة الأحرار مجدٌ تليد … وعيش الجبناء عارٌ مديد.
عشْ حراً أبياً، أو متْ عزيزاً… فالحياة بذُلٍ هي أقصى عقوبة … والمداهنة والممالأة انواع من الموت الرخيص…
130
تمالئون
ولَكَمْ حذرتكم يا ابناء الحياة..من المال الاسود..والثيران السود..والمواقف السوداء.
وكم كنتم تتخابثون..وتكيدون..وتمالئون اعداء الله والانسان…
131
نوغل في التوحش
بات ينقصنا كثير من الحب لنستعيد إنسانيتنا..كل يوم يمضي، توغل البشرية أكثر فأكثر في التوحش، أخاف ان نتحول الى كواسر حقيقية.
132
مناجاة إنسان
إلهي ….لقد طال أمد توغلنا في “الوحشنة” .. فمتى تعيد البشرية الى إنسانيتها؟؟؟
133
الهدامون
بعد 1500 سنة عاد ابو جهل من جديد…
وعاد من يهدم دين محمد.. هو التاريخ يعيد نفسه.
134
غدر
أيعقل ألَّا أعثر على وفيٍ واحد من بين أتباعك؟؟؟
أإلى هذه الحدود كنت غادراً وخائناً ؟!!!!!!
135
إبصار
لا بد سيطلع صبح من بين جفوني، ولو لهنيهة.
136
شجن
فطّرتِ قلبي..يا ذات الشجن الحزين..
137
غيّ
وأنا عتبي كبير كبير ..تعرفين منشأه تماما.كما سمعت في الماضي همسات الروح، قبل ان تختمر حكايانا..ثم نمضي كل في طريق، على أمل تحية موسمية .. لم تعيريها احترام.
138
مهابة
لحضوركِ مهابة …
تجعل الزهور تتبلل بالندى…. خجلاً.
139
حواس ووجع
وما الانسان الانسان.. سوى بعض نبض وحواس ووجع .. والكثير الكثير من الاشواق القاتلة ، والحنين المبلل بدموع الذكريات الحارقة؟؟؟…
140
طقوس
طقوسٌ..طقوسٌ .. طقوسْ.
كل ما في هذا الكون طقوسٌ في طقوسْ.
141
الحياة
الحياة ….. حلم طويل.
142
سنعبر..
لكننا سنعبر يوماً الى مهد أحلامنا البيضاء، ولو من فوق أكوام السنين العاتيات ….
143
سراب
الحياة أكثر من حلم ..وأقل من حقيقة…
لكأننا نعدو خلف سراب…
144
خيانة الداخل
اخطر انواع الخيانات هي الرهان على وحوش الارض الشاردة ….
145
مرحى
مرحى مرحى، أيها النور ..الآتي إليَّ من قلب النور اللامتناهي …
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………
146
الفهرس
4 _______ الاهداء
5 _______ تحية احترام للقارئ
6 _______ الراعي الدهري (1)
7 _______ الراعي الدهري (2)
8 _______ الراعي الدهري (3)
9 _______ الراعي الدهري (4)
10 ______ مهلا يا رحيل
11 ______ يا شمعة الروح
12 ______ نقطة
13 _______ أرصد قحطا
14 _______ ابحث عنه
15 _______ لوحة في مقهى عتيق
16 _______ ماء النار
17 _______ عبودية أزلية
18 _______ بئر السنونو
19 _______ اضمحلال الانسان
20 _______ نحن رماد … للعدم
21_______ يا إزميل الحياة
22 _______ يا حبة الرمل
24 _______ لوحات جمال متدفقة
25 _______ مزهرية ماض سحيق
26 _______ ما ظلمونا
27 _______ خيانة الموتى
28 _______ بالحب عرفنا الله … وذواتنا
29 _______ … وأنا أضناني السفر
30 _______ النور
31 _______ أفتش فيك عن الله
32 _______ كأس المزاج الاعظم
33 _______ أنت كل شيء في شيء
34 _______ أنشد للحب
35 _______ في مضارب قحطان
36 _______ ما كنتَ كما شئتكَ
37 _______ … وتبقين
38 _______ في كنه النور
39 _______ موبقات … وجرائم سود
40 _______ عبيد
41 _______ ديدنها عدل وخصوبة
42 _______ مسرح وفنون
43 _______ اللؤلؤة السمراء
44 _______ الدمعة الغبية
45 _______ كنتِ … وكنتٌ
46 _______ هرمنا
47 _______ نتهاوى كأوراق الخريف
48 _______ لوحة
49 _______ جوهرة الدهور
50 _______ مسحة ساحرة
51 _______ الحكواتية السمراء
