جنود اسرائيليون ينتحرون اهوال لا يمكن للعالم الخارجي فهمها بشكل كامل
يعاني الآلاف من الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب على قطاع غزة المستمرة منذ 7 تشرين الأول 2023، من اضطرابات نفسية شديدة أدت في حالات عدة إلى الانتحار. وذكرت قيادة الجيش الاسرائيلي إنها
وتحدثت شبكة “سي أن أن” الأميركية في تقرير لها، عن الآثار النفسية وانتشار حالات الانتحار بين الجنود العائدين من القتال في غزة، وقال جنود للشبكة إنهم شهدوا “أهوالاً لا يمكن للعالم الخارجي فهمها بشكل كامل”، وتقدم رواياتهم لمحات نادرة عن وحشية الحرب، التي يرى منتقدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يريدها “بلا نهاية”، وعن الثمن غير المباشر الذي يدفعه الجنود المشاركون.
وتعتبر الحرب الإسرائيلية على غزة هي أطول حرب تخوضها اسرائيل منذ إنشائها، ومع توسع الحرب الآن إلى لبنان يقول بعض الجنود إنهم يخشون أن يتم تجنيدهم في صراع آخر. قال أحد الأطباء في الجيش الاسرائيلي بعد خدمته لأربعة أشهر في غزة لـ”سي أن أن”، شريطة عدم الكشف عن هويته: “الكثير منا خائفون للغاية من التجنيد مرة أخرى للمشاركة في حرب بلبنان. كثيرون منا لا يثقون بالحكومة في الوقت الحالي”.
وعاد جندي الاحتياط، إيليران مزراحي، وهو أب لأربعة أطفال ويبلغ من العمر 40 عاماً، بعد مشاركته في الحرب على غزة لمدة ستة أشهر إلى منزله شخصاً مختلفاً، وفقاً لما صرحت به عائلته لـ”سي أن أن”، وكان يعاني اضطراب ما بعد الصدمة وقبل أن يعاد إرساله للجبهة من جديد انتحر. وقالت والدته: “لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه. ومات بعد ذلك بسبب الصدمة التي تعرض لها”.
وذكرت عائلة مزراحي إنه أمضى 186 يوماً في القطاع حتى أصيب في ركبته، ثم أصيب بتلف في السمع في شباط الماضي عندما أصابت قذيفة سيارته، وتم نقله من غزة لتلقي العلاج. في نيسان تم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، وتلقى جلسات علاج كلامية أسبوعية لكن العلاج لم ينفعه. وبينت والدته أنهم “لم يعرفوا كيف يعاملونهم (الجنود). قالوا (الجنود) إن الحرب كانت مختلفة تماماً. لقد رأوا أشياء لم يرها أحد من قبل في إسرائيل”.
ووصفت العائلة حالة ابنها بأنه كان يعاني أثناء إجازته من نوبات غضب وتعرق وأرق وانطواء اجتماعي، وكان يقول لهم إن “من كان معي في غزة فقط هم من يمكنهم فهم ما أمر به”. وأردفت شقيقته: “كان يقول دائماً: لن يفهم أحد ما رأيته”. وتتساءل والدته إن كان ابنها ربما قتل شخصاً ولم يستطع التعايش مع ذلك.
بعد انتحار مزراحي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور للجندي الاحتياطي وهو يهدم منازل ومباني في غزة ويقف أمام هياكل مدمرة. وأوضحت شقيقته أنها رأت الكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم مزراحي بأنه “قاتل” وتسبه، وترد عليه برموز تعبيرية غير سارة “لقد كان الأمر صعباً”.
واوضح طبيب من الجيش الاسرائيلي للشبكة الأميركية إن الجنود يواجهون معضلات أخلاقية حين يلتقون بالمدنيين في غزة، حيث إن هناك فكرة مسبقة عند الجنود بأن سكان غزة “سيئون، وأنهم يدعمون حماس، وأنهم يساعدون حماس، وأنهم يخبئون الذخيرة”، ولكن في الميدان تغيرت بعض هذه المواقف “عندما ترى المدنيين في غزة أمام عينيك بالفعل”.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في كينغز كوليدج لندن، أهرون بريغمان، والذي خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة ست سنوات، بما في ذلك خلال حرب لبنان عام 1982، أن حرب غزة لا تشبه أي حرب أخرى خاضتها إسرائيل. وقال إن “الحرب طويلة جداً”، ويقاتل الجنود في منطقة حضرية بين العديد من الناس “الغالبية العظمى منهم من المدنيين”. ولفت بريغمان إلى أن سائقي الجرافات هم من بين أولئك الأكثر تعرضاً لوحشية الحرب. وأضاف لشبكة سي أن أن: “ما يرونه هو جثث، ويقومون بتنظيفها مع الحطام. إنهم يمرون فوقها”، ويشير إلى أن الانتقال من ساحة المعركة إلى الحياة المدنية قد يكون أمراً مرهقاً بالنسبة للعديد من الأشخاص، وخاصة بعد الحرب في المدن التي تنطوي على مقتل النساء والأطفال: “كيف يمكنك أن تضع أطفالك في الفراش عندما رأيت أطفالاً يُقتلون في غزة؟”.
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد ذكرت أن 10 جنود انتحروا في الفترة ما بين 7 أكتوبر و11 أيار الماضيين، بحسب بيانات عسكرية حصلت عليها. وعندما سُئل عوزي بيتشور، وهو طبيب نفسي وقائد وحدة الرد القتالي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن عدد حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي منذ الحرب، قال إنه لا يُسمح للسلك الطبي بتقديم رقم، ويرى الجيش أن معدل الانتحار لم يتغير إلى حد كبير. وقال بيتشور إن “معدل الانتحار في الجيش مستقر إلى حد ما في السنوات الخمس أو الست الماضية”، مشيراً إلى أنه في الواقع كان في انخفاض على مدى السنوات العشر الماضية.
وأشار إلى أنه حتى لو كان عدد حالات الانتحار أعلى، فإن النسبة حتى الآن “هي نفسها تماماً مقارنة بالعام السابق لأن لدينا المزيد من الجنود”، وأضاف بيتشور لـ”سي أن أن”: “هذا لا يعني أن هناك اتجاهاً لمزيد من الانتحار”، ولم يقدم أي معلومات عن عدد حالات الانتحار أو معدلها مكتفياً بالقول: “كل حالة بالنسبة لنا مفجعة”.
مع ذلك، تبين أن أكثر من ثلث الجنود الذين تم إبعادهم من القتال يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، ففي بيان صدر في آب الماضي، قالت إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية إنه في كل شهر، يتم إبعاد أكثر من ألف جندي جريح جديد من القتال لتلقي العلاج، ويشكو 35% منهم حالتهم العقلية، بينما يعاني 27% منهم “رد فعل عقليا أو اضطراب ما بعد الصدمة”، وأضافت أنه بحلول نهاية العام من المرجح أن يتم قبول 14 ألف مقاتل جريح لتلقي العلاج، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 40% منهم مشاكل في الصحة العقلية.
واشارت “سي أن أن” إلى أنه من المرجح أن تكون الاضطرابات النفسية في غزة كبيرة أيضاً، فقد سلطت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة الضوء مراراً وتكراراً على العواقب الكارثية التي خلفتها الحرب على المدنيين في غزة، والذين أصيب العديد منهم بالفعل بندوب ناجمة عن الحصار الذي دام 17 عاماً وعدة حروب مع إسرائيل.
وفي تقرير صادر في آب الماضي، قالت الأمم المتحدة إن تجارب سكان غزة تتحدى “التعاريف الطبية الحيوية التقليدية” لاضطراب ما بعد الصدمة، “نظراً لعدم وجود “ما بعد” في سياق غزة”.