حكاياتي من مخيم فقرستان
حكايات يكتبها: مهند العاقوص*
1- الوطن مدفأة الفقراء
أكثر ما أذكره من شتاءات الطفولة، هو نفخة أبي، كان ينفخ داخل المدفأة كلما شارف الوقود على النفاذ وخبت النار، ثم يغلق فوهة المدفاة وكأنه ملأها وقودا، ويقول ” النار روح المدفأة” وكنا نظن أنها فعلا اتقدت أكثر، فينتشر الدفء في أجسادنا الصغيرة التي لا تتوقف عن تصديق أي شيء….
مرة لم يكن أبي في البيت، فمارست سلطتي في غيابه، نعم نفخت، نفخت حتى انقطع نفسي، وجلست كما يجلس المنتصرون بعد معركة….
وذات يوم، سمعت أبي يقول ” الوطن مدفاة الفقراء” وصادف أنني كنت ساسافر للمشاركة في بطولة رياضية.
قلت لمضيفة الطيران في الأجواء فوق الوطن ” أتسمحون لي أن انفخ من النافذة؟ سأنفخ من قلبي بصدق وقوة”
قلت ذلك وأنا ارتجف من البرد…..
2- لا خبز في البيت
الجياع الذين لا يأكلون، يلعبون كرة القدم كثيرا، ويهتفون آكثر من غيرهم حين يفوز فريق ما، اي فريق….
” انتظر اباك، لا بد انه عائد بالخبز”
كم يأكل الانتظار أفئدة الصغار…
امي وهي تقول لي ” توكل على الله” أعطتني إصبع اللاصق السائل وكأنها تعطيني خبزا.
” قلت لك انا جائع، وما حاجتي باللاصق؟”
مبتسمة كعشب أخضر قالت أمي ” الصق الكرة المثقوبة، والعب، انت تحب كرة الفدم”
حملت اللاصق وخرجت، وتوكلت على الله كما قالت أمي…
قرب الملعب وجدت حذاء مرميا، كان جيد الهيئة ويحتاج للصق، ألصقته باللاصق الذي أعطتنيه أمي، وبعته في السوق القريبة، وحملت الخبز للبيت كمن يحمل كأس العالم.
منذ ذلك اليوم، لا ألعب كرة القدم، لكنني كلما رأيت من يلعبها، يبتسم قلبي سائلا ” هل أعطته امه اللاصق ريثما يصل الخبز؟” واهتف… اهتف طويلا إذا سجل الفريق هدفا… اي فريق…. لا يهم….
3-حذائي العتيق
كلما رأيت علما أتذكر حذائي العتيق، هذه حقيقة أخفيها ما استطعت، لكنها تطفو مثل بصقة في وجه بحر.
في ذلك اليوم، كان حذائي الممزق فاتحا فمه كأطفال مخيمنا الجياع، والجميع يصوبون عيونهم نحو العلم الراقص في حفلة يسميها الخاصة تحية العلم.
وفجأة، صاح مدير المدرسة بي ” ألا تستحي أن تحيي العلم بهكذا حذاء ممزق؟؟ ”
نسي الجميع العلم، واتجهت عيونهم نحو حذائي كبنادق، وعزف النشيد الوطني، بينما كان رأسي متدليا كرأس مشنوق…
بعد ذلك اليوم، صرت بائع أحذية مستعملة، أما المدير فقد صار بائع وطن، والعلم المسكين رحل معي حيث رحلت، يقسم باكيا ” والله ما حياني احد كما فعل حذاؤك”.
*قاص وأديب سوري