52 _______ شلالات أحمر
53 _______ صرنا كأننا العار
56 _______ كنت أظنك الشذى
57 _______ عوارض لا شفاء منها
58 _______ الى روح صديق – زميل
59 _______ أين تباع الاحقاد؟
60 _______ لحظات العبث هي الحقيقة
61 _______ أجبن من القطط
62 _______ بالحب وحده
63 _______ … ولم تطهركم النار
64 _______ صرت أراك … ما أبهاك
65 _______ أرض الموت
66 ______ يخيفني السفر
67 ______ فراغات قاتلة
68_______ طريق الى النهايات
69_______ طنين الحنين موجع
70_______ حكايات الشتاء الحزينة
71_______ لكِ
72_______ مزيج
73_______ ترومين القرار … والامارة
74_______ أرض لا أمان فيها
75_______ ما أقسى التنين
76_______ وليمة للضباع
78 _______ خراف
79_______ شعب الماء
80_______ مطر
81_______ قوم عسس
82_______ وردة … اغتالها الاشرار
83_______ إرحمنا
84_______ مع الوحوش ؟
85_______ الحقد كفر
86_______ ترهات
87_______ صهيل الدم
88_______ سواد
89_______ الديكتاتورية السوداء
90_______ عبرتني كنسمة
91_______ من يدري ؟
92_______ أنى
93_______ المحبة والكراهية
94_______ الامل المستولد
95_______ الله محبة
96_______ عٌد الينا
97_______ أروع الاقدار
98_______ حوار النحلة والوردة
99_______ غدر المشاعر
100_______ أمي
101 _______ أهرب منك إليك
102_______ لحظات أمل
103_______ طوفان
104_______ ظلام مشع
105_______ النور
106_______ انت ذات مقدسة
107_______ مللت حياة المترفين
108_______ … وانت حالة وجد
109_______ غموض
110_______ قدر …
111_______ مللت
112_______ توهان
113_______ سبحانك … عدلك
114_______ لو
115_______ يا التي
116_______ خيرات
117_______ عمر أسود
118_______ حقبات سوداء
119_______ لكَ … عنَت الوجوه
120_______ أنشودة الصباح
121_______ أقدار ظالمة
122_______ طنين
123_______ الصدق
124_______ ثلج النقاء …مرحى
125_______ أمطار تغسل دنيانا
126_______ وجع إضافي
127_______ احد البلغاء المعبرين
128_______ واخجلاه
129_______ مرتعك
130_______ الحياة بذل…أقسى عقوبة
131_______ تمالئون
132_______ نتوغل في التوحش
133_______ مناجاة انسان
134_______ الهدامون
135_______ غدر
136_______ إبصار
137_______ شجن
138_______ غيّ
139_______ مهابة
140_______ حواس ووجع
141_______ طقوس
142_______ الحياة
143_______ سنعبر
144_______ سراب
145_______ خيانة الداخل
146_______ مرحى
154
المؤلف في سطور :
عباس فايز صالح.
– رئيس تحرير جريدة “الدنيا نيوز” الالكترونية.
– كاتب وصحافي لبناني منذ عام 1992.
– مستشار إعلامي في القصر الجمهوري ) 2008 – 2014( .
– حائز على عدد من الجوائز الصحافية والادبية، أبرزها جائزة الاديب سعيد عقل الأدبية “الكلمة الملكة” في العام 2001 .
– عضو في نقابة محرري الصحافة اللبنانية.
– عضو مؤسس في منظمة “صحافيون من أجل الإنسان”.
– كاتب ومحرر رئيسي في جريدة “النهار” (1999 – 2016) .
– مدير مكتب بيروت في مجلة “المشاهد السياسي” الصادرة عن B.B.C. ( 1998-2000).
– صحافي وكاتب سياسي في مجلة “الوطن العربي”( 1993-1998).
– أشرف على تحرير وإصدار عدد من المجلات اللبنانية من بيروت، وكتب في صحف “اللواء” و”الكفاح العربي”.
– رئيس تحرير مجلة “استجواب”(منذ العام 2000)
– قدم برنامج الحوار السياسي المباشر “العرب اليوم” على إحدى الفضائيات العربية في العام 2010.
Email:Abbassaleh11@gmail.com