بقلم : عباس صالح
مات الصديق والزميل والمعلِّم ذو.
قامة أخرى من القامات العالية ترحل دون وداع…
ذو لفقار قبيسي، توقف امس ذلك النهر الذي بقي متدفقاً بالعطاء حتى الثالثة والثمانين من عمره وهو في عز جريانه، لكنه ميزته انه عاش كل تلك العقود شاباً، محباً للحياة ومقبلاً عليها، ويتعاطى مع كل صغير وكبير بمفاهيمه .
ما اجمل مجالسة ذو لفقار، المثقف العميق الغني بثقافة متنوعة وشاملة، كما هو غني بأخلاق رفيعة، كان يقول عن نفسه بأنه حاك ثقافته بيده ، ويفاخر بما قال فيه صديقه المفكر العربي الكبير منح الصلح بأن “ثقافة ذو شُغْل إيدو”، وكان عصامياً بامتياز كبير فعلاً، فهو الذي شق طريقه العلمي والعملي بمفرده. وبعد ذلك علَّم الكثير من الزملاء وأخذ بأيديهم نحو الناصية.
أعزي نفسي اولاً بصديق هو من أغلى وأنقى وأكرم وأفضل الاصدقاء، وزميل معلم راهن عليَّ، وعلمني الكثير من أصول المهنة وفنون الاختصار، قبل ان يعهد اليَّ برئاسة تحرير مجلته المصارف لمدة قصيرة، غادرتها بعدها لانشغالي في مؤسسات أخرى، لكننا أبقينا الود واللقاءات المكثفة بشكل شبه يومي في مقاهيه المفضلة، حيث لا يمكن لصديق ان يضيِّعَ ذولفقار قبيسي اذا اراده، فهو حاضر دائما وابداً في المقهى المفضل لديه (بحسب كل مرحلة، لكن ابرزها ال “سيتي كافيه”) ونادراً ما كان يدخل احد الى المقهى من دون ان يسلم على ذو، سواء كان لبنانياً او عربياً.
ذولفقار كان واحداً من جيل الرواد في مدرسة الصحافة اللبنانية، وأحد ابرز المساهمين في رفعتها وإيصالها الى قمة العصر الذهبي، اضافة الى انه كان من أبرز وأهم الاقتصاديين العرب.
“ذو” وهو الاسم المتداول عنه والأحب اليه، درس في لندن بداية الستينيات عندما كان يعمل في البنك الأهلي التجاري السعودي في بيروت.ولكن حنينه الى الصحافة كان اقوى من نجاحه في العمل المصرفي حيث أصدر مجلة «المصارف» عام 1963 مع زميله مصطفى الجندي، وانطلق منها الى عالم الصحافة حيث امتهن الكتابة في عدد من الصحف اللبنانية حتى العام 1972 حين انتقل الى الكويت وشارك في تأسيس جريدة القبس العريقة، وتولى وظيفة المدير العام فيها منذ أواخر عام 1972 حيث شهدت الجريدة في عهده أكبر مرحلة توسع وبناء، حتى استقال عام 1979 وعاد إلى بيروت ليكتب في صحفها.
لدى الراحل مجموعة إصدارات وكتب منها: رواية “لندن سوداء مثلي” بالانكليزية التي كان يتقنها بمهارة ، و “الفكرة العربية”، و”نظرة ثانية”، و”يوسف بيدس فلسطيني حلم بمجد لبنان”. كما له باع طويل في عالم المال والأعمال، حيث جمع بين الصحافة والإدارة، وعاصر كبار الكتاب اللبنانيين والعرب.
ورغم المرض الذي ألمَّ به في سنواته ال5 الاخيرة فقد بقي ذو حتى آخر أيام حياته يمتهن الكتابة وينشر مقالاته في الصحف اللبنانية والعربية من دون توقف ويلتقي بزملائه في مقاهي بيروت التي عشقها و”داوم” فيها حتى النفس الاخير. وكان له آراء جريئة وواضحة في الانهيار الاقتصادي الذي حل بلبنان، وكذلك في عملية تحول الصحافة من ورقية إلى إلكترونية.
(توفي فجر امس في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بعمر 83 سنة، وســيوارى جثــمانه عصر اليوم في جبانة بلدته زبدين).
أسرة “اخبار الدنيا” تتقدم بالعزاء من نجله العزيز الهادي القبيسي ومن كل اقاربه الآخرين بهذا الرحيل المدوِّي.
