بشرى لمن يعانون الصلع… زرع خلايا الشعر بات علاجاً وشيكاً

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

يقوم علماء البيولوجيا في العديد من الشركات الناشئة بتطبيق أحدث التطورات في مجال الهندسة الجينية لحل مشكلة الصلع الأزلية، وذلك من خلال إنتاج خلايا جديدة مكوّنة للشعر يمكنها استعادة قدرة الشعر على النمو لدى الشخص.
وقال بعض الباحثين إنهم يستخدمون هذه التقنيات لزرع خلايا الشعر البشري في مختبراتهم وحتى لدى الحيوانات.
مؤسس الشركة هو إرنستو لوجان، عالم بيولوجيا تلقى تدريبه في جامعة ستانفورد. ويقول إن شركته يمكنها إنتاج مكونات بصيلات الشعر عن طريق “إعادة البرمجة” الجينية للخلايا العادية، مثل خلايا الدم أو الدهون. لا بدّ من إجراء المزيد من الأبحاث، ولكن لوجان يأمل أن تؤدي هذه التقنية في النهاية إلى علاج “السبب الكامن وراء تساقط الشعر”.
تكون كافة بصيلات الشعر موجودة لدى الإنسان عند ولادته، لكن الشيخوخة والسرطان وهرمون التستوستيرون والوراثة وحتى كوفيد-19 يمكن أن تقتل الخلايا الجذعية الموجودة داخلها والتي تنتج الشعر. يزول الشعر بمجرد زوال هذه الخلايا الجذعية. ويقول لوجان إن شركته يمكنها تحويل أي خلية إلى خلية جذعية شعرية بشكل مباشر عن طريق تغيير أنماط الجينات النشطة فيها.
ويقول إننا في البيولوجيا “نعتبر الخلايا حالة” وليست وحدة ثابتة. ويضيف: “ويمكننا تحويل الخلايا من حالة إلى أخرى”.
إعادة برمجة الخلايا
يعدّ استبدال الشعر أحد الجوانب في عملية أوسع لاستشكاف ما إذا كانت تقنية إعادة البرمجة يمكنها التغلب على أعراض الشيخوخة. في شهر آب/أغسطس 2021، أفادت إم آي تي تكنولوجي عن شركة سرية، تسمى ألتوس لابس Altos Labs، تخطط لاستكشاف ما إذا كان يمكن تجديد شباب الناس عن طريق إعادة البرمجة. وتحاول شركة ناشئة أخرى، تسمى كونسبشن Conception، زيادة الخصوبة عن طريق تحويل خلايا الدم إلى بويضات لدى النساء.
حدث تطور رئيسي في أوائل القرن الحادي والعشرين، عندما توصل باحثون يابانيون إلى تركيبة بسيطة لتحويل أي نوع من الأنسجة إلى خلايا جذعية قوية مماثلة لتلك الموجودة لدى الجنين. وكانت التوقعات كبيرة. أدرك العلماء أن بإمكانهم إنتاج كميات غير محدودة من أي نوع من الخلايا، مثل الأعصاب أو عضلات القلب.
ولكن من الناحية العملية، يمكن أن يكون الحصول على التركيبة المخصصة لإنتاج أنواع معينة من الخلايا صعباً، كما أن هناك مشكلة إعادة الخلايا المزروعة في المختبر إلى الجسم. حتى الآن، لا يوجد سوى عدد قليل من التطبيقات لإعادة البرمجة كوسيلة لعلاج المرضى، إذ حاول باحثون في اليابان زرع خلايا شبكية لدى المكفوفين. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قالت شركة فيرتكس فارماسيوتيكالز Vertex Pharmaceuticals الأميركية إنها ربما تكون قد عالجت مرض السكري من النمط 1 لدى مريض بعد حقن خلايا بيتا المبرمجة، وذلك من النوع الذي يستجيب للأنسولين.
يتمثل المفهوم الذي تسعى إليه الشركات الناشئة في جمع الخلايا العادية، مثل خلايا الجلد، من المرضى، ثم تحويلها إلى خلايا مكوّنة للشعر. بالإضافة إلى شركة دينوفو، جمعت شركة تدعى ستيمسون Stemson (اسمها مشتق من المصطلحات الإنجليزية “للخلايا الجذعية” و”شمشون”) مبلغاً قدره 22.5 مليون دولار من ممولين بما فيهم شركة الأدوية أب في AbbVie . ويقول المؤسس والرئيس التنفيذي جيف هاميلتون إن شركته تقوم بزرع الخلايا المعاد برمجتها في جلد الفئران والخنازير لاختبار هذه التقنية.
