بين مأزقين قاتلين.. وجودية الكيان تسمو فوق كل اعتبار..!

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

«مستمرون في مساعي تقريب ذات البين هدف انجاز الاستحقاق الرئاسي.. نستطيع القول ان هنالك تقدمآ وايجابيات ملحوظة في مواقف الاطراف اللبنانيين الخ…».. لطالما ادلى كل بدلوه مِن سفراء دول اللجنة الخماسية مرددآ هذه العبارات إثْر لقاءاتها المتكررة سواء مع الرئاستين الثانية والثالثة ام مع ساسة البلد من رؤساء احزاب وكتل نيابية.. اما كتلة الاعتدال الوطني فلها في شقلبة الكلمات باعٌ، من منطلق تمايز تلافي تكرار المبنى فيما المعنى والنتيجة سلبية كسعي سابقتها .. واذ حاولت كتلة اللقاء الديموقراطي استشراف الافق السياسي المظلم من منطلق الحذر الجنبلاطي في مقاربة الملف الرئاسي لدى المعارضة المسيحية الا ان المواقف كانت اكثر تشدداً وتعنتآ رغم النار المشتعلة جنوبآ على مرجل الاقليم.. توازيآ، انبرى رئيس التيار الوطني الحر الى براغماتية معتادة فاصلآ بين استراتيجية العلاقة مع حزب الله وتكتيك التقارب مع الرئيس بري، قافزآ فوق مرجٍ مُدَّ له مِن خصومٍ لحديقة مقبرة سياسية..! لكن الموجز الثابت بعد حوالي السنة ونيف على فراغ قاتل في سدة الرئاسة الاولى ان الولاء للوطن مسألة فيها نَظَر، المصالح الشخصية لأولي الأمر مدمجة طائفيآ، لها اولوية تزداد عمقآ وتمسكآ خلفية صلات ثابتة او مرحلية مع بعض دول الاقليم قائمة عَلى خدمة استراتيجيات هذه الاخيرة دون اي اعتبار للأزمات القاتلة التي تعصف بالبلاد، إذ ان أساس المعضلة لَم يعد ضمن اللعبة السياسية التقليدية بَل طال رسالة التعايش والوحدة الوطنية، ما ادى الى إنهيار كيان الدولة ومؤسساتها دون ان يرف جفن مسؤول، انه الزمن الضائع مِن عمر جمهورية مشلعة الاوصال …

عَلى ضفة اخرى.. “نسعى الى خفض التصعيد وصولآ الى وقف دائم لاطلاق النار على الجبهة الجنوبية تلافيآ لما هو أسوأ، تحذير مِن اندلاع حرب مفتوحة بين حزب الله و إسرائيل ما يؤدي الى دمار هائل مع تورط دول الاقليم في مواجهة شاملة الخ..”•• هذا ما يدلي به اثر كل زيارة الى بيروت توأم التهدأة الاساسي مستشار الرئيس الاميركي لشؤون امن الطاقة آموس هوكستاين ومبعوث الرئيس الفرنسي الى لُبنان جان إيف لودريان، مع تعريج آخرين عرضآ مِن حين لآخر.. فيما عاصمة الكيان المحتل إن غادرها وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن فالعائد اليها وزير الدفاع لويد اوستن يليه مدير السي أي إيه ويليام بيرنز الخ.. هدف محاولة خجولة لاقناع نتنياهو .(تلافي قصف المدنيين الفلسطينيين والسماح بدخول المساعدات الغذائية والطبية) لا اكثر ولا اقل، تزامنآ مع استمرارية مدد السلاح، فيما مبادرة الرئيس بايدن لوقف اطلاق النار تبقى بقيمة “اقتراح” صنف باب رفع العتب ..!

توازي المأزقين الداخلي والاقليمي بات متاهة يتخبط فيها الجميع عجز معالجة او عثور عَلى مسلك خروج، فيما ضُبَاحُ الثَّعْلَبِ نتنياهو يعلو لهاثآ يحرق الانفاس..! لكن الأعظم الذي يزيد الشرخ محليآ بالابعاد الثلاث ويفرغ الوطن مِن مكونات وجوده الديموغرافية، الاقتصادية والسياسية فبادٍ جراء انعدام التضامن الوطني وتشرذم المواقف مع ضلال في الخيارات، إن إعتراضآ تارةً عَلى اداء رئيس حكومة يمارس معذورآ منهجية حكمة “ما كلف الله نفسآ الا وسعها”؛ او رفضآ لحوار بات اكثر من ضرورة بصرف النظر عن خشية مِن تكريس اعراف تارةً اخرى؛ فيما يفرض المنطق العقلاني تلاقٍ على حفظ وجودية الكَيان المُهَدد في حاضره ومستقبله الذي يسمو فوق كل اعتبار..

ماذا ينتظرنا..؟ الملهاة مِن صنف “حزورة الزهرة” حرب ام لا حرب؟ رئيس ام لا رئيس؟ فيما الاشواك تدمي اهل البلد والمأساة تستمر فصولآ..! الوطن عَلى قارعة انتظار غيث رطيب والوقت ثمين..! الارتهان للخارج عقيم، لا انقلاب في موازين المعادلة الحالية بل سعي تحسين مواقع وتحصيل مكاسب، حساب نتائج التطورات الخارجية الاقليمية والدولية سواءً في الميدان ام في صناديق اقتراع الدول الثلاث (الولايات المتحدة، ايران، فرنسا) من منظور الاهتمام والرعاية تساوي صفرآ.. غباء مقارنة الإعصار بريح بحرية ظن استدارتها قد تؤاتي شراع هذا الفريق او ذاك؛ لا كوة تسمح بالمساومة فالفرض اكبر مِن دلع الرفض ان حانت اللحظة قبل ان توافي الوطن المَنيَّة..!

طرابلس في 01.07.2024
*عميد متقاعد، كاتِب وباحث.