خطة تهجير الغزاويين ماضية على وقع استراتيجية الإلهاء..!
بقلم العميد منذر الايوبي
بين إبداء الرغبة حينآ واتخاذ القرار احيانآ أُخَر تكررت تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول ترحيل اهالي قطاع غزة الى مصر والاردن لتلقى في حينه من دول ومنظمات كثير إستهجان واستنكار، لتصنف تارةً في خانة ما يسمى (توسعة البيكار) استخفافآ او لاعتياد القاء الكلام جزافآ وفي كلتا الخانتين بُعدٌ عن واقع واستسهال تجاوز.. إذ ان ترامب الاول غير ترامب الثاني على ما بدا من حضور طاغٍ وتصريحات اكثر حزمآ وجدية لا تُنطَق عن هَوىّ فما يريده أُعلِن وما يرغب في معالجته يُنفذ او بدأ وإنهاء الحرب الروسية – الاوكرانية مثال..
سياقآ على شبهةٍ ضئيلُ الشكِ صحتها، معطوفة على حقيقةِ عُنصرية الكيان يمكن اضافة عملية إلهاء وتعمية سببآ اساسيآ لإستئناف العدوان على قطاع غزة ولو على حساب التضحية بما تبقى من اسرى لدى حركة حماس، تتزامن مع تنفيذ الجيش الاسرائيلي مهمة قضم متدرج للاراضي السورية مع توسعة البقعة الجغرافية للإحتلال تمهد لتهجير سكانه الى جنوب وشرق سوريا بعد ان كانت الوجهة مصر والاردن ثم المملكة العربية السعودية والصومال. كما تصب تلقائيآ وبشكل غير مباشر في سياق هروب الى الامام من قبل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو تجاوزآ لعصف الأزمة الحكومية المستمرة وإقالة او استقالة العديد من قادة الصف الاول في الجيش والاستخبارات وحفاظآ على موقعه ومستقبله السياسي، إضافةً لِدرء المحاسبة القضائية عن الاخفاقات العسكرية وارتكابات الفساد المتعددة..!
من هذا المنطلق تأتي جملة مؤشرات لتؤكد ان (خطة الترحيل الديموغرافي) لم تعد امرآ متعذرآ لا بل تجاوزت عقباتها بعد ان مَهَد لها حصار فُرِض على القطاع منذ اسبوعين، ثم ان العملية البرية (المحدودة وفقآ لبيان جيش العدو) التي اطلقت يوم امس على وسط القطاع هدف تمدد المنطقة الأمنية وإنشاء حاجز جزئي يفصل شماله عن جنوبه مع بسط سيطرته مجددآ على محور نتساريم تتواءم مع رسالة وجهها وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس الى الغزاويين: «خذوا بنصيحة الرئيس الأميركي، أعيدوا المحتجزين واطردوا حماس، وستُفتح أمامكم خيارات أخرى، بما في ذلك السفر إلى أماكن أخرى حول العالم لمن يرغب، وإلا فالبديل هو الدمار والخراب»..
من جهة اخرى؛ وعلى خلفية ترابط الاحداث لوحدة الاهداف المُلخصة بثلاث: «فرص تطبيع على ما تبقى من دول عربية رافضة او متحفظة، اسقاط حل الدولتين، تحقيق الدولة اليهودية الصافية عرقيآ وربما دينيآ » يمكن وضع فوضى حرب الممنوعات على الحدود السورية-اللبنانية المتشابكة جغرافيآ شمالآ وشرقآ ضمن “إستراتيجية الإلهاء” عبر اشتباكات عنيفة بالاسلحة المتوسطة والقذائف الصاروخية بين عصابات التهريب وبمشاركة حُماتِهم من فصائل اسلامية متطرفة اضافة الى شبان بعض عشائر القرى اللبنانية بينهم منتمين الى حزب الله او من بيئته.. تاليآ اتى انتشار وحدات الجيش اللبناني في مناطق التوتر الساخنة وما تبعه من إنشاء لجنة تنسيق مشتركة مع قوات وزارة الدفاع السورية لتؤكد جديةً فاعلة امام خطورة الاحداث ونجاحآ في إطفاء فتنة يثيرها مأجورين تتجاوز حمى المعارك..
من زاوية اخرى، تبقى قضية البرنامج النووي الايراني من فصول المشهدية الأساس بعد انهاء او تقليص النفوذ العسكري لإيران على الاقليم وتملص الاخيرة من الهجمات التي يشنها الحوثيين اليمنيين؛ فيما منحت رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، مُقرِنَآ رفض إقتراح التفاوض بتحذير من احتمال قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.. استنادآ فإن مهلة الشهرين ستفسح المجال لوساطة بين طهران وواشنطن تساهم فيها موسكو ايجابآ مع دور فاعل لكل من سلطنة عُمان والامارات العربية المتحدة بالمقابل سيكون على نتنياهو عبء افشالها ..!
مما تقدم، التطورات السياسية والعسكرية ليست بعيدة عن استكمال أجندة إتفاقيات ابراهام القائمة على استراتيجية التطبيع سبيلآ اوحد لإستقرار الشرق الاوسط، وغير بريئة من سعيٍ لتفكك دول وتأسيس كيانات في ظل تغيرات جيو سياسية اقليمية متسارعة..
ثم ان ما بين غزة وجنوب لبنان قاسم مشترك من شهداء وجرحى وارض ركام محروقة مجروفة لا ماء فيها ولا نَبت، إلا ان الامكانية متوفرة لخروج الوطن من معاناته وتضميد جراحه في ديناميكية بدأت بإنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة من واجبها استعادة دور الدولة الفاعلة والعادلة تطبق القرارات الدولية تنزع فتائل العدوان وتعمل على اعادة الاعمار ما يفرض على اللبنانيين احزابآ وطوائف التعاون والتكاتف للخروج من المأزق الوجودي؛ على امل ان تنتهي مأساة الشعب الفلسطيني وفق الحل العادل المنشود بدل اقتلاعه عنوة من ارضه وجعل قضيته سردية تاريخية لا اكثر..!
طرابلس في 20.03.2025
*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية