ترامب ما يزال في عين الاغتيال ..


بِقَلَم العميد منذر الايوبي*

لم يكن مفاجئآ تعرض الرئيس الاميركي السابق والمرشح عن مقعد الحزب الجمهوري دونالد ترامب لمحاولة اغتيال اثناء المهرجان الانتخابي في ولاية بنسلفانيا وسط حشود مؤيديه.. في المحفزات الميدانية؛ تعتبر الظروف مؤاتية للتنفيذ، اذ ان الخملات والمهرجانات الانتخابية كما حجم الجمهور المشارك (عشرات الآلاف) تسهل وصول مطلق النار إلى المكان المعتلم وتنفيذ جريمته، كذلك استغلال الفوضى التي ستعم المكان ما سيسمح له التواري سريعآ بهدوء.. ثم ان برنامج الجولات الانتخابية عَلى الولايات الذي لا مناص مِن اعلانه يسمح للجهة الجانية إختيار الزمان والمكان المناسبين. اضافة الى ان تجاوز عدة مهرجانات بعيدا عن اية تهديدات يجعل فائض الثقة معكوسآ في مؤداه نوع مِن استرخاء امني يعتري جهاز الحماية اللصيقة والبعيدة، بالتالي سيطرة روتين قاتل عَلى صعيد كفاءة الجهاز ومستوى الاجراءات..!

في المحفزات السياسية؛ كما المعطى الاستخباراتي كان يمكن للعرافات وقارئي الفنجان توقع عملية الاغتيال…! اذ ان اسباب إتخاذ قَرار تحييد الرجل بدت متوفرة تتقاطع مع جهات واجهزة عدة متضررة سواء أعداء ام خصوم وِفقآ للتالي:
-تسببت المناظرة التلفزيونية عَلى شبكة CNN بوقع سلبي عَلى الرئيس الحالي جو بايدن، اذ بدا جليآ بطء التجاوب الجسدي كما انخفاض مستوى التركيز العقلي او الفكري امام منافسه ترامب الاكثر صلابة وابعد رؤية مع منهجية تفكير واضحة، فيما اكدت معظم استطلاعات الرأي امكانية فوز الاخير وعودته الى البيت الابيض..!
-ان تصريحات الرئيس ترامب وتغريداته المعارضة لسياسة الرئيس بايدن كشفت المتوقع مِن ادائه فيما يتعلق بالسياسة الداخلية (خفض الضرائب- الضمان الصحي- العلاقات الاقتصادية مع الصين- البطالة والتضخم المالي- الخ…). اضافة الى قرارات سيتخذها عَلى مستوى السياسة الخارجية والازمات الدولية، ما يعني تغيرآ جذريآ في استراتيجيات واشنطن عَلى المسرح العالمي ومنها:
1-تقليص تقليص الدعم المالي والعسكري الهائل الذي تتلقاه اوكرانيا لمجابهة التمدد الدفاعي الروسي بوجه حلف شمال الاطلسي NATO.
2-عودة الاتفاق النووي الايراني الى المربع الاول مع تجميد المفاوضات، اضافة الى اعادة تشديد الحصار الاقتصادي والمالي عَلى ايران..
3-خفض الانتشار العسكري لقوات المارينز في مناطق مختلفة مِن العالم كالقواعد العسكرية في سوريا (عين الاسد- الرميلان- المالكية..) على سبيل المثال مع الاكتفاء بقاعدة M4 الاستراتيجية.
4-وقف حرب غزة وترتيب وضع السلطة الفلسطينية بما يقارب حل الدولتين، علمآ ان هذا الحل حظره الكنيست الاسرائيلي في جلسته اول مِن امس ، اضافة الى اعادة العمل بالقرار 1701 عَلى الحدود الشمالية لاسرائيل مع احتواء ما يعتبر تهديد حزب الله الردعي..
5-تَسويَة العلاقات الاقتصادية مع الصين وتهدأة النمو العسكري المتزايد للجيش الصيني، في ظل التحالف الاستراتيجي مع روسيا اضافة الى قضية جزيرة تايوان..
6-العودة الى معاهدة « الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى » بعد ان كشفت موسكو ان الولايات المتحدة أخرجت الأسلحة التي حظرتها المعاهدة لنشرها في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ.
7-ان استمرار بايدن في الترشح سيمنح الاغلبية في مجلسي النواب والشيوخ للحزب الجمهوري، ما يعني سيطرة كاملة للرئيس ترامب عَلى مؤسسات الدولة العميقة ومرور قراراته بشكل سلس في الكونغرس..!

تاليآ؛ فيما لَم تحدد الدوافع والخلفيات حتى الآن سواء الشخصية ام السياسية وفق مصادر الأف بي آي. الثوابت المتوفرة تشير الى واقع المؤامرة اللا النظري وِفقآ للتالي:
‏A-ان منفذ الهجوم “توماس ماثيو كروكس” ٢٠ عامآ عمد الى شراء 50 طلقة لبندقيته نصف اوتوماتيكية نوع AR-15 مِن متجر اسلحة محلي قبل ساعات مِن حصول الحادث. B-عثر داخل سيارته على ثلاث عبوات ناسفة وجهاز تفجير عن بعد..
‏C-حيازته جهازي هاتف خليويين، حيث تم ضبط الهاتف الأساسي في مكان الحادث مع جهاز إرسال..!
D-تطرح الاستجابة الامنية لعناصر الحماية عملية القتل بدل التوقيف ثغرات في التحقيق.
E-في هويته الشخصية عدة تساؤلات: انتماءه الى الحزب الجمهوري؛ إتباعه الديانة اليهودية؛ لا مؤشرات على معاناته مشاكل في الصحة العقلية؛ لا تحتوي حساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي لغة او مؤشرات تمثل تهديدآ او شبهة ارتباط بمجموعات ارهابية..

من جهة اخرى؛ اكدت وقائع الحدث والمجريات ان القصور الامني لافت حد الاهمال: *إذ لم يتم تنفيذ مخطط تأمين حماية التجمع من قبل جهاز الخدمة السرية، *لا مسح امني لمحيط الاحتفال، *لا نقاط تمركز لقناصي الامن في الاماكن المشرفة والمرتفعة؛ *انعدام المراقبة البصرية للمحيط سواء البشرية ام التقنية؛*عدم تفتيش الابنية المحيطة ضمن دائرة الرمي المجدي سيَما المبنى الذي اعتلاه مطلق النار.. واذ اسفر الحادث عن إصابة ترامب ومقتل أحد الحاضرين في التجمع، أصيب اثنان آخران قبل أن يتمكن ضباط جهاز الخدمة السرية من قتل مطلق النار؛ فيما اتى التبرير زيادة في التخبط بعد الاعلان عن ترك هذه المهام لفريق الشرطة المحلية. ما يطرح اسئلة عديدة حول جدية الاداء سواء كان مقصودآ ام اهمال فاضح اضافة الى معطيات عدة قد تظهر لاحقآ..!

إزاء ما تقدم؛ .. نفى وزير الامن الداخلي الاميركي (اليخاندرو مايوركاس) الادعاءات ان السلطات الامنية رفضت تعزيز امن ترامب متعهدآ إجراء مراجعة أمنية لما حدث وتقديم إجابات وافية عن تفاصيل الحادث. اما مديرة جهاز الخدمة السرية (كيمبرلي تشيتل) فكشفت عن تعديلات في الاجراءات الامنية اكثر صرامة منذ يوم السبت الماضي للتأكد من حماية ترامب خلال الفترة المتبقية من الحملة الانتخابية..!
في منطق الامور والاحترافية كما الاحاطة الامنية؛ لا شيء يمنع تكرار محاولة الاغتيال سيَما ان الفترة الفاصلة عن اجراء الانتخابات تبلغ عدة اشهر؛ الامر الذي سيفرض مزيدا مِن الجدية في سياق التدابير المتخذة وتغييرآ في التكتيكات على صعيدي الامن الوقائي والاستعلام ألتَكتي بِما يخفض احتمالية الاستهداف وتقليل التأثير ما يرفع درجة الحماية الى 90% و 10% لرد الفعل.. كما لا بد مِن الاشارة عرضآ الى تحفظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاتصال بصديقه الرئيس ترامب تلافيآ لاية تفسيرات قد تستغل مِن المحرضين او تحرف التحقيقات عن مسارها المفترض..!

اخيرآ، المرحلة السياسية في الولايات المتحدة اليوم عَلى درجة عالية مِن الحساسية، اذ ان مًحاولة الاغتيال عمقت عَلى ما يَبدو الانقسام الاجتماعي-السياسي، رغم دعوة الرئيس ترامب الى الوحدة وتضامن القادة السياسيين معه في مقدمتهم الرئيس الحالي جو بايدن؛ اذ ان مستقبل الايام سيكشف الكثير مِن الوقائع سيما ان عاد ترامب إلى البيت الأبيض على ما يرتقب، وان احيطت الحقائق بالطابع السري تلافيآ لارتدادات وعواقب قد تشعل الشارع الاميركي وتؤدي الى انعكاسات غير محمودة..!

-طرابلس في 18.07.2024
*عميد متقاعد، كاتِب وباحث