ربيع الدبابات في الميدان الاوكراني..!
بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
أخيرآ وليس آخرآ وربما الى أجل، وبالرغم من كل الضغوط الاوروبية والدولية التي مارستها بشكل رئيسي الولايات المتحدة الاميركية بقيت المانيا متحفظة حول دعم الجيش الاوكراني بدبابات Leopard 2 القتالية؛ غير معترضة في آن على اعلان بولندا اقدامها على هذه الخطوة دون انتظار موافقة برلين خلافا للعقود الموقعة التي تمنع الجهة المستوردة من تزويد دولة ثالثة بها..
من جهة اخرى؛ شهد الاسبوع الماضي حالة من التخبط الغربي حول ضرورة تلبية طلب كييف لجهة تزويدها دبابات هجومية وبروز تباينات جدية حول خيار اعتماد ايآ من ثلاث: Challenger 2 البريطانية- M1 A1 Abrams الاميركية- Leopard 2 الالمانية” دون تجاهل الفرنسية AMX-56 LeClerc وذلك استنادآ لمميزات ثلاث ايضآ “المواصفات لجهة الكفاءة القتالية، التناسب مع طبيعة ارض المعركة، سهولة استيعاب القوى لتدريبات استخدامها خلال وقت قصير” وذلك قبل حلول فصل الربيع القادم تحسبآ لما هو متوقع من تحضير القيادة العسكرية الروسية لإطلاق عمليتها البرية الهجومية الشاملة.
تزامنآ؛ صباح الخميس 19 الجاري 2023 تسلم وزير الدفاع الالماني الجديد Boris Pistorius مرسوم تعيينه من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير وذلك في قصر Bellevue الرئاسي في العاصمة برلين، كما تسلمت وزيرة الدفاع السابقة Christine Lambrecht وثيقة إنهاء مهامها بعد ان قدمت استقالتها في وقت سابق الى المستشار الالماني اولاف شولتس. تاليآ؛ قبل 24 ساعة من انعقاد اجتماع وزراء دفاع التحالف الغربي لدعم اوكرانيا في مدينة رامشتاين، أدى الوزير الجديد اليمين الدستورية في البرلمان الألماني “بوندستاغ”. تبعه اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في العاصمة برلين. صحيفة “غارديان” البريطانية ذكرت أن أوستن التقى بيستوريوس بعد ساعات قليلة من تأدية الأخير اليمين الدستورية. في اللقاء، أكد أوستن أن ألمانيا لا تزال “أحد أهم حلفاء” الولايات المتحدة الأمريكية. وشكر الحكومة الألمانية على “كل ما فعلته لتعزيز دفاع أوكرانيا عن نفسها بمواجهة الهجوم الروسي”. من جانبه اعلن بيستوريوس إن بلاده “مستعدة لدعم أوكرانيا في كفاحها من أجل الحرية والسيادة واستقلال أراضيها”، مضيفا أن “برلين تقف جنبا إلى جنب مع حلفائها”. وتشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء الالماني اولاف شولتز لن يعطي الضوء الأخضر لإرسال دبابات Leopard 2 إلا إذا وافق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على تزويد الجانب الأوكراني بدبابات Abrams الأمريكية.
في سياق متصل، فإن جملة اسباب تدفع اوكرانيا للمطالبة تزويدها دبابة ليوبارد الالمانية؛ اذ يعتقد الخبراء العسكريين ان دخولها المعركة بمواجهة الدبابة Armata (منصة القتال الشاملة) العمود الفقري للقوات البرية الروسية سيحدث فرقًا حقيقيآ في ساحات القتال خلال الفترة القادمة. يختصر الدكتور Jack Watling الباحث العسكري في المعهد الملكي للخدمات المتحدة خصائص “ليوبارد” : «انها دبابة قتال رئيسية حديثة ومحمية مع أجهزة استشعار جيدة Detection System وقد صممت بطريقة تسمح بصيانتها من قبل مجندي الجيش وبالتالي من الأسهل مواصلتها القتال مقارنة ببعض تصميمات الناتو الأخرى».
استطرادا، اورد موقع Gazeta.ru ان المانيا تعمل حاليآ على انتاج الجيل الجديد من دبابات Léopard القادرة على التعامل بكفاءة مع آلة القتال Armata T-14 الروسية بعد عرضها لاول مرة خلال احتفال يوم النصر في موسكو، المبنية على منصة عالمية والتي تحتوي كبسولة حماية الطاقم ومزودة برادار AESA المتطور مع “نظام الدفاع النشط” Active Protection System القادر على اعتراض القذائف المضادة للدبابات..
في السباق مع الزمن؛ القيادة العسكرية الاوكرانية تسعى لبناء وحدات عسكرية جديدة وتجهيزها عبر المساعدات الغربية، كما اعلنت حاجتها لحوالي 300 دبابة قتال رئيسية من طراز ليوبارد الالمانية اضافة الى عدة مئات من مركبات المشاة المدرعة الاميركية Bradley Fighting M2/M3.. من الواضح ان هذا الدعم المدرع سيسمح للقوات الاوكرانية بالانتقال من مرحلة الدفاع عن الخطوط الامامية الى تنفيذ عمليات الهجوم الخاطف Blitzkrieg او “تكتيك الصدمة” الهادف الى كسر تشكيلات الوحدات الروسية المهاجمة التي تعتمد (استراتيجية الارض المحروقة) Scorched Earth Strategy.
في السياق؛ مما لا شك فيه ان العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا شكلت نقطة تحول رئيسية في السياسة الامنية والاستراتيجية العسكرية للحكومة الالمانية، كما دفعت التغيرات الجيوسياسية الى اتخاذ قرار (للمرة الاولى بعد الحرب العالمية الثانية) بجعل الجيش الالماني قادرا على الردع وحاهزآ للدفاع مع تزويده بمعدات متطورة واسلحة اكثر كفاءة. الرئيس الألماني Frank Steinmeir اعتبر “ان المانيا ليست في حالة حرب”، لكنه أشار إلى أن هناك حقبة في مواجهة رياح معاكسة ستبدأ بالنسبة لبلاده، قائلآ: “في ظل هذه البيئة من التهديدات الجديدة، يتعين علينا اتخاذ رد فعل على أية تهديدات تستهدفنا”.. من هذه المنطلقات ووفق مصادر الدفاع الالمانية يتعين على الوزير الجديد المعروف بصلابته وعقله الهادئ ومثابرته توجيه مشروع تحديث الجيش الألماني، والإشراف على توسيع شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا..
بالمقابل، ازاء كل هذا الدعم التسليحي من حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة الاميركية، دفعت موسكو بالمزيد من اسلحتها المضادة للدروع الى ساحة المعركة “الصواريخ الذاتية الدفع 9K114 Shturm- انظمة الصواريخ المحمولة 9K111 Fagot والقذائف الصاروخية المحدثة RPG 7” التي تشكل منظومة متكاملة في المدى والقدرة التدميرية الرادع الرئيسي ضد المدرعات الخفيفة والثقيلة على السواء والتي تزداد خطورتها في حروب المدن.. كما سيتم دمج 150 ألف جندي روسي في الوية المشاة المؤللة تم تجنيدهم وتدريبهم منذ الخريف الماضي..
أخيرآ؛ في ظل الاستعدادات العسكرية واللوجستية المتبادلة دون ان ننسى “توقعات رئيس الوزراء الروسي مدفيديف” بداية العام الحالي، ووفقآ لمحطة CNN تريد أوكرانيا “أخذ زمام المبادرة قبل أن تعزز روسيا خطوطها وكتائبها التكتيكية”، يبدو ان اركان حربها يعتبرون المدرعات الالمانية والاميركية مفتاح الحسم ضد الجيش الروسي.
اذ بات الحلفاء الغربيون يبدون ثقتهم بفرص انتصار اوكرانيا في الحرب الضارية، لكن الطبيعة غالبآ ما تكون الى جانب الجيش الروسي، ثلوج موسكو ساهمت بدحر القوات النازية على ابوابها خلال الحرب العالمية الثانية فهل تكون كثافة وحول الربيع الاوكراني المغراق القاتل للوحدات المدرعة الغربية الثقيلة التي ستتحول اهدافآ سهلة لقاذفات الار بي جي..؟
بيروت في 24.012022