حلف وارسو “2” The Warsaw Pact
بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*
مِن ألمنتظر وصول مندوبي 70 دولة إلى “وارسو” عاصمة بولندا بدعوة مُنَسَقَة مع ألولايات ألمتحدة ألأميركية تحت عنوان «دفع إيران للتصرف كدولة طبيعية» و ضمن مناهضة سياستها و إستراتيجيتها ألعدوانية ..
في ألأساس تُعتبر “وارسو” مركز ألحلف ألعسكري ألذي أنشيء بمواجهة حلف شمال الأطلسي NATO زمن الحقبة السوفياتية ،، و واضِح تَمامَآ أن إختيار مكان ألمؤتمر في هذه ألمدينة له رمزيته و دلالته إذ لا براءة في ألسياسة ،، فَهو نوع من “ألخَبثَنة” لِإغاظة إن لم نقُل تحدي موسكو بصرف ألنَظَر عن تحالف بولندا ألعسكري مع ألولايات ألمتحدة ألأميركية ،، كما أنه أيضآ نوع من “ألزكزكة” إن لم نقل تجاهل قطبي أوروبا “فرنسا و ألمانيا” لِجِهَة عدم عقد ألمؤتمر على أراضي أيٍ منهما ،، على خلفية سعيهما لِأنشاء ألجيش ألأوروبي ألإتحادي ألذي يتيح إستقلاليةً في ألقرار ألعسكري ألدفاعي ألأوروبي عن حلف أل NATO …
أما توقيت انعقاده فلا تحتاج طهران لِفَك شيفرته فهو يحمل أيضآ إشارة سياسية “ألنكاية” إن لم نقل “مزيد من ألعدائية” خاصة أنه ينعقد بِألتَزامُن مع الذكرى الأربعين لـ«الثورة الإيرانية» …
من حيث ألمضمون ، فألهدف ألمُعلَن إرغام “طهران” على وقف تطوير صواريخها ألباليستية سواءً من حيث ألمَدى ألمُجدي أو من حيث ألقوة ألتدميرية ،، و بألتالي على تغيير سلوكها العدائي تجاه المنطقة العربية و ألإقليم و ألكَف عن ألتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة .. كما أنه رسالة تحاول أن تدحض ألإعتقاد ألسائد أن انسحاب ألقوات ألأميركية من سوريا سيُحدث فراغآ في المنطقة ككل تستفيد منه إيران بصورة أو بأخرى .. و هو أيضآ محاولة لإنشاء تحالف واسع ضد إيران مع ألسَعي لِإيجاد مُحَفِزات تجمع ألمعارضة ألإيرانية في ألخارج مُستقبلآ …
لماذا وارسو .؟
ضمن إستراتيجية تطويق روسيا ألإتحادية عبر خط ألتماس ألحدودي ألأوروبي يعتبر ألبنتاغون بولندا أحدى أوراق ألضغط بوجه روسيا ..
من هذا ألمُنطَلَق دعا الرئيس البولندي أندريه دودا Andrzej Duda نظيره الأمريكي دونالد ترامب إلى إقامة قاعدة عسكرية أميركية دائمة في بلاده على أن تتحمل ألحُكومة ألبولندية تكلفة إنشاءها ألمُقدرًة ب ملياري دولار أميركي و سيطلق عليها تسمية “قلعة ترامب”،، و ذلك بهدف حماية بولونيا أولآ عبر تمركز فرقة مدرعة أميركية كاملة ألتجهيز مع بطاريات ألدفاع ألجوي ،، محاصرة و لَجم ألتمدد الروسي فى منطقة شرق أوروبا ثانيآ ،، تأسيس و دعم آلية ردع فعالة بما يلبي إستراتيجية الولايات المتحدة و حلف شمال الأطلسي ثالثآ ..
لم يتأخر ألرد ،، إذ حذرت وزارة الخارجية الروسية من إقدام الولايات المتحدة على إقامة قاعدة عسكرية لها في بولندا معتبرة أن تلك الخطوة ستعني “تدمير القانون التأسيسي للمعاهدة الموقعة عام 1997 بين روسيا وحلف الناتو”، و التي تنص على عدم نشر قوات قتالية كبيرة على أساس دائم ..
كما صرح ألناطق بإسم ألكرملين ديمتري بيسكوف ” أن بولندا بلد حر فى خياراته و كذلك روسيا التى لا تقبل ابدا تمدد حلف أل NATO خارج حدوده و نبه الى انه عند حدوث ذلك فسوف يكون لموسكو “خيارات مضادة ” …
في سياقٍ مُتَصِل ،، يرى ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين أن تَوسع حلف شمال ألأطلسي خارج حدوده نحو بولندا عملآ عدائيآ و خطأ إستراتيجيآ من قبل واشنطن ،، مما سيدفعه إلى مزيد من ألتصلب و ألسير قُدُمآ في تطوير ألترسانة ألحربية ألروسية لا سيما ألمنظومة الصاروخية ألباليستية ألهجومية
«RS-28 Sarmat – ألمدى 11000km-ألشحنة ألمتفجرة 50 Mega/Tons-فارق ألدقة 10m »
خاصة و أن الولايات المتحدة سَبق و أعلنت خروجها من “معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية عام 1988“ متهمة روسيا بخرقها …
من جهة أخرى ،، تعتبر ألولايات ألمُتحدة مؤتمر وارسو «جزءاً من الترتيبات والتحضيرات التي تعمل عليها لفرض نظام إقليمي جديد يكون عدد من ألدول العربية و ألخليجية جزءاً أساسياً منه و ذلك في إطار تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ألمَنوي إستحداثه – الناتو العربي «MESA» ،، و برأي بعض ألخبراء ألإستراتيجيين فأن هذا ألأمر مقلق لإيران وتركيا إذ سيهدد نفوذهما ألمتنامي في المنطقة و سيدفعهما بألتالي إلى تحالفٍ أمتن و أعمق بمباركة روسية ..
معلومات من أللجنة ألتحضيرية للمؤتمر تفيد أن الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن” ألتي نسج خيوطها جاريد كوشنير و بنيامين نتنياهو برضى قادة عرب سيتم ألأعلان عنها أيضآ خلال ألمؤتمر الذي سينعقد منتصف ألشهر ألجاري 13/15-02-2019 ..
في قراءةٍ بديهية ،، لن تكون نتائج و مقررات مؤتمر “وارسو” ألمنتظرة سهلة ألتطبيق و هي ليست نُزَهَة في ظل تعقيدات ألوَضع ألإقليمي ، حروب ألوكلاء و تشابك مصالح أفرقاء ألصراع ،، وَ إذ تعتبر روسيا أن من أهداف ألمؤتَمَر ألأساسية حشد المُعادين لإيران تمهيدآ لإسقاط الاتفاق النووي (5+1) نهائياً ،، فهي أعلنت عبر ألناطق باسم الخارجية ألروسية “ماريا زاخاروفا” عدم ألمشاركة فيه .. كما أعلنت رئيسة المفوضية العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” عدم ألمشاركة أيضآ معتبرة أن ألمؤتَمَر سيزيد من حدة ألتوتر في ألمنطقة ..
بألمقابل ،، إزاء مقاطعة ألمؤتَمَر من قيل ألعديد من ألدول ألأوروبية ، أللاتينية و ألآسيوية “لبنان ضمنآ” و بغية إحتواء ترددات ألغضب ألإيراني أعلن مسؤول أميركي أول من أمس أن المؤتمر الأميركي – البولندي حول الشرق الأوسط ليس موجّها ضد إيران و أشار إلى أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سيشارك شخصيا في “الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط” ..
لاحقآ و في إطار “لَملَمَة” و تَبريد ألمسرح سُجِل ما يلي : أكد وزير خارجية بولندا “غاسيك تشابوتوفيتش” في بيان له “إن المأمول من المؤتمر هو أن يحدث نوعاً من التقارب بين الموقفين الأوروبي والأمريكي بخصوص إيران كما أن بلاده صديقة لإيران ولن تسمح بأي خطوة عدائية ضدها”…
كما أعلن ألوزير “بومبيو” : “أن المؤتمر سيركز على استقرار الشرق الأوسط والسلام والحرّية والأمن مع التأكّد أنّ إيران لا تمارس نفوذًا مزعزعًا للاستقرار” ..
في ألخلاصة ،، ستأتي نتائج ألمؤتَمَر متواضعة إلى حَدٍ بعيد ، كما أن ما سيدور في كواليسه أوهى من أن ينهي ألكباش ألدائر بين ألمحورين ألقطبين و ألإستراتيجيتين ، بل أن مجرد إنعقاده تصعيدٌ بحد ذاته ،، فألمنطقة لن تخرج من عنق ألزجاجة قريبآ طالما أن أرهاب ألدولة تَهُبُ رياحه من شمال فلسطين ألمحتلة و رياح ألإرهاب ألميليشيوي ألداعشي تأتي من ألشَمال ألسوري و كلاهما ذو مصدرٍ و هدفٍ واحد ..
أخيرآ من نافذة محطة ألفضاء ألدولية « ISS » و على إرتفاع 390 km تتأمل رائدة الفضاء ألأميركية « آن ماكلين » Ann Maclean بدهشة ألكَوكَب ألأزرق ألرائع دون أن تشاهد بشاعة ما يجري عليه من “تَناتُش”دوله على مصادره و ثرواته ، موارده و جغرافيته بدموية طاحِنَة و سادية مرعبة .. أحدهم قال طُرفَةً بِألَم :
لم يحتفظ سيدنا نوح عليه السلام على “ألفُلك” بزوج من ألقادة ألأشرار ، ومع ذلك بقي هذا النوع ولم يندثر رغم الطوفان ..
*عميد،كاتب و بَاحِث.