بين الرد عَلى الاغتيال والهجوم الإستباقي تحول في تكتيك واستراتيجية المواجهة..!


بقلم العميد منذر الايوبي*

بعد انتظار لاسابيع اطلق حزب الله فجر امس الاحد عملية هجومية صاروخية وجوية بسلاح المسيرات نحو العمق الاسرائيلي، بالتوازي اعلن جيش العدو تنفيذ هجوم استباقي ضد الحزب مؤكدآ تنفيذ اكثر مِن 40 غارة عَلى مناطق في جنوب لُبنان.. بين عملية اغتيال القيادي فؤاد شكر ورد المقاومة بالتناسب المدروس في تحديد وضرب هدف استراتيجي ثكنة ميليلوت حيث مقر الوحد 8200 الاستخباراتية، انتقلت الردود الى سلاح الاعلام ووسائل التواصل ضمن تصاريح وبيانات عسكرية اختتمت بكلمة امين عام حزب الله حسن نصرالله معلنآ انتهاء المهمة ونجاح تنفيذها بالمعطيات الراهنة والمتوفرة؛ فيما اقتصر تعليق المتحدث باسم جيش العدو دانيال هاغاري الوضع العسكري بعبارة “إحباط هجوم كبير على منشآت استراتيجية وسط البلاد” ..
دون الدخول في تفاصيل العمليتين “الرد عَلى الاغتيال والضربة الوقائية” فكلاهما يدخلان في باب تصفية الحساب لاحدى مراحل المواجهة، قد يكرس الرد عودة الوضع العسكري الى ما قبل استشهاد السيد محسن، لكنه رسم خطوطآ جديدة منها:
-ان العمق الجغرافي القتالي بات مفتوحآ امام حزب الله مع قدرة صبط مانع انزلاق الى الحرب الشاملة..
-ان المعركة المعلوماتية في الفضاء السيبراني والاستخباراتي قابلة للموازنة تقنيآ وميدانيآ، وقصف مقر الوحدة 8200 من ضمنها..
-ان الثقل النوعي المتدرج للاسلحة وقدراتها التدميرية يعود لقيادة المقاومة دون الاخذ بعين الاعتبار مَسرَح المعركة بر- بحر- جو. -ان جبهة الاسناد الجنوبية ثابتة مفتوحة الى اجل تحقيق وقف اطلاق النار وانجاز اتفاق تبادل الرهائن والمعتقلين..

في الاستقراء إقامة البرهان مِن استدلال، معاينة واقعية بالعقل والتحليل بعيدآ عن الماورائيات، اذ ليست منذ بدايات عملية طوفان الاقصى ولَم تكن القضية تحقيق اتفاق لوقف حرب يشنها العدوان منذ عشرة اشهر ونيف، كما لا يشكل اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين امرآ مهمآ لدى رئيس حكومة العدو، اذ موضعه ضمن خانة تحصيل احدى النجاحات عَلى هوامش النصر الاساسي المبتغى..!
ثُم ان الفشل المتكرر المتعاقب للمفاوضات عَلى خط الدوحة-القاهرة رغم رفع مستوى المفاوضين سيَما الاميركي، يحمل دلالات رفض اي اتفاق، شكلية باهتة نوع من مماطلة تنتقل من معبر لمحور يُسبَغ عليها نفحة ايجابية كلما دنت من انفضاض وقطيعة.. ما يعني ذهابآ نحو غموض سلبي لكيفية وقف حرب الإبادة انتظار تكريس الكونغرس عودة دونالد ترامب رئيسآ لولاية جديدة.. اما زوادة نسف المفاوضات فسببياتها بيد نتنياهو جاهزة تَبدأ بمحوري فيلادلفيا ونتساريم ولا تنتهي بالمعابر السبعة “رفح – كارني- صوفا- ناحال عوز- كرم ابو سالم- القرارة- إيريز”..! قناعته ان لا فرصة اهم وافضل مِن الحالية يستدرج بها الادارة الاميركية للتورط معه في حرب شاملة تهدف وفق استراتيجيته الى القضاء عَلى حركة حماس والامساك بزمام القطاع سياسيا وامنيا، كما ضَرب حزب الله في بنيته القيادية والعسكرية مع دفعه الى ما وراء نهر الليطاني..
مِن هذا المنطلق عَلى قناعة ان معركة الرهائن باتَت نمطية إبطاء كما معبري نتساريم وفيلادلفيا مسلكي مماحكة وتسويف، تراوح السياسة الاميركية مكانها عَبرَ “استراتيجية الاحتواء”، اذ تدعو نتنياهو لخفض التصعيد والقبول بالتسوية مع حركة حماس فيما تتماهى معه ضمنآ بمدد متواصل لوجستي تسليحي غير مسبوق، تعَهَد باستمراريته وزير الدفاع لويد اوستن بالتزامن مع ايفاد رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة تشارلز براون الى تل ابيب للاطلاع على الخطط العسكرية المستقبلية والمرحلية لنظيره الاسرائيلي هيرتسي هاليفي..!

اخيرآ، دوغمائية نتنياهو ثابتة جمود عقلي في اعتناق مبادئ وافكار اسسها دينية تلمودية، اذ جاء في الإصحاح 33 فقرة 55: «إن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا في أعينكم، ومناخس في جوانبكم، ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها» انى له او لمتطرفي الصهاينة طموح سلام دائم معقود الامل عليه..؟ هو المعتنق يقينية تعسفية قطعية جرمية ولو ظهرت دلائل ومواقف تثبت خطأ خياراته..! اما ثابتة المقاومة ففكر المواجهة، عقيدة الصمود والتشبث بالارض، حق الحياة ورفض الظلم، استعادة الارض والمقدسات، لها من الخلفية الايمانية قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] حافز جهاد واستشهاد..!

طرابلس في 26.08.2024
*عميد متقاعد، كاتِب وباحث.