ويعتقد كل من هاميلتون ولوجان أن هناك سوقاً كبيراً لها، إذ يعاني نحو نصف الرجال من الصلع، والذي يبدأ لدى البعض في العشرينات من أعمارهم. وعندما تفقد النساء الشعر، فغالباً ما يكون على شكل ترقق فيه بشكل عام، لكنه لا يقل ضرراً عن الصلع بالنسبة لهن.
تقوم هذه الشركات بإدخال تقنيات بيولوجية متطورة إلى مجال مشهور بالخداع. فهناك الكثير من الادعاءات الكاذبة حول علاجات تساقط الشعر وإمكانات الخلايا الجذعية. وكتب بول نوبفلر، العالم في بيولوجيا الخلايا الجذعية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021: “يجب أن تكون حذراً بشأن العروض الخادعة”.
مجال تجاري خادع
إذن، هل ستؤدي تقنية الخلايا الجذعية إلى علاج الصلع أم ستصبح الأمل الزائف القادم؟ قال هاملتون، الذي تمت دعوته لإلقاء الكلمة الرئيسية في المؤتمر العالمي لتساقط الشعر لعام 2021، إنه حاول التأكيد على أن الشركة لا يزال لديها الكثير من الأبحاث التي يتعين إجراؤها. مضيفاً: “لقد رأينا الكثير من [الناس] يأتون ويقولون إن لديهم حلاً. لقد حدث ذلك كثيراً في مجال الشعر، ولذا يتعين عليّ معالجة ذلك. نحن نحاول أن نُظهر للعالم أننا علماء حقيقيون وأن هذا الأمر محفوف بالمخاطر لدرجة أنني لا أستطيع ضمان نجاحه”.
في الوقت الحالي، هناك بعض الأدوية المعتمدة لتساقط الشعر، مثل بروبيشا Propecia وروجين Rogaine، لكن استخداماتها محدودة. وتشمل عملية أخرى قطع شرائح من الجلد من إحدى المناطق التي لا يزال فيها شعر وزرع هذه البصيلات جراحياً في منطقة صلعاء. ويقول لوجان إنه قد يكون من الممكن في المستقبل إضافة الخلايا المكوّنة للشعر المزروعة في المختبر إلى رأس الشخص من خلال إجراء جراحة مماثلة.
ويقول كارل كولر، الأستاذ بجامعة هارفارد: “أعتقد أن الناس سيبذلون الكثير لاستعادة شعرهم. ولكن في البداية ستكون العملية مخصصة ومكلفة للغاية”.
تعدّ بصيلات الشعر من الأعضاء المعقدة جداً، حيث تنشأ من العديد من أنواع الخلايا. ويقول كولر إن صور الفئران التي نما لديها شعر بشري ليست جديدة. ويضيف: “عندما ترى هذه الصور، فهناك دائماً خدعة وبعض العوائق لتطبيقها على البشر”.
يقوم مختبر كولر بإنتاج الشعر بطريقة مختلفة تماماً، وذلك عن طريق زراعة العضيات. هذه العضيات هي عبارة عن كتل صغيرة من الخلايا تنتظم بشكل تلقائي في طبق بتري. ويقول كولر إنه كان في الأصل يدرس علاجات الصمم وأراد زراعة الخلايا الشبيهة بالشعر في الأذن الداخلية. لكن هذه العضيات أصبحت جلداً في النهاية، واكتملت ببصيلات الشعر.
تقبّل كولر الحادث، وهو يقوم حالياً بإنتاج عضيات جلدية كروية تنمو لمدة 150 يوماً تقريباً، حتى يصل عرضها إلى نحو 2 مم. وتكون بصيلات الشعر التي تشبه الأنبوب مرئية بوضوح، ويقول إنها تشبه الشعر الناعم الذي يغطي الجنين.

إحدى المفاجآت هي أن العضيات تنمو بالعكس، حيث يتجه الشعر فيها للداخل. ويقول كولر: “يمكنك أن ترى بنية رائعة، على الرغم من أن سبب نموها من الداخل إلى الخارج هو مسألة كبرى”.
يستخدم مختبر هارفارد مجموعة من الخلايا المعاد برمجتها والمأخوذة من رجل ياباني يبلغ من العمر 30 عاماً. لكنه يدرس الخلايا من متبرعين آخرين لمعرفة ما إذا كانت العضيات يمكن أن تؤدي إلى شعر بلون وقوام مميزين. ويقول كولر: “هناك طلب على هذا الأمر بكل تأكيد. وشركات التجميل مهتمة به، فهي تبدي حماسها عندما ترى العضيات”.

——————————

*رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”