جوزيه ساراماغو يروي في “العمى” كيف تحول العميان الى وحوش بشرية داخل معتقل الامراض العقلية
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
ولد خوسيه ساراماغو José Saramagoفي البرتغال عام ألف وتسعمة واثنين وعشرين، نشأ في عائلة قروية بسيطة، وعمل في صناعة الأقفال، قبل أن يعمل في الصحافة، ويتفرغ للكتابة والأدب. تميّز سارماغو بأسلوبه التهكّمي الساخر، وبأن مؤلفاته أرّخت لحقب مهمة من تاريخ البرتغال.
حصل سارماغو على عدة جوائز عالمية أبرزها: جائزة نادي القلم الدولي، وجائزة نوبل للآداب عام ألف وتسعمئة وثمانية وتسعين. عرف ساراماغو بمناهضته للعولمة، وبأنه من الأدباء العالميين الذين شكّكوا بالرواية الرسمية لأحداث الحادي عشر من أيلول\سبتمبر عام ألفين.
من أهم روايات ساراماغو: “الإنجيل يرويه المسيح، كلّ الأسماء”، “سنة موت ريكاردوس”. لكن شهرته العالمية جاءت بعد رواية “العمى” التي صدرت عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين، بعد رحلة طويلة مع الكتابة الصحفية والأدبية. توفي خوسيه ساراماغو عام ألفين وعشرة.
أحداث الرواية:
تبدأ أحداث رواية العمى بعد إصابة أحد الاشخاص بنوع غريب من العمى، حيث بات يرى كل شيء أبيض ومشعا كضوء شمس قوي أضاء في عينيه فمنعه من رؤية أي شيء. أمّا أغرب ما في هذا العمى هو تحوّله إلى مرض معد ينتقل من المصاب إلى طبيبه، لينتشر في أوساط المجتمع كله كالطاعون. فتلجأ السلطات من أجل كبح جماح المرض إلى احتجاز المصابين في مستشفى مهجور للأمراض العقلية، وتحيطه بحراس يؤمرون بإطلاق النار على كل من يحاول الهرب.
وداخل هذه المعتقل يعيش العميان في بؤسٍ شديد: بين وجبات يضعها الحراس بعيدا،ً تتيه خطاهم للحصول عليها، وقذارة متناهية حلت في أرجاء المكان، وانعدام لكل مقوّمات الحياة الكريمة، ليتحوّل هؤلاء العميان إلى وحوش بشرية.
وفي ظل هذه الأجواء، يفرض بعض العميان الأقوياء سيطرتهم على الآخرين، ويقومون بفرض قوانينهم الجائرة التي يستغلّون بها البقية رجالاً ونساءً أبشع استغلال تحت تهديد المنع من الطعام والموت جوعاً.
وسط هذا الجحيم، امرأة واحدة لأسباب مجهولة لم تنتقل إليها العدوى وظلت مبصرة. إنها زوجة طبيب ادّعت فقدان بصرها لتبقى إلى جانب زوجها. وحدها بين هذا الكم الهائل من العميان، كانت قادرة على أن ترى مشاهد كثيرة لم يستطع العميان رؤيتها، فهناك الاستبداد والاستغلال والسرقة الانحراف. القذارات البشرية منتشرة في الأنحاء، ومساكين كثيرون ملقون في الدروب، مصابون بأمراض شتى، وترى جثثا متعفنة ألقيت في باحات المستشفى دون أن تدفن.
ولكن، بواسطة هذه المرأة تمكن العميان في النهاية من الهرب بعد أن احترق المبنى الذي كانوا بداخله، ورحل الجنود عنه بعد ان أصابهم العمى أيضا. وغدت هذه المرأة المبصرة الأعين التي افتقدها العميان، أو ملكة مبصرة في مملكة عميان كما تصفها الرواية، ولكنها كانت تقول: “أنتم لا تعرفون ماذا يعني أن نكون مبصرين في عالم كل من فيه عميان، أنا لست ملكة بل ببساطة أنا الإنسانة التي ولدت لترى هذا الرعب”.
يختتم الكاتب روايته بأن تعود الى الناس أبصارهم واحدا تلو الآخر، فيسر الناس كثيرا ويحتفلون بشفائهم، أمّا الطبيب فيسأل زوجته قائلاً: ترى لماذا أصابنا العمى؟ فتجيب زوجته بالقول:”لا اعتقد أننا عمينا بل أظن أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون”.
القيم التي حملتها الرواية:
تصف الرواية بشكل رمزي المجتمعات المعاصرة بالعمى الفكري أي بالجهل الذي يجعل البشر غافلين عن كثير من الحقائق والوقائع التي تحدث حولهم، كما يمنعهم جهلهم من التقدم، فهم بحاجة إلى شخص مبصر حتى يقودهم من الظلمات إلى النور، فالعمى في الرواية ليس عاهة جسدية، إنما يرمز إلى الجانب المعتم والسلبي من الطبيعة الإنسانية، وتجسيد جانب من وضاعتها وعنفها وأنانيتها التي تصل حدّ الاعتداء على الآخر وإلحاق الأذى به.
أهمية الرواية:
تدور أحداث الرواية في مدينة لا تحمل اسما وفي بلد لا يحمل اسما. حتى الأبطال يكتفي ساراماغو بألقابهم: فهذا الطبيب، وهذه هي زوجة الطبيب، وذلك هو الكهل ذو العين المعصوبة، وتلك هي الفتاة ذات النظارات السوداء. وهذا ما يجعل الرواية متحررة من المحلية، فهي تقع وتحدث في كل مكان. بلغة بسيطة يرسم ساراماغو معالم روايةٍ غرائبية عبر مستويات ثلاثة هي: صوت الراوي، صوت المرأة الوحيدة المبصرة، وأصوات الشخصيات الأخرى لنطل من خلال هذه الأصوات على فانتازيا عبثية تختزن مشاعر إنسانية، صامتة تعاني الألم لكنها تأبى الاستسلام.