حراجل تحفة كسروان ..بلدة غنية بآثارها وتراثها العميق وبمواسم الخير وبالشعر والزجل
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
شامخة في الأعالي مجللة بالبهاء والهدوء… متميزة بمناخها الصحي وطبيعتها الخلابة اللذين جعلاها مقصدا لطالبي الشفاء من الأمراض.
حراجل… حكاية جميلة، بلدة الآثار الغنية والمواسم الخيّرة والتراث العتيق… كانت مقصد رحلتنا بين ضلوع الوطن…
حراجل بلدة جبلية كسروانية ترتفع عاليا عند رأس جبل صنين وتنحدر نزولا حيث يغسل قدميها نهر “نبع المغارة” بارتفاع يتراوح بين 1215 و1777 مترا عن سطح البحر.
تبعد حراجل عن العاصمة بيروت 46 كلم ويمكن الوصول اليها عن طريق الساحل مرورا بمناطق متعددة منها زوق مصبح-جعيتا-بلونة-عجلتون-ريفون-عشقوت-ميروبا وصولا الى حراجل.
أيضا يمكننا سلوك طريق البقاع مرورا بزحلة-حدث بعلبك-عيون السيمان-فاريا-حراجل.
في الطريق الى حراجل، لا يمكن للمرء الا أن يشعر بأنه يقوم برحلة فريدة على ايقاع نسمات الهواء الأنقى على أكتاف جبل لبنان.
عند مدخل البلدة يطالعك مشهد مهيب من الصخور التي تشمخ كغابة من النصب الاثرية…
أحجار قديمة تخرج منها بعض الأعشاب الملونة تنتصب متحدية عبقريات المهندسين ، جاعلة منها لوحة طبيعية أخاذة.
لبلدة حراجل موقع فريد يتغنى به أهلها. فمن ناحية الشرق يحدها منطقة “فاريا” أميرة موسم التزلج في لبنان، وشمالا بلدة ميروبا ذات الطبيعة الساحرة، وجنوبا نهرا اللبن والعسل ونهر نبع المغارة، وغربا خراج ميروبا.
هذا الموقع المميز جعل منها بلدة سياحية بامتياز وقبلة للسياح الذين يقصدونها من كل مكان للتنعم بمناخها الصحي والمشاركة بمهرجاناتها السنوية.
حراجل-غابة الله- وهذا هو معنى اسمها. فالحرج هو الغابة والجزء الثاني من الاسم هو ايل اي الله، وايل هو اسم اله سامي.
حراجل بلدة متجذرة في التاريخ وتمتد جذورها الى كافة الحضارات التي مرت بلبنان. عرفت الفينيقيين والبابليين فالأشوريين والكلدان.
وقد ازدهرت حراجل في الحقبتين اليونانية والرومانية حيث بنيت فيها المعابد والأبنية. ولا تزال المعاصر المحفورة في الصخر والمدافن والنواويس المنتشرة بكثرة في عدة أرجاء من البلدة شاهدة على ذلك.
ومن الشواهد أيضا على تاريخ البلدة الموغل في القدم مغارة “نبع المغارة” كنز البلدة الأثري التي عثر فيها على عظام وحجارة مختلفة وأدوات حجرية منحوتة حيث أشار بعض العلماء الى أن هذا الموقع يعود الى الإنسان الأول البدائي… تقع مغارة نبع المغارة على ضفاف نهر المغارة الذي يصب في نهر الكلب وفي منطقة سياحية تشكل الامتداد الطبيعي لوادي نهر الكلب الأثري ومغارة جعيتا وصولا الى منطقة فقرا.
نواصل مشوارنا الجميل في ربوع حراجل بين المنازل الريفية ذات الحجارة القديمة تحت أشعة الشمس الساطعة. تلك البلدة التي تمتاز بمناخها الجميل صيفا وبمهرجاناتها الشهيرة التي تستقطب السيّاح اضافة الى السياحة الشتوية حيث تكلّلها الثلوج وتجذب اليها هواة التزلّج والاستمتاع بالأبيض الساحر.
اضافة الى السياحة، حراجل بلدة الشعر والشعراء. ويجدر بنا أن نذكر بأن أولى الجوقات الزجلية الكسروانية كانت في حراجل، ومعظم شعراء البلدة اشتركوا في مختلف الجوقات الزجلية في لبنان. ومن أبرز شعراء البلدة الشاعر موسى زغيب الذي اعتلى المنابر منذ أكثر من ربع قرن وغنّى في عدة جوقات زجلية في لبنان والمهجر وهو يترأس اليوم جوقة القلعة.
كيفما مررت في حراجل، تبتسم لك ثمار التفاح المتدلية بكثرة على الأشجار وتوجه لك بطاقة دعوة لتذوقها.
نتابع جولتنا في بلدة حراجل… أسراب الطيور تحلّق بكثافة في سماء المنطقة وتقيم احتفالية مميزة مختبئة بين الحين والآخر في التجويفات الصخرية.
هنا درب وعرة تقودك الى بعض المنازل البعيدة عن بعضها والتي ترتفع صعودا كلما تقدمت في السير. ومنها ننطلق الى منطقة نبع القنا.
نتجه صعودا نحو النبع… وفي هذا المكان يمكننا أن نتحدث عن الطبيعة النقية النظيفة التي لم تمسها يد البشر… فالأعشاب وأنواع الأشجار المختلفة والصخور ذات الأحجام المتنوعة متناثرة بعشوائية جميلة وملونة بألوان قوس قزح.
وقبل الوصول الى النبع، نترجّل من السيارة لأن الطريق الى الأمام شائكة وضخرية لا يمكن اختراقها بأي آلية.
كم يحتاج الانسان بين الحين والآخر الى هذه الفسحة بين الجبال. يعاند الصخر والصخر يعانده وفي النهاية يصل بعد أن تصعد الدماء الى وجنتيه وتشرق الطبيعة في محياه…
هذا النبع أمامنا… سيل فضي يتسلل كالأفعى بين الصخور، يدعونا الى تذوق “أطيب مي”.
تكتسب منطقة نبع القنا أهمية كونها تعتبر مقصدا لكل هواة السياحة البيئية والصيد.
تلك هي حراجل، تحفة كسروانية ونوّارة لبنانية. وهي ترحب دوما بكل محبيها وزائريها وتفرد أمامهم كل جمالاتها…